القاهرة (الزمان التركية)- مساء السبت الماضي وقع انفجاران في وسط إسطنبول بالتحديد أمام استاد بشيكتاش أسفرا عن مقتل 44 وإصابة 149 مواطناً تركياً، أكثرهم من رجال الشرطة، وهو التفجير الأكثر دموية منذ يوليو الماضي بعدأفشلت حكومة “بن علي يلدرم” الانقلاب .
إن التفجير الدموي و الذي تبنته جماعة صقور كردستان وهي جماعة متشددة منشقة عن حزب العمال الكردستاني جلب تعاطفاً دولياً كبيراً مع الحكومة التركية؛ لأنه ضرب وسط إسطنبول، أكبر المدن التركية، وكان يستهدف الشرطة التركية بالأساس.
فالتفجيرات في تركيا الاتهام فيها يوجه لطرفين اثنين لا ثالث لهما، إما تنظيم داعش الإرهابي والذي هدد زعيمه أبو بكر البغدادي بغزو تركيا الشهر الماضي، أو حزب العمال الكردستاني أو فرعه في سوريا حزب الاتحاد الديمقراطي والذي أصدر القضاء التركي مذكرة اعتقال تضم 48 شخصية كردية على رأسهم صالح مسلم رئيس حزب الاتحاد الكردي ، أما عن أكراد تركيا في الداخل فهم إما رهن الاعتقال مثل صلاح الدين دميرتاش زعيم حزب الشعوب الديمقراطية( والذي يعاني من نوبات قلبية نقل على إثرها إلى المستشفي) والذي نال حزبه كل صنوف القمع من محاولات اغتيال قياداته أو رفع الحصانة البرلمانية أو خسارة رئاسات البلديات في جنوب شرق تركيا بحجة دعم الارهاب عنهم عبر قانون مثير للجدل أقره البرلمان التركي قبل شهور.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أقسم على إنزال حالة الندم على الأكراد عندما قرروا حشد صفوفهم لدخول البرلمان التركي في يونيو 2015 ثم نوفمبر من العام نفسه لأنهم أصبحوا عقبة أمام طموحات الرئيس التركي في تعديل الدستور ومنذ هذا التاريخ قرر أردوغان الانتقام من الأكراد وتمزيق اتفاقية السلام التى وقعت عام 2012، إن قمع الحكومة التركية للأكراد أصبح أشد قسوة من عهد الرئيس تورجوت أوزال ، وينطبق على الرئيس التركي قول ما أعطاه للأكراد من حقوق باليمين استردها مرة أخري بالشمال أو باختصار استطاع الرئيس التركي إدارة دفة القمع بجدارة على الاكراد وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء في حرمان الاكراد من ابسط الحقوق .
لكن تفجيرا إسطنبول يثيران تساؤلات عدة هل فقدت الشرطة التركية والمخابرات كفاءتها أو تاثرت بسبب ما تسميه حكومة العدالة والتنمية” تطهير المؤسسات” من حركة الخدمة ؟! فقد خرج علينا سليمان صويلو، وزير الداخلية التركي اكثر من مرة ليذكر عدد الذين طرد من القوات الامنية نظرا لانتمائهم لحركة الخدمة وقد وصل حتى الان من فصلوا من الشرطة التركية 8 الاف شرطي على الاقل ومرشح للمزيد ، والمخابرات التى فصلت منها ايضا عناصر كثيرة، اكثر من 80 عنصرا بتهمة دعم الانقلاب الفاشل لعبت دورا محوريا كما يردد الرئيس التركي وانصاره في افشال انقلاب الجيش على حكومته .
اعلن الرئيس التركي الأسبوع الماضي التعبئة العامة لمواجهة المخاطر المحدقة بالبلاد في اشارة لكثرة العمليات الارهابية التى تهدف الى جعل تركيا دولة فاشلة حسب تعبيره ولكن هذه الخطوة تحمل دلالتين الأولى : هي خطوة تشويشية وصرف الانظار عن التعديلات الدستورية و اتجاه تركيا نحو النظام الرئاسي خاصة وان الاعلام التركي المؤيد للحكومة وضع فاجعة تفجيري إسطنبول جانبا وتفرغ لشرح التعديلات الدستورية والتى وصفتها بالتاريخية وكان الأولى للرئيس التركي وحكومته اعلان التعئبة العامة وقت فرض حالة الطوارىء أو وقت إعلان عملية درع الفرات لماذا الآن بعد تقديم حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية التعديلات الدستورية للبرلمان .
