بقلم: دانيال حنفي
القاهرة (زمان التركية)-نحن أمة عظيمة وشعب كبير العدد كبير الآمال، ولا يمكن لشعب بهذه الأوصاف أن يبقى حبيس إقليم صغير المساحة بل ضئيل المساحة بالنظر إلى المساحات الشاسعة لأقاليم دول أخرى مجاورة وغير مجاورة حول العالم.
هكذا كان بعض تبرير هتلر لاجتياحه لدول أخرى ومحاولة احتلال والاستيلاء على دول أخرى، وقد فعل ما فعل وخاض مغامراته الرهيبة الخاسرة، وعاد بخراب ودمار وهروب كبير وانتحار وعار وميراث من الأحقاد ومن الديون ومن كل شيء. واليوم نجد البعض من الشخصيات يعيد إنتاج ذات العبارات وذات التبربر وذات الخطاب، لتبرير أفكاره الجانحة الى العنف وإلى الحروب، بزعم الحصول على منفذ بحري لبلاده الحبيسة.
أليس هناك دول غنية وحبيسة في العالم؟ ألا توجد احتياجات لا تحصى وأحلام لا حدود لها لدى كل الدول وليس لبعضها فقط؟ نعم، توجد دول غنية وقوية وحبيسة في ذات الوقت اليوم. ونعم توجد أحلام واحتياجات لا حصر لها لدى كل الدول حول العالم، ولكن دولا قليلة قد تفكر جديًّا وتخرج على العالم بحسابات وخطابات تدعو إلى الإغارة على دول الجوار من أجل الاستيلاء على منفذ بحري بالقوة والعدوان. من الطبيعي أنه توجد احتياجات لدى الجميع، ولكن أيضًا يوجد شخصيات متعطشة إلى السلطة وإلى الشهرة ولو على جثث أبناء وطنهم ومهما حدث أو كانت النتيجة.
هناك أشخاص يأخذون أوطانهم إلى السلام وإلى الرخاء -خلال سنوات قليلة- ويبنون ويعمرون ويمهدون الطريق الى مزيد من الاستثمارات ومن النماء ومن فرص العمل الوفيرة القيمة. وهناك أشخاص يأخذون بلادهم إلى الحروب الداخلية الخلافية الوحشية، ويشعلون النيران في بلادهم وفي مواجهة أهلهم بالاعتداءات المؤلمة العديدة خلال سنوات قليلة، بزعم الوحدة الوطنية وبزعم الدفاع عن القومية وعن حلم الأجداد. هناك أشخاص يجيدون لعبة الغفلة، فينتهزون الملمات الكبرى وظروف الأزمات العظيمة ليطروحوا أفكارهم المسمومة في أمان وفي روية، على أمل تنفيذ مخططاتهم الشريرة في الظلام. وعندما يأتي الصباح نتكلم عما بعد مشاريع الظلام ونتكلم عن الوضع الراهن ونضع الجميع أما خياري التخاذل أو المواجهة الدموية وأمام الحروب وأمام اختبارات وهمية للنعرة القومية والحمية الوطنية.
وكأن كل الذين فقدوا وكل اللذين قتلوا فى تلك الحروب العديدة التى شهدتها بلادهم خلال سنوات تعد على أصابع اليد الواحدة لم يكونوا بشرًا تبكي عليهم أسرهم حتى الآن. وكأن كل آثار الدمار التى خلفتها الحروب العديدة قد اندملت ونسيت وأصبحت أثرًا لا ذكر له خلافًا للواقع وللحقيقة المؤلمة. فالواقع الحي أن لا جرح اندمل، ولا أسرة نسيت من فقدت، ولا عائلة تسلت عمن قتلوا منها وفقدوا حياتهم منذ سنوات قليلة ليست أبعد من الأمس، ولا سمح الوقت حتى باماطة مخلفات الحروب والدمار -من المبانى والممتلكات- من الطرق.
اذا كانت مشاريع الظلام الوطنية تسللت إلى سطح الحياة قبل ذلك وبقيت حتى الآن، فقد بقيت لتهدد الجميع بأخطار كثيرة وتهدد باندلاع المواجهات والحروب الكريهة التى لا يرجوها أحد وتخلط كل محاولات إنعاش روح الصداقة والأخوة والتعاون المطلوبة . وليس هناك فرصة من أجل مزيد من مشاريع الغفلة والظلام التى يهواها المقامرون بمقدرات بلادهم التى وضعتهم فى صدر السلطة ، لأن أحدا لن يسمح للمقامرين بذلك.