محمد حامد (*)
استقيظت صباحاً على صوت انفجار في بيت من البيوت المقدسة، الذي يتعبد فيه الإنسان من أجل ان يتقرب إلى ربه ويدعو فيها لنفسه ولوطنه بكل الخير، إنه تفجير الكنيسة البطرسية العريقة والتى أنشئت في القرن الماضي في عام 1911م تحديداً، وهي تراث ومتحف لما تحويه من رسومات وآثار تخص الديانة المسيحية فالإرهابي الذي ارتكب هذا الإثم هدد وروع الآمنين واعتدى على الوطن كله، وأقدم على إيذاء الإخوة المسيحين مخالفاً لحديث الرسول صلي الله عليه وسلم “من آذى ذمياً فقد آذاني”.بالإضافة إلى تدمير تراث وأثر وطني وهي الكنيسة البطرسية.
ويذكرني هذا الاعتداء على دور العبادة بالاعتداء على المتحف الإسلامي في يناير 2014 والذي أصابه الخراب والتدمير نتيجة لتفجير مديرية أمن القاهرة، هذا المتحف الذي كان يحتوي على مقتنيات قيمة وثمينة من التراث الإسلامي فنحن أمام فكر عدو للانسانية والحضارة معاً .
الثمن الباهظ، أن الكنيسة المصرية إحدى أهم رموز الدولة المصرية ومدرسة من مدارس الوطنية المصرية ولطالما تصدت لكل محاولات الفتنة والوقيعة، ولكن خلال 5 السنوات الماضية تعرضت الكنيسة لاختبارات عديدة بداية من ثورة يناير وما تبعها من أحداث عنف طائفي من إطفيح إلى ماسبيرو إلى محرقة الكنائس التي ارتكبها المتطرفون بعد ثورة 30 من يونيو وانتهت “إلى الحادث المؤلم الذي حدث صباح أمس وأسفر عن استشهاد أكثر من 20 مصرياً.
التكفيريون يعاقبون الكنيسة علي مواقفها الوطنية
إن مشهد التلاحم بين الأزهر والكنيسة والرئاسة المصرية مشهد صنعه الرئيس عبد الفتاح السيسي والذي نجح في خلق حالة فريدة من الاصطفاف الوطني في صيف 2013، لوأد أي محاولات لتسرب الفتنة الطائفية، لقد حمل الرئيس السيسي على عاتقه قضايا الأقباط التى أهملت لسنوات عديدة والتى غضت الحكومات السابقة الطرف عن حلها، وتجلى ذلك في زيارة الرئيس السيسي إلى الكاتدرائية لتهنئة الأقباط في العام الماضي ويناير الفائت، ليَسُن سنةً جديدة على الرؤساء المصريين في الاحتفال وتهنئة الأقباط من داخل الكاتدرائية ، كما كان قانون بناء الكنائس والذي أقره البرلمان المصري في سبتمبر الماضي أكبر دليل على أن الرئاسة والبرلمان يسعيان لتدشين علاقة جديدة مع الكنيسة والأقباط على أساس المواطنة بعد أن ظل الأقباط يتعبدون على قانون الخط الهمايوني والذي استمر أكثر من 100 سنة، يتحكم في بناء وترميم الكنائس المصرية.بالإضافة إلى أن الدستور المصري وقانون الانتخابات، مكنوا 36 مواطناً مصرياً مسيحياً من الفوز بمقاعد داخل البرلمان المصري لأول مرة في الحياة السياسية المصرية.
إن دعم الكنيسة المصرية لزيارات الرئيس الخارجية وخاصة في الولايات المتحدة، لاسيما وأن الجالية المصرية من المسيحين المصرين كبيرة للغاية ونافذه في أماكن عدة هناك، وهذا كان يثير غضب الجماعات المتطرفة والتى تناوىء النظام المصري والأقباط لذلك توعدت للانتقام من الكنيسة المصرية، لذلك أقدم التكفيريون على قتل 21 مصرياً قبطياً على شواطىء ليبيا انتقاماً من الدولة والشعب المصري، فلم تتأخر مصر في الرد على التكفيريين بغارات على مواقعهم في فبراير 2015 وكان بيان تنظيم داعش الإرهابي والذي تبنى عملية القتل توعد بالانتقام من الكنيسة المصرية داخل مصر، ويبدو أن التنظيم نفذ تهتديده بتفجير الكنيسة البطرسية.
كل هذه الشواهد تدل على أن الكنيسة المصرية والتى لطالما اعطتنا دروساً في المواقف الوطنية تدفع ثمناً باهظاً للغاية، نظراً لهذه المواقف والتى بدأت منذ صيف 2013 وإلى الآن، والذي واجه هذا الموقف الكثير من النقد سواء من محللين أو ساسة ولكن الدولة المصرية واجهت ومازالت تواجه خطراً، يهدد بقاءها كدولة وهذا يتطلب تضافراً كبيراً من كل مؤسسات الدولة والخروج عن تقاليد الأنظمة السياسية وعلاقتها بالدين ولكن مصر تعرضت لأزمات عديدة كانت تحتم على كل الأطراف بذل جهود مشتركة لاستعادة كيان الدولة .
