أنقرة (زمان التركية)_نشرت صحيفة “ذا ناشونال” الخليجية والصادرة باللغة الإنجليزية، مقالا هاما كتبه المتخصص في شؤون تركيا والشرق الأوسط دافيد لبيسكا يتناول فيه المكاسب التي حصلت عليها تركيا من الحرب الأوكرانية.
وقد جاء في المقال:
بعد أن كسبت تركيا الثناء الأوكراني على أداء طائراتها بدون طيار، والشكر على والمساعدة في التوسط في صفقة الحبوب درءا للمجاعة التي قد تحدث، بالإضافة إلى استضافة تركيا محادثات سلام أولية بين روسيا وأوكرنيا، وبالطبع لا يمكن إغفال استفادة تركيا من العقوبات الغربية على موسكو الأمر الذي عزز تجارتها بشكل متنامي مع روسيا، ربما يعتقد المرء أن تركيا قد استفادت كثيرًا من الحرب الروسية في أوكرانيا.
ولكن في الأسبوع الماضي ظهرت ميزتان متشابكتان جديدتان، أولاً، التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنظيره التركي رجب طيب أردوغان في أستانا وعرض عليه تحويل تركيا إلى مركز إقليمي للطاقة.
من شأن اقتراح موسكو تحويل غازها الطبيعي من خط أنابيب نورد ستريم إلى تركيا، عبر خط أنابيب ترك ستريم المشترك ومن هناك إلى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، تستخدم روسيا ترك ستريم لإرسال كميات كبيرة من الغاز الطبيعي ليس فقط إلى تركيا، ولكن أيضًا إلى المجر ودول أوروبية أخرى.
وقال وزير الطاقة التركي إن الاقتراح الجديد يبدو ممكنا، بينما رفضت فرنسا بسرعة الخطة، رداً على الغزو الروسي لأوكرانيا، وكان الاتحاد الأوروبي يعمل على إبعاد نفسه عن إمدادات الطاقة الروسية ومن المحتمل أن تحذو معظم دول الاتحاد حذو باريس.
ويأتي اقتراح بوتين في الوقت الذي تقترب فيه إمدادات الغاز من شرق البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا من ثمارها، فبعد أكثر من عقد من الخلافات والنزاعات توصلت كلا من لبنان وإسرائيل الأسبوع الماضي إلى اتفاق تاريخي للحدود البحرية توسطت فيه الولايات المتحدة من شأنه أن يفتح الوصول إلى احتياطياتهما الضخمة.
وقد صرح مفوض الطاقة بالاتحاد الأوروبي يوم الجمعة أن غاز شرق البحر المتوسط قد يساعد الاتحاد الأوروبي على الابتعاد عن الطاقة الروسية، و يعتقد بعض المراقبين أن اتفاق بلاد الشام، بين الجيران المتحاربين في كثير من الأحيان يمكن أن يعطي زخما جديدا لقرار قبرصي محتمل من شأنه أن ينقل غاز شرق المتوسط إلى أسواق الاتحاد الأوروبي عبر خط أنابيب عبر قبرص وتركيا يبقى أن نرى ذلك
من جهة أخرى وفي ظل التوتر القائم بين اليونان وتركيا، نجد أن قبرص تمثل مفتاح مكاسب تركيا المحتملة الجديدة من حرب أوكرانيا، فبعد ثلاثة عقود من سقوط الاتحاد السوفيتي كانت أوكرانيا لا تزال تعتمد على المدفعية والأسلحة والذخيرة التي تعود إلى الحقبة السوفيتية، ومنذ بداية الحرب كانت هذه الإمدادات العسكرية تنفد بشكل خطير – وبينما سعى حلفاء أوكرانيا الغربيين على تزويد أوكرانيا بالأسلحة المتطورة مع تزويد الكوادر بالتدريبات اللازمة كان داعمو كييف الغربيون يجوبون العالم بحثًا عن أسلحة من الطراز السوفيتي، وبينما تمتلك العديد من الدول الأفريقية والشرق أوسطية بما في ذلك الكونغو ورواندا والكويت مخزونات كبيرة من الأسلحة السوفيتية لكنها ليست أعضاء في الناتو وكانت تلك الدول مترددة في تزويد أوكرانيا بالمساعدات الفتاكة، بينما أرسلت بولندا ودول أخرى في أوروبا الشرقية إلى أوكرانيا بالفعل كل الأسلحة ذات الطراز السوفياتي التي تستطيع ذلك دون المخاطرة بدفاعاتها، كانت جمهورية قبرص تمتلك مخزونًا هائلاً من أسلحة الحقبة السوفيتية بفضل حظر الأسلحة الذي تفرضه الولايات المتحدة منذ عقود بما في ذلك أكثر من 100 دبابة وعربة مدرعة.
