بقلم: ممتاز أر تركونه
لم يظهر “الإسلام السياسي” أبدًا في أي مكان بصفته جهدًا لتطبيق الأُسس السياسية للإسلام في الدولة والسلطة، ذلك أن هذه “الأُسس السياسية” الطموح لم تنفع أبدًا سوى في تسخير قوة الإيمان الأخروية لخدمة أغراض السياسة، وهذه الآلية بسيطة لدرجة أنها تحوّل الإنسان العاقل إلى شخص غبي.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إذا كنتَ مسلمًا، فيجب عليك دعم حزب العدالة والتنمية، وفي المقابل ليس لك الحق في انتظار أن تنصاع هذه السلطة للأُسس الإسلامية، لأن هناك حالة من الضرورة التي لا تنتهي أبدًا، ولا يمكنكم تجاوز هذه المعادلة والوضعية الفعلية بوصفكم إياها بأنها “استغلال الدين لصالح السياسة في أبشع صوره”، لأن هذا المفهوم الحكيم في الوقت نفسه يُعتبر حجة لإعلان الحرب على المسلمين المخالفين لفكره، من غير الخاضعين حتى لأبسط قواعد الأخلاق، ناهيك عن الأسس الإيمانية والعقدية.[/box][/one_third]والخطوة الأولى لهذه الآلية هي أن الإسلام ينظِّم جميع نواحي الحياة، بما في ذلك الناحية السياسية (الإسلام السياسي)، والخطوة الثانية: يجب على المسلمين التصرّف وفق هذه الأُسس ودعم التنظيم السياسي الذي يخدم هذا الغرض (إسلام الحزب)، وإلا يتحوّل دينهم، بأوجز عبارة على مرّ الزمان، إلى “دين البطاطس”.
أما الخطوة الثالثة فهي: تحديد إطار سُلطة السياسي، الذي سيبايَع كنتيجة للخطوتين الأوليين، والزعيم الذي يتولّى مسؤولية الإسلام السياسي، وهذا لا يتحدّد بأي إطار، أو أية قاعدة أو أي حدٍّ من الحدود.
ولأن الكفاح السياسي يمرّ دائمًا بحالة من الضرورة، ولأن الضرورات تبيح المحظورات؛ فإن الأُسس السياسية الإسلامية التي كانت حجة في أول الطريق، لا تُلزم السياسي.
إن ما سردته آنفًا ليس خيالًا أو نظرية، فالشرعية الإسلامية لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا اليوم تعتمد على هذه المعادلة البسيطة بحسب ما جاء في فتاوى الشيخ “خير الدين كارامان”، مفتي الحزب الحاكم.
فإذا كنتَ مسلمًا، فيجب عليك دعم حزب العدالة والتنمية، وفي المقابل ليس لك الحق في انتظار أن تنصاع هذه السلطة للأُسس الإسلامية، لأن هناك حالة من الضرورة التي لا تنتهي أبدًا، ولا يمكنكم تجاوز هذه المعادلة والوضعية الفعلية بوصفكم إياها بأنها “استغلال الدين لصالح السياسة في أبشع صوره”، لأن هذا المفهوم الحكيم في الوقت نفسه يُعتبر حجة لإعلان الحرب على المسلمين المخالفين لفكره، من غير الخاضعين حتى لأبسط قواعد الأخلاق، ناهيك عن الأسس الإيمانية والعقدية.
تصوّروا معي أنكم وضعتم مسألة فقهية أمام الشيخ “خير الدين كارامان” ،مفادها: “إذا لم يشارك” زيدٌ” في سياسات أُولي الأمر وخالف حكمهم وانضم لفرقة أخرى، فما هو الواجب شرعًا؟” فسيكون جوابه: “إذا كان أولو الأمر منكم فـ “زيدٌ” يكون قد بغى، ويجب قتله، وإذا لم يكن كذلك…”.