مسيحيو الشرق الاستهداف مازال مستمراً:
إن الكنيسة المصرية لطالما كانت منارة دينية وروحية لجميع مسيحيي العالم ، لعوامل كثيرة منها قوة الدولة المصرية التى ترسل الكنيسة رسالتها، فكلما كانت الدولة المصرية قوية بقيت القوى الناعمة لها هي قوية الأزهر والكنيسة ، فالمستهدف هو الدولة المصرية بأكملها وأن اللعب على الوتر الطائفي غرضه اضعاف الجبهة الداخلية المصرية، إذا نظرنا بعمق للاقليم نجد أنه عندما ضعفت وانهارت الدول انهار دور المكون المسيحي في هذه الدول وحدث صراعات طائفية، أسفرت في النهاية عن هجرتهم وتشتتهم خارج بلادهم فأين مسيحيو العراق الذين تعرضوا لكافة أنواع التنكيل على يد تنظمي القاعدة وداعش، وأين مسيحيو سوريا والذين صمدوا في وجه التنظيمات التكفيرية بسبب مواقفهم الداعمة للدولة، انظروا كيف فعل تنظيم داعش بمدينة درعا العمالية وهي مدينة تاريخية وأثرية وبها كنائس عريقة، خربها التكفيريون عن بكره أبيها، ناهيك عن موقف كنيسة العذراء في فلسيطن المحتلة والتى وقفت في وجه الاحتلال الاسرائيلي ضد مشروع منع الآذان في القدس .
إن مسيحيي الشرق عانوا مراراً من الصراعات داخل إقليم الشرق الأوسط وهم على الأرجح يكونون ضحايا لصراعات طائفية ومذهبية ويصبحون وقوداً في حرب بين الدولة والدويلة التى يسعي التكفيريون فرضها على الشعوب في منطقتنا، وإلى الآن المسيحون ضحايا صراع دول إقليمية ترعي الإرهاب بهدف هزيمة وهدم دول أخري تكافح وتحارب الإرهاب ومنها مصر .
استهداف للدولة المصرية
حادثة الكنيسة البطرسية تأتي ضمن حوداث وشواهد عديدة مثل سقوط الطائرة الروسية في سيناء واغتيال النائب العام صيف العام الماضي، فالدولة المصرية ليس في صراع مع تنظيم محلي بل تنظيم دولي وإرهاب حقيقي مدعوم من أجهزة مخابرات أجنبية يهدف إلى تركيع إرادة هذه الدولة، وللمفارقة المثيرة للدهشة إن الجماعات المتطرفة ( حسم و لواء الثورة ) التى تلاحقها أجهزة الأمن المصرية وفي المقابل ترد الجماعات التكفيرية بجماعات مضادة سارعت إلى التبرؤ من العملية التى استهدفت أشخاصا مدنيين من الأساس نساءً واطفالاً، ولكن من المؤكد أن تلك الجماعات المتطرفة لا تعترف بالآخر، بينما أصدرت جماعة الإخوان المسلمين المصنفة كجماعة إرهابية وفق القانون المصري بيانا لإدانة التفجير بالإضافة إلى بيان من أسرة الرئيس المعزول محمد مرسي يحمل نفس المضمون، وكأن خطاب الجماعة والرئيس تجاه الأخوة المسيحيين كا ورديا أثناء فترة حكمهم، وكأن الأقباط لم يحملوا حقائبهم إلى الخارج هربا من الخطاب الطائفي للجماعة .
ان الهدف الرئيسي من العملية يبدو جليا وهو احراج نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي وإظهاره ضعيفا غير قادر على حفظ الأمن وايضا إعادة ملف الحريات الدينية في مصر والضغط على الحكومة المصرية بملف حقوق المسيحيين وافساد العلاقة الجديدة التى دشنها الرئيس السيسي مع الكنيسة المصرية كما ذكرنا خاصة وان الدولة المصرية استطاعت اعادة بناء علاقتها الدولية ووضع اجندة مكافحة الارهاب على رأس اولويتها وحظيت مصر بثقة العالم كدولة قادرة على محاربة الارهاب وتسعى الادارة المصرية إلى بناء علاقة استراتجية مع ادارة دونالد ترامب الجديدة خاصة في ملف مكافحة الارهاب في الشرق الأوسط .
الخلاصة : ان الدولة المصرية بدأت استعادة قوتها مرة اخري من اجل الوقف على اعتاب مستقبل واعد ومواقف الكنيسة المصرية التى كانت داعمة للدولة المصرية في الفترة الماضية أثارت حفظية دول تدعم الارهاب وتريد اعادة عقارب الساعة إلى الوراء واعادة الجماعات المتطرفة الى المشهد السياسي المصري من جديد وهو ما لن يحدث .
(*) باحث سياسي مصري