بقلم: نازلي إليجاك
تتكرر دائما أمور تخيم عليها السرية..كما تتكرر دائما كلمات تفوح منها رائحة الكذب واللف والدوران الهدف منها غسل الأدمغة وتضليل العقول. يشقون طريقهم واضعين نصب أعينهم مبدأ “كل الطرق مباحة من أجل الوصول إلى لهدف”.
من يصدقكم؟ هذه المرة نحن أمام محاولات لاستغلال المذبحة المفجعة التي تعرض لها قلب العاصمة التركية أنقرة أمام المجتمع الدولي. يحمّلون حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD) مسؤولية التفجير الإرهابي، ويعلنون ذلك أمام العالم. إلا أن الهدف من وراء حملتهم هذه ليس الكشف عن الحقيقة، وإنما تشكيل وعي ورأي عام عالمي يخدم سياساتهم وليس أكثر.
ومن هنا جاء الرد على لسان رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي صالح مسلم، قائلا: “نحن لا نعرف صالح نجّار (الذي أعلنت تركيا أنه منفذ تفجير أنقرة)”. وكانت الإدارة الأمريكية أكدت في وقتٍ سابق أنه لم يتم التوصل لتورط حزب الاتحاد الديمقراطي في تفجير السيارة المفخخة.
تبعد محاولة تلفيق التهمة لحزب الاتحاد الديمقراطي عن المصداقية أمام الرأي العام العالمي من ناحية، فضلًا عن افتقارها الحكمة والحس السليم؛ لأن الأطراف المتناحرة في سوريا أصبحت معروفة أمام الجميع. فالولايات المتحدة وروسيا يدعمان حزب الاتحاد الديمقراطي. وإذا كان هذا التنظيم هو المتورط في حادث أنقرة الإرهابي، فهل كان من الممكن أن تفسد هذه الدول خطتها بإشارة من أردوغان وداود أوغلو؟ وما يزيد الأمر سوءًا أن تصريحات كل من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ليست مقنعة على الإطلاق، فضلًا عن أن أرشيف حزب العدالة والتنمية مليء بمثل هذه التلفيقات أكثر من مرة.
كانوا يزعمون أن شاحنات الأسلحة والمعدات العسكرية التابعة لجهاز المخابرات التركية كانت في طريقها إلى قبائل التركمان في شمال سوريا وأنه حدث اعتداء على سيدة محجبة في منطقة كاباتاش بإسطنبول من قبل مجموعة من شباب شبه عراة يرتدون قفازات جلدية ورؤوسهم مغطاة.كما ادعوا أن أحداث متنزه جيزي كانت مدبرة من قبل قوى خارجية. وكذلك وقائع الفساد والرشوة التي تم الكشف عنها في 17-25 ديسمبر/ كانون الأول 2013 كانت مؤامرة من أجل الإطاحة بالحكومة حسب زعمهم. وادعاؤهم أن التسجيلات الصوتية التي يدور فيها الحديث عن نقل الأموال بين أردوغان ونجله بلال كانت مونتاجا ومزيفة. واتهامهم حزب الشعب الجمهوري المعارض وحركة الخدمة بالتخطيط لاغتيال سمية ابنة أردوغان… وزعمهم بأن الأستاذ فتح الله كولن هو من أصدر تعليمات من مقر إقامته بولاية بنسلفانيا للإفراج عن ضباط الشرطة المعتقلين؛ وادعاء داود أوغلو أن لديه تسجيلات صوتية فاضحة لذلك… وأن مذبحة محطة القطار بأنقرة تم تنفيذها نتيجة تعاون بين كل من تنظيم داعش وحزب العمال الكردستاني… أخيرًا وليس آخرًا ادعوا أن أردوغان لم يكن على علم باتفاق قصر دولمه بتشه بين أعضاء الحكومة والأكراد…
ولكن في الحقيقة، لن تفلح حملات الدعاية والترويج التي يبثها حزب العدالة والتنمية عبر وسائل الإعلام الموالية له والتي يسطير على معظمها، في تحقيق أي نتائج ملموسة في الرأي العام العالمي. لأن كل دولة لها أجهزتها الاستخباراتية، بأعضائها المدربين المحنكين. فضلًا عن تطبيقهم لسياسات بعيدة الأمد فيما يتعلق بملفات الشرق الأوسط؛ والتي يلعب حزب الاتحاد الديمقراطي دورًا مهمًا فيها. لذلك فإني أرى أنهم إذا ابتعدوا عن خططهم الرخيصة، وقرروا قبول الأمر الواقع وحقيقة حزب الاتحاد الديمقراطي في شمال سوريا، وكذلك التصالح مع أكراد تركيا وتركوا نعرات الحرب، فسيتمكنون من إخراج البلاد من عنق الزجاجة، الذي حبست فيه، بسلام.
