جدة، العربية السعودية (أ ب)- تدرك آمنة فتاني إنها ترغب في وظيفة لامعة وحياة مختلفة عن النساء السعوديات من جيل والدتها اللاتي تزوجن مبكرا من زوج عادة ما يكون من دون اختيارهن.
الفتاة، البالغة من العمر 27 عاما وتدرس للحصول على شهادة الماجستير في جامعة جورجتاون في واشنطن وتأمل بأن تكون يوما ما أول امرأة تشغل منصب وزيرة العمل في السعودية، هي واحدة من عدد متنام من النسوة السعوديات اللاتي يفضلن العزوبية طوال
العشرينات وحتى الثلاثينات من عمرهن في مسعى لتحقيق طموحاتهن.
هذا الميل كدر المحافظين المتشددين الذين يرون فيه اهانة للأسس التي تقوم عليها المملكة، حيث التفسير الصارم للإسلام والتقاليد القبلية الجامدة التي تحدد من أمد طويل شروط الزواج.
تقول آمنة “صديقاتي وأنا وصلنا الى نقطة حيث بتنا محددين ما نريده بالضبط. انا أريد شخصا يثق إن كنت أريد فعل شيء ما فبمقدوري اتخاذ القرار في طلب المساعدة أو اختيار فعله بمفردي.”
النساء السعوديات يقفن عند مركز المحور المجتمعي بين اندفاع المملكة الى مزيد من تعليم المرأة وحقها في العمل، والقوانين التي تمنح الرجل القول الفصل في شؤون حياتها.
النسوة لا يستطعن السفر أو الدراسة في الخارج او الزواج أو الخضوع لعملية جراحية معينة دون موافقة ولي الأمر – الذي عادة ما يكون الأب أو الزوج – وفي حال غيابهما يكون ولي الأمر الأخ الأكبر أو حتى الأصغر.
العدد المتزايد للنساء العزباوات أثار حفيظة رجال الدين الذين ردوا بالدفع نحو الزواج المبكر والتحذير من العواقب الشريرة للعنوسة، مثل ممارسة الجنس خارج اطار الزواج الشرعي.
في خطبة له عام 2005، أطلق امام الحرم المكي عبد الرحمن السديس مبكرا تحذيره من مخاطر ظاهرة العنوسة طويلة الأمد قائلا إنها تعرض المجتمع برمته للخطر.
تقليديا، يتوقع من الفتاة في العربية السعودية الزواج في أوائل العشرينات من عمرها. عام 2011، كان أكثر من 1.5 مليون فتاة عزباء تجاوزن سن الثلاثين، طبقا لوزارة الإقتصاد والتخطيط.
تشير الإحصاءات الحكومية إلى تخطي 3.3 مليون سعودية سن الثلاثين، وفي حال ظلت إحصاءات الوزارة دون تغيير فإن ذلك يعني أن 45 بالمائة من السيدات السعوديات ممن تخطين سن الثلاثين لا يزلن عزباوات.
ورغم إقرار الناشطات الحقوقيات بارتفاع عدد العزباوات السعوديات، إلا أن البعض يشككن في دقة هذه الأرقام الحكومية، مؤكدات أن ذلك سيشجع الرجال السعوديين على تعدد الزوجات.
هذا، وتضطلع النساء بدور أكبر في الحياة العامة على الرغم من عمل غالبيتهن في مجال التعليم، حيث تشير الوزارة إلى عمل أكثر من 400 ألف سيدة في مجال التعليم مقارنة ب55 ألفا قبل عام 2009.
أيضا تتجاوز أعداد النساء الرجال في التسجيل في الجامعات السعودية وهناك عشرات الآلاف سعودية بين 150 ألف سعودي يدرسون بالخارج في منح حكومية.
وتقول خاتون الفاسي، أستاذ تاريخ النساء في السعودية، إن التعليم يغير أيضا موقف النساء حيال الزواج ويمنحهن مزيدا من الثقة، وتضيف: “لم يعد بمقدورك السيطرة على هذه الاتجاهات”.
بعض النساء السعوديات يتحدين الأعراف الخاصة باختيار الزوج المأمول بمواجهتهن التقاليد والعادات.
