إسطنبول-تركيا (زمان عربي) – قال الدكتور عوض جيدي وهو مسؤول سوري سابق شهد على العديد من الوقائع التاريخية داخل القصر الرئاسي إن الرئيس السوري بشار الأسد يتأثر بالمحيطين به وإن المقربين منه خدعوه.
وكان جيدي عاد إلى بلاده ليترأس مشروعات التنمية في سوريا بعد دعوة من الرئيس السوري بشار الأسد له، أثناء توليه منصب نائب مستشار بوزارة التنمية في دولة الكويت؛ وبالفعل بدأت بلاده تطبيق ذلك المشروع. إلا أنه لجأ إلى الهرب إلى تركيا والإقامة في مدينة إسطنبول عقب اندلاع المظاهرات المناهضة للرئيس بشار الأسد.
وأوضح جيدي أنه يرى كلا طرفي الصراع في سوريا غير محق موجها انتقادات لهجمات وممارسات النظام السوري والمقاومة المسلحة التي تشنها المعارضة.
دعا بشار الأسد العديد من الأساتذة السوريين عقب توليه مقاليد الحكم للعودة إلى سوريا، فما الذي كان يخطط له؟
لقد كان يرغب في إطلاق مشاريع تنمية في البلاد وكان جادا في هذه الخطوة. وقد عاد مثلي الكثيرون من الأشخاص من أجل خدمة وطنهم. لكن بشار الأسد كان يواجه ثلاث عقبات؛ الأولى: جنود والده حافظ الأسد، الثانية: سيطرة إيران على جهاز المخابرات السوري والثالثة: الساسة والبيروقراطيون الذين يكذبون عليه. ولم يستطع أن ينقذ نفسه من كل هذه العراقيل.
ألم يستطع النظام السوري إدراك الحقيقة عندما بدأت المظاهرات المناهضة لحكم الأسد في البلاد؟
لقد تحدثت مع الأسد وجها لوجه. وكانت معدلات البطالة في ذلك الوقت عند 17%. ولم تكن هناك ديمقراطية أو حرية تعبير. وبدون الديمقراطية لايمكن إقامة أو تشكيل أي شيئ. وقلت للأسد: “أنت لا ترى الحقيقة!”. لا تصلك أصوات المواطنين. لذلك نزل المواطنون للتظاهر في الشوارع حتى يوصلوا أصواتهم إليك. وقد كانوا مجبرين على ذلك. وعرضت عليه الصور والمقاطع التي التقطتها من المظاهرات. فقال لي: “هل أنت أيضًا بصفتك بروفيسور نزلت إلى الشارع وشاركت في المظاهرات؟”. قلت له “بلى”. فقال لي متعجبا “إذن أنت خالفت القانون”. وتحدثت معه لمدة ثلاث ساعات. واقترح علي أن أتولى منصب وزارة الزراعة. لكنني لم أقبل.
حسنا هل كان الأسد ينصت لتلك المشكلات؟
لقد كان رئيس جهاز المخابرات علي مملوك معنا في الاجتماع. وكان الأسد ينصت جيدا لما يقال. وكان يبدي اهتماما لكل شيئ، وكان يسجل الملاحظات لاقتراحات الحل. وعرضت عليه مقاطع الفيديو التي تظهر قوات الأمن تقتل المشاركين في التظاهرات. فكانت صدمة بالنسبة له. واعددت له ورقه لحل الأزمة مكونة من 12 مادة. في البداية طلبت منه توفير فرص عمل لأربعمائة ألف شاب. قلت له: “لاتدع جنودك يدخلون الأحياء المدنية”. وعندما تحدثت معه أدركت أنه ينوي تنفيذ تلك الحلول. فهو لم يكن سيئا في شخصه، وإنما يتأثر كثيرا بمن حوله. وكانوا يكذبون عليه فيما تشهده البلاد. بل وقالوا له: “إن تركيا وبعض الدول العربية يؤيدون إقصاءك عن الحكم”. فكما كنا أسرى هناك هو أيضًا أسير مثلنا. فالمخابرات وإيران قاموا بأسر بشار الأسد. ولم يبق بيده حيلة أخرى.
قلت إن الأسد تحت تأثير إيران والمخابرات، فكيف تكونت لديكم قناعة بذلك؟
كانت تقارير جهاز المخابرات التي يتم إرسالها إلى قصر الرئاسة تقول: “إن قطر وتركيا سيشنون حربا عليك. سيبعدونك عن الحكم. وسيصعد الإخوان المسلمون إلى سدة الحكم”. وفي ذلك الوقت كان أحمد داود أوغلو قد قال للأسد في أحد لقاءاتهما: “افسح المجال للإخوان المسلمين”. بعدها بدأ بشار الأسد يفكر في أن قطر وتركيا يخططان لمؤامرة ضده. وأصبح الأخوان المسلمون أكبر عدو لنظامه. وقال لي الأسد: “ماذا كنت لتفعل لو كنت مكاني يابروفيسور؟”. فأجبته: “لو كنت مكانك لتقدمت باستقالتي. وإذا كان الشعب يريدك حقا سيختارك مرة أخرى”. ولكنه قابل إجابتي بالضحك. فحديثي بهذه الطريقة أضحكه. لأنه كان يسمع كلاما كهذا لأول مرة.
حسنا، كيف أصبحت سوريا على ما هي عليه الآن؟
هناك ثلاثة أسباب في وصول الأوضاع لما نشهده اليوم. أولا أن الأسد ليس شخصية ذكية متطلعة. فالأحداث التي شهدتها مدينة درعا، كانت بسيطة لدرجة أن الرعاة كان بإمكانهم حلها. فقد كان بإمكانه الذهاب إلى درعا وتقديم اعتذاره لأهالي المدينة، وأن يقول: “لقد عاقبت عاطف نجيب المسؤول عن الجريمة”. فنحن شعب بسيط. لا نحب الحروب. نحن شعب لا نريد سوى الاحتياجات الأساسية من وظيفة، وكهرباء، وماء. ولسنا أمة وحشية سفاكة للدماء. نريد الأمن والأمان.
هل ترون عمليات تسليح المعارضة السورية خطأ؟
بالتأكيد! فهذه الحرب لم تعد بيننا وبين بشار الأسد فقط. فقد تعددت أطراف الصراع هناك، وبدأ كل فصيل من روسيا، وإيران، وحزب الله، والطوائفة الشيعية المسلحة في الإنخراط في الصراع. ونحن أيضًا اقترفنا أخطاءً؛ إذ لم يكن لتلك الحرب قائد. وقلنا قبل ذلك إن عمليات التسليح خطأ. فالنظام السوري انتصر في المعركة في اليوم الذي بدأنا فيه حمل السلاح.