الجزائر : سفيان أبو أمير
من المتعارف عليه أن الدولة وجدت لرعاية شؤون الفرد والمجتمع، تقدم ضمن خدماتها السياسية نظاما سياسيا قادرا على التناغم مع كل أطياف المجتمع يحفظ إرادة الشعوب وتقديمها على إرادة الجميع لحفظ الحقوق وتيسير الأعمال العامة والخاصة داخل الدولة.
هذه الخطوة سهرت حكومة حزب العدالة والتنمية في تركيا على تحقيقها على أرض الواقع منذ وصول الحزب إلى سدة الحكم عام 2002، ورأينا هذه حكومة تسعى وتجتهد من أجل زيادة رفاهية شعبها ومحو الصورة النمطية الراسخة في أذهان الأتراك عن الحكومات العسكرية الشمولية السابقة التي حكمت تركيا بقبضة من حديد كان الفرد التركي آخر اهتماماتها .
كان على رأس هذه الحكومة الرئيس الحالي لتركيا رجب طيب أردغوان، الذي كنا نعده نحن كشعوب عربية، خاصة، رجل دولة بما تحمله الكلمة من معنى، لما أحرزته تركيا من تقدم ملحوظ على جميع المستويات السياسية ، الاقتصادية، والاجتماعية حتى ثقافيا أعاد لتركيا بريقها.
كانت فضائح الفساد الكبرى 2013، بداية لمرحلة جديدة كشفت النقاب عن الوجه الخفي لقادة حزب العدالة والتنمية وعن أهدافهم غير المعلنة، وما يهمنا في التحليل هو أنه كيف تحول هؤلاء الأبطال من خدمة الدولة التركية وشعبها إلى اتخاذ هذا الجهاز أعنى به “الدولة” إلى خدمة أغراضهم الشخصية ومعاقبة من يخالف توجههم وتصورهم ولو أنهم على ضلال.
لم يتوان هؤلاء الذين يملكون مقاليد القوة والسلطة في تركيا، المتمثلة في جيش من الإعلاميين الموالين لهم ومن رجال الأعمال والمال الذين صنعتهم على مقاسها ومنظمات المجتمع المدني التي تقتات من خزانة الدولة وأموال الشعب، ناهيك عن جهاز القضاء الذي أصبح المطرقة والسندان معا على رؤوس المعارضين، يضاف إلى هؤلاء جيش من العاملين في مفاصل السلطة تم تعيينهم بالمحسوبية والولاء للحزب الحاكم، كل هذه الأدوات يستعملها رجل الدولة في تركيا كوسيلة لإنقاذ رأسه من مقصلة العدالة الدنيوية، أما الأخروية فالشأن لله سبحانه وتعالى هو من يتولى ذلك .
المؤلم في كل ما ذكر أن رجل الدولة في تركيا والمسؤول الأول عن حكم البلاد والعباد لم يدخر أي جهد في استخدام كل أجهزة الدولة لخدمة أغراضه الشخصية وحماية نفسه من المساءلة التي نزلت إلى أدنى مستوياتها في الأجهزة التنفيذية للحكومة التركية، وعمل على تضليل الرأي العام في تركيا بطريقة أقل ما يقال عنها أنها لا تليق بمقام رجل دولة بحجم تركيا، لكن ما هو ظاهر للعيان بعد مرور مدة من الزمن عن الحرب التي أعلنها على رجال الشرطة والقضاء والإعلاميين بحجة الانتماء إلى الدولة الموازية التي هي من نسج خياله، ولا يؤمن بها أحد سواء داخل تركيا أو خارجها، سوى من يعملون في الدائرة العميقة لحزب العدالة والتنمية، وبدأت نتائجها العكسية والسلبية تعود فقط على المجتمع التركي وحده وهذه النتائج نذكرها على النحو التالي:
ـ إقالة وزج رجال الشرطة المختصين في محاربة الجريمة المنظمة والإرهاب على وجه الخصوص في السجون بتهمة محاولة الانقلاب على السلطة والانتماء للكيان الموازي، جاءت نتائجها سريعا تتلخص في سقوط 102 من المدنين الأتراك العزل وجرح ما لا يقل عن 300 شخص اثر التفجير الانتحاري الذي هز العاصمة أنقرة وأمام جهاز المخابرات التركية، وهنا نذكر السيد أردوغان بانتقاده للسلطات الفرنسية في حادثة “شارلي ابدو” عندما خاطبهم أين جهاز مخابراتكم أم أنهم نائمون؟ وأنا أقول له وهل المخابرات التركية كانت في رحلة استجمام أم أنها دخلت في بياتها الشتوي ؟ حتى تضرب تركيا هكذا جهارا نهارا أم أن في الفعل “إن” ؟ وعودة كل الفصائل الإرهابية النشطة في تركيا سواء المنضوية تحت غطاء القاعدة أو الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) التي لا يزال الجدل قائما على طريقة تأسيسها ودعمها الفني واللوجستي، وحزب العمال الكردستاني إلى ممارسة أفعالها الإجرامية الإرهابية جراء هكذا قرار.
