بقلم: علي بولاج
إن التيارات الإسلامية والحركات الدينية الأصولية في الشرق الأوسط تقع تحت ضغط في كل منطقة من مناطق العالم الإسلامي.
إن السلفية الحديثة، التي ترجمت هذه الضغوط والترهيب والفلسفة الوضعية للقرن التاسع عشر إلى نوع من قراءة النصوص الدينية، تسعى إلى تخطي براكين الغضب بتفجيرها، وتتمخّض هذه العملية عن صراعات سياسية وعسكرية جديدة وعدمية وتهميش شامل يقضي على الآمال المعقودة.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن حزب العدالة والتنمية، الذي يعتمد على شريحة الجماهير المتديّنة الملتزمة، والطبقة المتوسطة، والفقراء والأكراد المظلومين، أي باختصار المركز الاجتماعي للمجتمع؛ يتسبّب بمرور الوقت في تهميش وإقصاء ناخبيه بأسلوبه التصادمي والانتقامي والعقابي الجديد، بالضبط مثل بعض الاتجاهات السلفية المتشددة.أما الأشخاص الذين اختاروا التأنّي والصبر والرحمة والبساطة والحق ،كأسلوب حياة لأنفسهم فيُدفعون إلى المقاعد الخلفية، وفي الحقيقة، فإن هذه الزمرة، غير الواعية التي تظهر في المقاعد الأمامية وتتخذ موقعًا لدخول الحرب، ليست الزمرة الانتخابية الأصلية لحزب العدالة والتنمية.[/box][/one_third]كما أن تنظيمات الخوارج الحديثة التي تنشر حُمَم الكراهية هنا وهناك، تنحّي الإرث الثقافي والفكري المشروع والمتعارف عليه في الإسلام جانبًا، وتطبّق الأحكام التي استنبطتها وأضفت عليها صفة “القطعية”، مثلما تفعل الوضعية المادية، في المناطق التي تسيطر عليها، حتى إنْ وَضَعَ القادة السياسيون والعسكريون لهذه التنظيمات إستراتيجياتٍ عبقريةً، فإنهم يقودون الجماهير التي يحرّكونها نحو التهميش والإقصاء يوماً بعد يوم.
وقد كانت تركيا تمثل أملًا منذ حوالي ثلاث أو أربع سنوات مضت، لكنها، وللأسف، دخلت الدائرة ذاتها التي تدور بداخلها دول الشرق الأوسط الأخرى، فسياستها الداخلية تحولت إلى سياسة استبدادية، أما سياستها الخارجية فانقلبت إلى سياسة قومية إمبريالية، وإنّ تحول مظاهرات رابعة التي تحتضنها تركيا ضد الانقلاب العسكري في مصر فجأةً إلى : “رابعة الدولة الواحدة والأمة الواحدة واللغة الواحدة والوطن الواحد”، يعطي إشارات محزنة للغاية على أن هذه القومية المحافظة المصبوغة بــ”اللون الأخضر”، والمستلهمة أفكارها من “الكمالية” المتأخرة، من الممكن أن تمثل تهديدًا خطيرًا لنا جميعًا.
إن حزب العدالة والتنمية، الذي يعتمد على شريحة الجماهير المتديّنة الملتزمة، والطبقة المتوسطة، والفقراء والأكراد المظلومين، أي باختصار المركز الاجتماعي للمجتمع؛ يتسبّب بمرور الوقت في تهميش وإقصاء ناخبيه بأسلوبه التصادمي والانتقامي والعقابي الجديد، بالضبط مثل بعض الاتجاهات السلفية المتشددة.
وإن جيش المهاجمين معدومي البصيرة، والمستعدين للدخول في عراك في أية لحظة، والمعتادين على السباب من عديمي الأدب والتربية؛ يتحولون إلى فدائيين يرتدون أكفانهم في مواجهة الأخطار المزعومة، ونرى المستهدِفين المتربصين والصحفيين المغرضين يؤججون هذا الصراع.