صراع بين المستشارين وخلافات في القمة
وصل الخلاف بين رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء أحمد داود أوغلو، والذي يجري من خلال مستشاري الطرفين إلى ذروته. إلا أن الصحف تتجنب نقل هذا الخلاف أمام الرأي العام، ولكن يمكن الاطلاع عليه على مواقع الإنترنت.
بدأت الخلافات بتصريحات كل من مستشار رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو، أتيان محجوبيان حول سياسات البنك المركزي التركي؛ ليكون هذا هو البنزين الذي أشعل نار المستشار الاقتصادي لرئيس الجمهورية، يغيت بولوت، الذي تحدث في مقالاته عن أن النظام الرئاسي سيضع حلًا لأزمة الفائدة في البنوك. وكان رد محجوبيان قاطعًا، مؤكدًا ضرورة عدم خلط الأوراق بين النظام الرئاسي وأزمة الفائدة.
وبعدها بدأ يغيت بولوت سلسلة من الانتقادات اللاذعة في حق محجوبيان في أحد مقالاته في جريدة “أكشام”. وكان محجوبيان أيضًا كاتبًا في الجريدة نفسها. وقامت الجريدة بفصل الكاتبة جولاي جوكتورك بسبب موقفها المساند لمحجوبيان. مما دفع محجوبيان للوقوف بجانب زميلته، وقرر الانفصال عن الجريدة وعدم نشر مقالاته بها مرة أخرى.
لم يكن هذا كافيًا لإنهاء الأزمة المشتعلة بين الطرفين؛ وظل محجوبيان هدفًا لمستشاري رئيس الجمهورية. وأوضح الكاتب الصحفي بجريدة أكشام، كايهان أويجور، أن محجوبيان سعى لترتيب موعد لأعضاء لوبي الفائدة مع مستشاري رئيس الجمهورية، قائلًا: “من الممكن للسيد الكاتب أن يفتح مكتبًا استشاريًا ويعلق عليه لافتة “مكتب محجوبيان الاستشاري”؛ ولكن ماذا عن كاتب صحفي يسعى للحصول على موعد لأعضاء لوبي الفائدة؟”. وكانت هذه الأسطر منشورة لجميل أرتام، أحد كبار مستشاري أردوغان على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”.
ردَّ محجوبيان على الاتهامات الموجهة إليه بالقيام بدور الوساطة للمستثمرين الأجانب، وكذلك على ادعاءات المستشار جميل أرتام بطريقة ساخرة قائلًا:
“لقد قال جميل أرتام إنني أقوم بدور الوساطة للمستثمرين الأجانب. هذا الرجل يشغل منصب كبير مستشاري رئيس الجمهورية. ولا يوجد لدي أي شك فيما قاله. حسنًا ولكن أين هي تلك الأموال؟ انتابتني الريبة من أن يكون النسيان قد تمكن مني! وذهبت إلى طبيب السمنة وعرضت عليه حالتي. وعندما سمع اسم جميل أرتام، قال: “ألا يعمل تحت إمرة يغيت بولوت في مؤسسات الدولة؟”… وتابع: “جميل أرتام… يقف وراءه العملاق يغيت بولوت… من يعلم من يقف وراءه هو أيضًا؟” فصرخت فيه قائلًا: “حاشا!” هل يمكن ليغيت بولوت أن يساند شخصًا كهذا؟
وبعدها ذهبت إلى الصيدلية الموجودة بالقرب من سكني، لأجد علاجًا لضياع ذاكرتي؛ وعلى الفور وصف لي علاجًا. فقد كان يعرف عالم المستشارين جيدًا. وأثناء حديثنا ذكرت اسم جميل أرتام، عندها قال: “ماذا حدث في علاقته؟” فسألته: “أية علاقة؟!”. قال: “علاقته بمن يقف وراءه؟”… بدأت يداي ترتعشان ولكن لم أظهر له، فقال لي: “لقد نسيت! يقال إن هناك علاقة غير لائقة بينه وبين من يقف وراءه”، صرخت في وجهه مرة أخرى قائلًا: “كذب”. نظر إلي بدهشة قائلًا: “إذا كان الأمر كذلك، فإن الاتهامات الموجهة إليك بالوساطة كذب؛ وإذا كان صادقا، فإن الاتهامات الموجهة إليك صحيحة..””.
ولكن ما النتيجة التي يمكننا أن نخرج بها من كل ما سبق: هناك حالة مضطربة بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، تطفو على السطح يومًا بعد يوم. ويظهر ذلك جليًا في إصرار أردوغان على تطبيق النظام الرئاسي، ونظام حكم الرجل الواحد؛ بل ويسعى لإجراء التعديلات القانونية والدستورية اللازمة لتحقيق حلمه. بينما يحاول داود أوغلو المقاومة.