ـ الحرب الشعواء التي شنها الرئيس رجب طيب أردوغان على الإعلام والاعلاميين بالزج بهم في السجون ومداهمة المؤسسات الإعلامية واخراج مؤسسات تلفزيونية توصف بأنها معارضة من القمر الصناعي ” ديجيتورك” نتائجها التي لا يستشفها الكثيرون من الإخوة الأتراك التي تكمن في إخراج تركيا كليا من نادي الدول المرشحة للتحول الديمقراطي وكذا زرع الخوف مجددا في نفوس الأتراك بصورة تلقائية للأوضاع السائدة في تركيا ما قبل 2002.
ـ النقطة الثالثة هي حربه على رجال الأعمال المخلصين الذين يأخذون من قوت أولادهم لتقديم المنح للطلبة الأتراك وغير الأتراك بغية تكوين رجال المستقبل الأكفاء المخلصين لأوطانهم و لدينهم واتهامهم بالإرهاب، كانت أيضا نتائجه عكسية وسلبية على مناخ الأعمال في تركيا، فلم يعد أحد يخاطر للاستثمار في هذا البلد، لعلو درجة المخاطر فيه ، فهذا يعود ـ حسب رأيي ـ إلى سياستهم العرجاء التي لم تبق لا على السوق الداخلية ولا على السوق الخارجية ، ما أدى إلى تراجع معدلات النمو في تركيا وتزايد معدلات العاطلين عن العمل وتقهقر الليرة التركية مقابل العملات الأجنبية خاصة الدولار، ولا تزال التداعيات الاقتصادية السلبية لم تظهر بعد، نظرا لتستر حكومة حزب العدالة والتنمية على الأرقام الحقيقية لأهداف سياسية حتى لا تخسر الانتخابات البرلمانية القادمة التي يعلق عليها أردوغان آمالا كبيرة للتشبث بالسلطة وإنقاذ نفسه ومن معه من مقصلة التاريخ .
في النهاية أعتقد أن دوام الحال من المحال وعمر الكذب قصير جدا، فمن كانوا يدعون أنهم أتوا لخدمة الدولة التركية بإخلاص و إدخالها في مصاف الدول الكبرى، أصبحنا اليوم نرى منهم العكس تماما حيث أصبح هؤلاء يتخذون من الدولة وسيلة لخدمة مصالحهم ولو على حساب تركيا برمتها فعندما نشاهد رجال الأمن يبحثون عن الأسلحة والمخدرات في مدارس تعد نموذجية ليس فقط في تركيا وإنما في كل ربوع العالم ويتركون المجموعات الإرهابية ترتع في ربوع تركيا هنا ندرك حجم الخطر الذي يحدق بتركيا وحتى العالم الإسلامي تحت طائلة ما يسمى بحكم الإسلام السياسي .
الجزائر : سفيان أبو أمير.