اللواء الدكتور شوقي صلاح
أستاذ القانون بأكاديمية الشرطة المصرية
وخبير مكافحة الإرهاب
بقلم: اللواء الدكتور شوقي صلاح
القاهرة (زمان التركية) – بعد أن سيطر تنظيم طالبان على المشهد الأفغاني، فقد أكد المتحدث الرسمي عنه بعفو طالبان عمن حاربوها من قبل؛ ويَقصُد هنا عناصر الجيش الأفغاني، كما أنها ستساعد في خروج قوات التحالف الغربي، وتوفر ممرات آمنة لمن يرغب في الخروج من أفغانستان.. كلها إشارات تدل على أن التنظيم لا يريد ـــ قدر إمكانه ـــ مواجهات عسكرية في هذه الآونة، وربما تتلاقى معه في هذا الشأن رغبة التحالف الغربي.. ومع هذا صرح الرئيس الأمريكي مؤخراً بأن عملية إجلاء الأمريكيين والمتعاونين معهم من أفغانستان تحيط بها مخاطر كثيرة، وأنه لا يضمن النجاح الكامل لعملية الإجلاء، لكن ستبذل الولايات المتحدة قصارى جهدها لتحقيق هذا الهدف. والسؤال هنا لماذا تحرص الولايات المتحدة لإجلاء المتعاونين معهم أثناء فترة الاحتلال من الأفغان ؟
لعل هذا يرجع لأمرين؛ الأول والأهم: أن المتعاونين هم كنز استراتيجي للمعلومات، حيث يمكن الحصول منهم على الكثير من الأسرار، فالمترجمين الذين قاموا بترجمة الاستجوابات التي كانت تتم من قِـبَل ضباط المخابرات لعناصر طلبانية وغيرهم، يعرفون الكثير من المعلومات التي لا تهم طالبان فحسب، بل تهم أيضاً كل خصوم التحالف الغربي.. .
والسبب الثاني : يتعلق بمحاولة إثبات مصداقيته والثقة التي يجب أن يقتنع بها عملاؤه، والتي ستسهل له تجنيد غيرهم في مهامه المستقبلية، فالتحالف يريد التأكيد على تبنيه لمبدأ “ من يساعدنا لن نتخلى عنه “.
هذا وصرح الأمين العام لحلف (الناتو)، ينس ستولتنبرغ في الــ20 من أغسطس الجاري بأن السرعة التي تمكنت بها حركة طالبان من السيطرة على البنية التحتية السياسية والعسكرية لأفغانستان “لم تكن متوقعة !؟ مضيفًا أنه سيتم إجراء “تقييم شامل” لمشاركة الناتو في مهمة أفغانستان.. ولنتوقف قليلاً أمام هذا التصريح وبخاصة قوله بأنه يعتزم إجراء “تقييم شامل” لأسباب هذا الفشل.. فمن المؤكد أنه سيسند هذه المهمة إلى لجنة من الخبراء للتحقيق في الأمر والوقوف على أسباب الإخفاق، وإن جاز لي أن أطرح رأياً في هذا السياق؛ فنرى أنه كان على المخطط الاستراتيجي لهذه الحرب أن يضع في حسبانه تكليف مراكز بحثية متخصصة ومستقلة لمتابعة المهمة من البداية وحتى النهاية، بشكل منفصل عن القوات المسلحة وأجهزة المخابرات، فالاعتماد الأساسي على ما تنتهي إليه أجهزة المخابرات من تقييمات للموقف واستنتاجات لا يكفي؛ خاصة وأن أجهزة مخابراته لديها قناعات زائفة بأنها وحدها من تحتكر دائماً الحقيقة والصواب ـــ معاً ـــ !!!
ولتكن المحطة الرئيسية الثانية في هذا المقال، نتوقف فيها أمام التساؤل الآتي: ما مدى جدوى المعالجات الفكرية في مواجهة أيديولوجية طالبان ؟؟؟ وسبق أن عرضنا لها في مقالنا الأول المعنون ” أيديولوجية طالبان أخطر من بندقيتها “.
ونؤكد هنا أن الإجابة بــ ” نعم أو لا ” تصبح غير دقيقة؛ وذلك على التفصيل الآتي بيانه:
إذا كان الهدف مواجهة عقيدة لدى تنظيم ديني متطرف وإرهابي فإن المواجهة هنا ستوجه لفئات ثلاث؛ الأولى: هي الجمهور العام من المسلمين الذين ينهجون نهجاً وسطياً في فهم دينهم، والمعالجات هنا هي بمثابة جهود فكرية استباقية لوقاية هذه الفئة ـــ وهي تمثل الغالبية العظمى من مسلمي العالم ـــ من الدخول في دائرة التطرف متأثرة بالفكر الديني الإسلامي المتشدد، والذي تمثله طالبان ومن هم على شاكلتها من التنظيمات والحركات الدينية الإسلامية، بل ومن جانب من الدعاة الذين يتبنون فكرهم السقيم. والمواجهة هنا بالطبع ضرورية ومجدية.
والثانية: هم مسلمون متطرفون فكرياً ولكنهم لا يرغبون في الولوج لدائرة الإرهاب، والقيام بمقاتلة أعداء هذه الأيديولوجية، سواء من غير المسلمين أم من بعض المسلمين الذين يخالفونهم في فهم الدين وكيفية تطبيق أحكام الشريعة على الواقع.. والمواجهة هنا ضرورية ولكن جدواها محدودة نسبياً.. ولعل سبب محدودية نجاح هذه الجهود إنما ترجع لأسباب أهمها طبيعة الشخصية المنغلقة للمتطرف الديني، بجانب عزوف المتطرف عن الدخول في مواجهات فكرية، يمكن من خلالها إقناعه بخطأ فهمه من ناحية وتصويب قناعاته من ناحية أخرى.
والثالثة: المعالجات الفكرية للمتطرفين الذين دخلوا بالفعل لدائرة الإرهاب، وهي مهمة شبه مستحيلة، فمواجهة هذه الفئة تكون في مسرح العمليات، سواء بالقضاء عليهم في مواجهات مسلحة، أم بالقبض عليهم ومحاكمتهم محاكمات عادلة.
هذا وفي ضوء مستجدات الموقف الراهن للتنظيمات الدينية المتطرفة فإن تنظيم “القاعدة” نتنبأ بأنه سيحتل في المستقبل القريب مركز الصدارة من حيث الخطورة على المستوى الدولي.. لذا فستتجه دول كثيرة إلى التركيز على مواجهته فكرياً وأمنياً وعسكرياً.. وجدير بالذكر أنه ورغم أن مصر تعاني من تطرف ديني سقط فيه البعض من أبنائها، إلا أننا لا نبالغ بالقول بأن، مصر تتبوأ مركز الصدارة العالمي في قدرة علمائها على القيام بمهام المعالجات الفكرية لمواجهة التشدد الخطير في فهم صحيح أحكام الدين الإسلامي؛ وذلك من خلال علماء أزهرها الشريف، الذين يتبنون الفقه الديني السني الوسطي، فلنا تجارب واقعية لهذه المعالجات الفكرية، أكسبتنا الاحترافية في القيام بمثل هذه المعالجات.. لذا فإن رغبت أي دولة في مواجهة هذه الأيديولوجية الدينية المتطرفة، فستجد ضالتها في علماء مصر الأجلاء.
القارئ الكريم: امتناني لطلتكم الكريمة ولكم مني كل الود