التفسير الوهابي للشريعة الإسلامية الذي تنتهجه المملكة يجبر على الفصل بين الجنسين، وهو ما يزيد من صعوبة اللقاء بين الشباب. وتقوم شرطة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمراقبة الفصل بين الجنسين في المطاعم والمراكز التجارية والساحات العامة
والمدارس وتطبق غالبية المدارس الفصل بين الجنسين.
وتضطلع العائلات بدور التنظيم، أو على الأقل، الموافقة على الزيجات. وترى العائلات المحافظة فكرة بحث الابنة عن شريك حياتها بنفسها أمرا شائنا، إذ لا تزال العادات القبيلة تحتل مكانة كبيرة لدى هذه العائلات.
في منطقة نجد المحافظة – موطن العاصمة الرياض – عادة ما تمنع النساء من الزواج خارج القبيلة. وفي عام 1977، ثارت شائعات بمقتل أميرة سعودية شابة لمحاولتها الزواج ممن تحب.
وقالت سيدة لوكالة الأسوشيتد برس إن شقيقتها أحبت شابا سعوديا زميلا لها في العمل لكنه لم يكن من ذات القبيلة. ووافق والدها على الزواج عقب لقائه لكن أحد أقاربها هدد بمقاطعة العائلة بأسرها إذا تم الزواج. ثم أجبرت الشقيقة على فض خطبتها وفي النهاية تزوجت
رجلا من قبيلتها، وطلبت السيدة عدم ذكر اسمها لمناقشتها مسألة عائلية خاصة.
وعادة ما يرتب الآباء “الشوفة” (الرؤية الشرعية) حتى يتمكن الرجل من رؤيته زوجته المأمولة في منزلها، دون اللباس الأسود والنقاب الذي ترتديه غالبية السعوديات في الأماكن العامة.
وتحظى هذه العادة بقبول واسع وتعد أحيانا الفرصة الوحيدة في لقاء رجل وامرأة قبل اتخاذ قرار الارتباط.
وبين العائلات الأشد محافظة، لا يسمح للرجل برؤية خطيبته إلا بعد الزفاف.
ومع ذلك، فقد انتشرت قصص العلاقات السرية التي تقام بعيدا عن علم الوالدين، ما يشير إلى حالة التمرد بين جيل الشباب.
وتقول إحدى الفتيات إنها استمرت عدة أشهر في محادثة رجل عبر الإنترنت، ووافق الاثنان في النهاية على رؤية بعضهما دون تحدث في متجر للبقالة، وتحدثا وجها لوجه للمرة الأولى عندما طلب يدها من والدها للزواج. وحتى الآن، يعتقد والداهما أنهما التقيا في
العمل.
المدونة السعودية والمدافعة عن حقوق المرأة تماضر اليامي تقول إنه تم تجاوز التقاليد من خلال الإنترنت الذي سهل عمليات التواصل.
ومنحت غرف الدردشة المغلقة ووسائل الإعلام الاجتماعية السعوديين مساحة لبناء علاقات وفقا لشروطهم.
وأضافت اليامي أن النساء الآن يؤكدن على استقلاليتهن المتزايدة.
“إنهن لا يردن فقط جعل أمهاتهن تقابلن أمهات أزواجهن المحتملين، بل يقمن بجميع ترتيبات الزواج نيابة عنهن”، بحسب اليامي.
وانضمت بعض وسائل الإعلام السعودية لرجال الدين في انتقاد هذا الاتجاه بين الفتيات ووصفتهن إحدى الصحف ب “جيش العوانس”.
ووصف أحد كتاب المقالات في الموقع الإلكتروني لصحيفة الشرق السعودية الظاهرة “بالسرطان” في المجتمع، والتي تؤدي إلى الرذيلة.
وخصص الإعلامي السعودي داود الشريان حلقة كاملة من برنامجه الحواري الشهير “الثامنة” مؤخرا لمناقشة العنوسة.
وخلال الحلقة، قالت المستشارة الأسرية فوزية الهاني إن على الحكومة مسؤولية جزئية بشأن الأعداد المتزايدة من العزباوات لأن الشباب يواجه صعوبات متزايدة في شراء منزل وتوفير مهر العروس.
واتهم بعض المنتقدين بعض الآباء بالتسبب في ذلك عن طريق المغالاة في طلب المهور من الخاطبين، وتعمد عدم تزويج بناتهم نظرا للاعتماد على رواتبهن.
لكن في نهاية المطاف، هناك العديد من السعوديات اللواتي لازلن عزباوات باختيارهن.