الثانية : خطوة متناقضة اعلان التعئبة العامة يفهم منه ضمنيا ان الدولة التركية تعاني من حالة عدم استقرار واضطراب امني وسياسي واقتصادي وهو يمكن ملاحظته بسهولة من تصريحات بعض اعضاء الحكومة التركية وحزب العدالة والتنمية وتركيا تحت حالة الطوارىء منذ اغسطس الماضي وتخوض حربين في سوريا والعراق وهذا يعني بالضرورة ان البلاد حاليا لا تصلح لاي مشروعات سياسية ودستورية لتغيير نظام الحكم بل في حاجة الى تثبيت استقرار سياسي ، بدلا عن الاسراع إلى اقرار تعديلات دستورية عبر البرلمان ثم عبر استفتاء شعبي عقب رفع حالة الطوارىء مباشرة بالاضافة إلى استبعاد حزب الشعب الجمهوري من التوافق على التعديلات الدستورية .
ثم عقد رئيس الحكومة التركية بن على يلدرم صباح الأربعاء مع رئيسي حزب الحركة القومية والشعب الجمهوري بهدف توحيد المسار والجهود لمكافحة الارهاب.
قضية مكافحة الارهاب هي احدي الحيل السياسية للحكومة التركية التى تخرجها من جعبتها بهدف صرف الانظار عن مسارها نحو تعزيز قبضتها على السلطة واضعاف قوى المعارضة .
لماذا تريد الحكومة التركية من المعارضة أن تتضامن معها لمواجهة الارهاب الكردي والداعشي وايضا ارهاب حركة الخدمة كما تدعي دون ان تقدم اي تنازلات في ملفات اخري مثل قضية تعديل الدستور أو قضايا فساد الوزراء وعائلة الرئيس التركي التي ظهرت في 2013 على سبيل المثال والتى يرفضها حزب الشعب الجمهوري العلماني .
رجب طيب اردوغان الذي تضامنت معه كافة القوي السياسية المدنية وسائل الاعلام التركية بعد الانقلاب الفاشل وتعهد بتحسين وضع الحريات وحقوق الانسان وان يخفف من حدة الخلاف مع المعارضة اصبح الان يتحلل ويتنكر من جميع تعهداته ويرفض تسديد الفواتير للمعارضة التي ساندته بل يقلب الطاولة على المعارضة السياسية والاعلامية له، ولعل ابرز دليل على ذلك اعتقال الصحفي المخضرم حسني محلي وهو صحفي تركي من اصول سورية (من مدينة جرابلس التى تحتلها تركيا عبر مربع امني ) بسبب مواقفه من حكومة اردوغان والتى اتهمها صراحة بتصدير الارهابيين إلى سوريا وتم اعتقاله ليلة تحرير حلب بسبب بعض التغريدات على موقع توتير.
ويري الرئيس التركي ان التحالف مع دولت بهشلي وحزبه ( الذي فقد الكثير من شعبيته في الفترة الماضية ويريد استرداد جزء منها عبر التحالف مع الحكومة ) هو الحل الامثل لكي يتفرد بحكم تركيا حتى عام 2029 كما تنص التعديلات الجديدة للدستور .
الخلاصة: ان قرار التعئبة الوطنية العامة واجتماع رئيس الحكومة مع احزب المعارضة هما نموذجان للحيل السياسية الاردوغانية وسياسة الضحك على الذقون( انصاره ومعارضيه ) التى سيتخدمها ويمسك بورقة مكافحة الارهاب وتعديل الدستور معا واذا كانت تركيا تواجه ازمات امنية وسياسية واقتصادية فمن الافضل تأجيل أي مشاريع سياسية تهدف إلى تغيير النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي ولكن الرئيس التركي لا يتمهل فشهوة البقاء في السلطة لا تعرف التأجيل أو التأخير .
محمد حامد – باحث في العلاقات الدولية متخصص في الشأن التركي