الزمان التركية (القاهرة) – قام الكاتب الصحفى المصري بجريدة “الأخبار” ورئيس تحرير “آخر ساعة” السابق بتحليل المقال الذي كتبه المحلل التركي يافوز أجار لموقع “الزمان التركية” الناطقة بالعربية وحمل عنوان “هل يدبر أردوغان لانقلاب جديد؟”
وفيما يلي تقديم وتحليل الشمّاع للمقال المذكور:
هل يدبر أردوغان لانقلاب جديد؟
أردوغان لا يتوانى رجال حركة الخدمة التابعة لفتح الله جولن عن التأكيد أن محاولة انقلاب 15 يوليو، من تدبير الرئيس التركى أردوغان، لتحقيق أهدافه السياسية، والتى يأتى فى صدارتها الانتقام من حركة الخدمة، وتصفية معارضيه، والانفراد بالحكم انفرادا تاما.
ما فعله أردوغان خلال الفترة التالية للانقلاب تعزز تلك النظرية، إلا أن الغريب فى الأمر أن بعض المحللين والمراقبين السياسيين يشيرون إلى احتمالية تدبير السلطان التركى محاولة انقلاب جديدة، أو ما يسمونها “مؤامرة جديدة” ضد حركة الخدمة تتكون من عنصرين رئيسين، أولهما تدبير انقلاب مزيف جديد، وتقديم الخدمة كمسؤولٍ عنه لتبرير عملية الإبادة الجماعية التى يتحدث عنها مؤيدوه، وثانيهما تحريك آلة الدعاية من أجل تجريح الخدمة دينيا وعقائديا فى عرض العالم الإسلامى وطوله، من خلال توظيف رئاسة الشؤون الدينية بهذا الأمر.
المحلل السياسى يافوز أجار يقول فى هذا الصدد: “لقد تمكّن نظام أردوغان من إغلاق جميع المؤسسات التعليمية والخيرية والاقتصادية التابعة لحركة الخدمة، وحظر كل أنشطتها فى الداخل التركى، بفضل (الهدية الإلهية) التى تمثلت فى محاولة الانقلاب الأولى، التى دبرها بالتعاون مع أركان شبكة أرجينيكون أو (الدولة العميقة فى تركيا)، والتى استطاع فى ظلها أن يتخذ خطوات لم يكن ليتخذها فى ظل الظروف العادية، كما عبر عن ذلك بنفسه. لكن يبدو أن كل هذه الأمور لم تروِ غليله ولم تشبع نهمه، فأخذ يخطّط لمحاولة انقلاب مزيفة جديدة، مثل الأولى، لكي يطلق الرصاصة الأخيرة على أبناء حركة الخدمة، ويتخلّص منهم نهائياً”.
ويضيف أجار: “أردوغان بعد تورطه فى فضائح الفساد والرشوة، وتعاونِه مع الإرهابيين، وممارسةِ كل أشكال الظلم والانتهاكات، سلك طريقا بدراجة هوائية يقودها على خطٍّ ضيقٍ جدا ومحفوفٍ بالمخاطر من جانبيه، لذلك يشعر بضرورة الضغط على دواستها بصورة مستمرة ومتزايدة حتى لا تتوقف عجلتها فيقع ويهلك”.
وتابع: “إنه يحاول منذ فضائح الفساد والرشوة فى 2013 إقناع الرأى العام فى تركيا والعالم أجمع بأن حركة الخدمة “كيان موازٍ” تغلغل أعضاؤه فى كل أجهزة الدولة، ويسعى بشتى الطرق لعرقلة عمل الحكومات المدنية. ثم دخل مرحلة جديدة بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة وراح يتهمها بالوقوف وراءها ويزعم أنها حركة إرهابية مسلّحة”.
لقد وجد أردوغان أن معظم أفراد الشعب التركى، بما فيهم الموالون له، باتوا لا يرون معنى ومبرّرا لتوسُّع دائرة الإقالات والاعتقالات لتشمل المسنّين والأمهات وحتى الأطفال وأناسا أبرياء لا يمتّون بصلةٍ لحركة الخدمة، كما لا يسوِّغون عمليات التعذيب التى تمارس فى السجون، كما لاحظ أردوغان أن الناس الذين اغتصبت حقوقهم، وفى مقدمتهم أبناء الخدمة، يلجؤون إلى المحاكم المحلية والدولية لاستراداد حقوقهم المسلوبة، ما يجعل “وجودهم” مشكلة مستمرة بالنسبة له يجب حلّها بـ”شكل نهائى”.
فهذه الأسباب، والكلام لأجار، تدفع أردوغان إلى حياكة سيناريو انقلاب جديد مع حلفائه من الدولة العميقة، لكي يخلق “المبرر”، ويقدمه للشعب التركى والمجتمع الدولى، إلى أن يستكمل الإبادة الجماعية التى يمارسها ضد أفراد حركة الخدمة ويضع “النقطة النهائية” لهذا الأمر.
أما عن دلائل التحضير للموجة الانقلابية المفبركة الجديدة، فتتلخص فى مطالبة وزارة العدل التركية الولايات المتحدة الأمريكية باعتقال الأستاذ فتح الله جولن، بحجة أنه يجهّز لمحاولة انقلاب ثانية، وكذلك التصريحات المريبة التى أدلى بها العقيد المتقاعد حسن آتيلا أوغور، وهو الشخص ذاته الذى أخبر عن وقوع محاولة الانقلاب الأولى قبلها بأسبوعين لصحيفة ينى شفق، إحدى الصحف التابعة لأردوغان “استعدوا لمحاولة انقلاب ثانية ستقودها منظمة فتح الله كولن أيضًا. فى وقتٍ قريب جدا”.
أردوغان، وحسب المحللين الأتراك، يسعى أيضا للطعن فى الاتجاه العقدى والقيمى لحركة الخدمة فى العالم الإسلامى، من خلال الدعاية بأنها نسخة حديثة للفرق الضالة والحركات الباطنية التى عرفها المسلمون طيلة تاريخهم، من أجل الضغط على الدول التى تستضيف مؤسسات الخدمة حتى يغلقوها، مثلما حدث فى الداخل التركى، بعد فشله فى إقناع العالم بإرهابية هذه الحركة.
المثير فى الأمر، أنه فى الوقت الذى توصم فيه حركة الخدمة بهذه الأوصاف، تصمت رئاسة الشؤون الدينية فى الدولة التركية عن سماح الحكومة لإيران بنشر وترويج التشيّع فى المجتمع التركى السنى وفتح الباب واسعًا أمام كل الأنشطة التى تسهم فى ذلك، خصوصا نشر المذهب الجعفرى وجعله واحدًا من المذاهب الإسلامية المعتبرة عند أهل السنة.
إذا صحت أقاويل المحللين الأتراك ودبر بالفعل أردوغان مؤامرة جديدة، أو “انقلابا جديدا” فهو لا شك سيكون مدبر الانقلاب الأول، الانقلاب الذى سهر من أجله العالم، وصارت تركيا محط أنظاره، بما فيه من بيانات للجيش وظهور أردوغان نفسه بتقنية الـ “لايف” لينادى شعبه بالنزول والتحرك لحماية شرعيته.
إذا صحّت الأقاويل فإن أردوغان يستحق تماما لقب “الديكتاتور” الذى استطاع بحكومته وقوانينه ورجاله المنتمين لحزبه “العدالة والتنمية” أن يسكت أصوات المعارضين بالسجن والاعتقال، وأن يخرس ألسنة الإعلام بالإغلاق.