أتسألون ما هو دور العلمانية؟ إن العلمانية موجودة من أجل حماية الذين يتبنّون العقيدة ذاتها، ولكنهم يتبعون منهجًا سياسيًا مختلفًا في مواجهة من يمسكون بالسلطة، قبل أن تكون موجودة لفصل الدين عن السياسة وحماية أصحاب العقائد المختلفة من الدولة.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن قِبلة السياسيّ هي المكان الذي تقف فيه الدولة، وعندما ينضمّ الشعب الذي يقوده إلى عبادته الموجَّهة نحو هذه القِبلة، يظهر احتمال أن تكون له جنة في الدنيا، وهذا بالطبع مرتبط بما تفهمونه من لفظة الجنة، إذن أيّ نوع من المقاربات الدينية ومظاهر التدين مقبول لدى السياسيُّ؟ .. فالتدين الظاهر، بحسب منظور السياسي، يمكن أن يسمح له بالعيش بقدر توجيه سجادته نحو قِبلة السلطة الحاكمة، وإلّا؟ فالإجابة: انظروا إلى تركيا اليوم.[/box][/one_third]إن الدولة يجب أن تكون محايدة أمام جميع العقائد، كما أن مَن ينتمي إلى العقيدة ذاتها مع الدولة، ولكنه يخالفها في الاجتهاد السياسي، يلزم أن يكون في أمن ولا يخاف على نفسه، كيف؟ ، وهل ينسحب هذا المبدأ على واقعنا الحالي؟
إن قِبلة السياسيّ هي المكان الذي تقف فيه الدولة، وعندما ينضمّ الشعب الذي يقوده إلى عبادته الموجَّهة نحو هذه القِبلة، يظهر احتمال أن تكون له جنة في الدنيا، وهذا بالطبع مرتبط بما تفهمونه من لفظة الجنة، إذن أيّ نوع من المقاربات الدينية ومظاهر التدين مقبول لدى السياسيُّ؟ .. فالتدين الظاهر، بحسب منظور السياسي، يمكن أن يسمح له بالعيش بقدر توجيه سجادته نحو قِبلة السلطة الحاكمة، وإلّا؟ فالإجابة: انظروا إلى تركيا اليوم.
إن الواقعة التي أُطلق عليه “التوتر بين جماعة” الخدمة” والحكومة” بدأت بمحاولة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان الاحتلال الكامل لنطاق الإسلام المدني في إطار مخطط عمل خاص بفترة “أستاذيته” ،تذكّروا الجدل الذي دار حول موضوع إغلاق المراكز التعليمية الخاصة الذي شغل الرأي العام في تركيا لفترة طويلة، فقد بادر أردوغان إلى استخدام سلطة الدولة وامتيازاتها في سبيل تعليق لوحة “ممنوع الدخول” على هذه المراكز التي تعتبر مجالاً طبيعياً لخدمات حركة” الخدمة” ، وطبق محاولة الاحتلال ذاتها على الجماعات الدينية الأخرى، ولكن هذه المرة باستخدام “الجزرة” وليس “العصا” ،كما ذهب إلى أبعد من ذلك؛ إذ كلف المراكزَ الثقافية التابعة للدولة في الخارج ومدارسَ الأئمة والخطباء بمُهمة جديدة في محاولة منه لتشكيل جماعة خاصة به عبر استغلال إمكانيات الدولة، وفي نهاية المطاف وقع استقطاب بينه وبين الجماعات التي حافظت على استقلاليتها، من جهة، وبين هذه الأخيرة والجماعات التي أخضعها لسيطرته من جهة أخرى.
لقد شقّت السياسةُ صفَّ المسلمين، وذهب أردوغان إلى أبعد من ذلك، ووسّع نطاق هذه الحرب للتستّر على فساده وتجاوزاته، ونجح في الحصول على مصلحة سياسية من وراء ذلك.
إذن ما هي النتيجة؟ هل الدولة أصبحت أكثر إسلامًا والمجتمع أكثر تدينًا؟ لا؛ فعلى العكس تمامًا، تأمّم الإسلام في ظل سلطة حزب العدالة والتنمية، أما المجتمع فلم يتديّن ، إذا نظرنا إلى نسب الجرائم المتزايدة، وتم تحويله فقط إلى كتلة من الناخبين الذين يحافظون على مكان الحزب الحاكم في السلطة.
هذا ما يعني أن قِبلة السياسيّ مختلفة، وسنستكمل الحديث عن هذا الموضوع في وقت لاحق إن شاء الله.
جريدة زمان 6/7/2014