وهكذا جاءت أهمية قبر ففي الأشهر الأخيرة ،التقى مسؤولون أمريكيون مرارًا وتكرارًا بمسؤولين من قبرص، وهي عضو في الاتحاد الأوروبي ولكنها ليست عضوًا في الناتو، ويتمثل موقف القبارصة في أنهم نظرًا للتهديد الأمني المستمر لاحتلال تركيا للثلث الشمالي من الجزيرة ، لن يتمكنوا من إرسال أسلحة تعود إلى الحقبة السوفيتية إلى أوكرانيا إلا إذا حصلوا على بدائل مناسبة، وبالطبع ليس من قبيل الصدفة أن رفعت الولايات المتحدة هذا الشهر حظر الأسلحة على قبرص ، مما مهد الطريق أمام واشنطن لبيع الأسلحة إلى نيقوسيا، ولكن العقبة في هذا التبادل المحتمل هي أنقرة، حيث صرح السيد أردوغان بالفعل إنه سيعزز الوجود العسكري التركي في الجزيرة إذا بدأت الولايات المتحدة في تسليح قبرص.
وهذا من شأنه أن يجازف بإعادة إشعال سباق تسلح ويزيد من حدة التوترات بين تركيا واليونان، وتجدر الإشارة إلى أن الموجة الحالية من الاضطرابات بين جيران بحر إيجة بدأت بعد أن حث رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس الكونجرس الأمريكي في مايو الماضي على عدم بيع مقاتلات تركية من طراز F-16 مما دفع السيد أردوغان إلى التأكيد في تصريحاته على أن الزعيم اليوناني لم يعد موجود.
لكن الأسبوع الماضي تغيرت الأمور عندما أسقط مجلس الشيوخ الأمريكي تعديلين من مشروع قانون الإنفاق الدفاعي السنوي الذي كان من شأنه أن يمنع بيع طائرات F-16 إلى تركيا، فهل من الممكن أن تكون تلك الخطوة تمهيد لطريق بيع مقاتلات F-16 إلى تركيا باعتبارها محاولة من واشنطن لتهدئة أنقرة في حالة قيام الولايات المتحدة ببيع الأسلحة إلى نيقوسيا.
والجدير بالذكر أن السناتور الأمريكي روبرت مينينديز رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ والقوة الدافعة قد تعهد بإنهاء الحظر المفروض على قبرص، في اليوم التالي لقرار رفض بيع مقاتلات F-16 لتركيا وذلك بتعليقه بيع الطائرات بشرط صرح به في قوله “حتى يوقف أردوغان حملته العدوانية في جميع أنحاء المنطقة” ولم يوضح السيد مينينديز الإجراءات التركية التي يمكن اعتبارها جزءًا من تلك الحملة لكنه ربما كان يشير إلى الانتهاكات التركية للمجال الجوي اليوناني والهجمات العسكرية على الأكراد السوريين المتحالفين مع الولايات المتحدة. وبغض النظر، فقد أعرب المسؤولون الأتراك منذ ذلك الحين عن ثقتهم في أن مبيعات F-16 ستمضي قدمًا ربما في نهاية نوفمبر.
ففي حال لو عارض الكونجرس ذلك، نجد أن الرئيس الأمريكي جو بايدن عرض العام الماضي طائرات F-16 على تركيا كتعويض عن 1.4 مليار دولار دفعتها أنقرة مقابل طائرات F-35 المقاتلة التي لم تتلقاها أبدًا، و لا يزال مشروع قانون الدفاع الأمريكي الجديد بعيدًا عن الموافقة عليه وسيُستأنف النقاش بعد انتخابات التجديد النصفي في أوائل نوفمبر.
لكن في الوقت الحالي، تبدو الخطة منظمة بشكل كبير، حيث ستقوم قبرص بإرسال أسلحتها التي تعود إلى الحقبة السوفيتية إلى أوكرانيا وتستبدلها الولايات المتحدة بأسلحة أكثر تقدمًا بينما تهدي تركيا بمقاتلات F-16 التي تشتد الحاجة إليها، وإذا اشتكى اليونانيون فقد تذكرهم واشنطن أنهم تسلموا أكثر من 80 طائرة F-16 مطورة إلى جانب صفقات دفاعية أمريكية أخرى.
وفي النهاية قد لا تحصل أنقرة على كل ما تريد على الرغم من استجابة السيد أردوغان الإيجابية لاقتراح السيد بوتين بشأن ترك ستريم، وقال في عطلة نهاية الأسبوع “سنبدأ فورا لن ننتظر” وحث المهندسين الأتراك والروس على بدء العمل، وفي الحقيقة مع وضع السياق الدولي لما يحدث، فقد تضطر تركيا إلى تعليق أحلام مركز الغاز مرة أخرى.