أما الأشخاص الذين اختاروا التأنّي والصبر والرحمة والبساطة والحق ،كأسلوب حياة لأنفسهم فيُدفعون إلى المقاعد الخلفية، وفي الحقيقة، فإن هذه الزمرة، غير الواعية التي تظهر في المقاعد الأمامية وتتخذ موقعًا لدخول الحرب، ليست الزمرة الانتخابية الأصلية لحزب العدالة والتنمية.
للأسف فإن تركيا قد عادت إلى القديم وإلى الوراء، حيث نرى السياسة، التي وضعتْ جمعيةُ الاتحاد والترقي أُسسَها قبل مائة عام، تطلّ علينا من جديد في أفظع وأبشع صورها، فقد رجعت تركيا عن الخطوات التي أقدمت عليها في طريقها نحو أن تكون دولة القانون، ونجحت القوى التي قامت بانقلابات أعوام 1960 و1970 و1980 و1997في استعادة زمام المبادرة من جديد، وربما تكون قد وقعت بعض الأخطاء الإجرائية خلال محاكمة قضيتي “أرجينيكون” و”المطرقة” الانقلابيتين، وربما حدث بعض الظلم، ولكن هذه الأخطاء الإجرائية لا تعني أنه لم تكن هناك محاولات ومخططات للانقلاب.
ولقد شهدت تركيا على مر تاريخها الحديث العديد من الانقلابات العسكرية، والجنايات مجهولة الفاعل، والاغتيالات التي لم تنقطع سلسلتها، ولقد تولّدت فرصة رفع الوصاية في تركيا بالكامل في الفترة الواقعة بين عامي 2007 و2011 للمرة الأولى منذ قرن، وقُطعت مسافة كبيرة في هذا المضمار، لكننا لم نستطع عبور المانع الحرج، وحتى في الأوقات التي ظهرت فيه محاولات الانقلاب بشكل واضح وجليّ، كان 80% من أعضاء شبكة أرجينيكون تحت الماء (مستترين)، ولم يظهر الجناحان “المتديّن – المحافظ” و”الكردي” لهذه الشبكة.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]لقد أصيب القانون بجرح غائر، ولا تزال السلطةُ العامة ترتكب الجريمة تلو الأخرى، وتحرِم الهيئاتِ والمؤسسات من ممارسة مهامها بشكل طبيعي، كما وصلت العلاقات بين تركيا والشرق الأوسط والغرب إلى نقطة الانقطاع، وبات نصف المجتمع التركي يكن الكراهية للنصف الآخر، كما عُطّلت أدنى معايير النظام الديمقراطي في البلاد. وحرية التعبير تخضع لضغوط كبيرة، وتُلفَّق وثائق إثبات الجرائم المزيفة بشكل مخالف للقانون. وليس لما يحدث حاليًا في تركيا علاقة من قريب أو من بعيد بالإسلاموية أو الإسلام السياسي.[/box][/one_third]نعم لقد تكبّدت شبكة أرجينيكون “القومية” خسائر فادحة، ثم زعموا أن الوصاية قد انتهت، وكان هذا خطأ كبيرا؛ إذ بعد فترة قصيرة بادر الجناحان ( المتديّن – المحافظ والكردي) من تنظيم أرجينيكون إلى إنقاذ أنصاره القوميّين.
أما الآن فنحن نشهد تحالفًا بين تنظيم أرجينيكون وحزب العدالة والتنمية الحاكم حقّقه المسيطرون على مقاليد صنع القرار في الحزب، وإذا لم يكن الحزب قد اتُهم بالفساد والرشوة وواصل طريقه نحو السياسة النظيفة، لما كان أُجبر على الانضمام إلى هذا الحلف.
وجعلت بعض العوامل هذا التحالف الابتزازي ممكنًا، وهذه العوامل هي: الأموال السوداء المتداولة جرّاء اقتطاعات المناقصات، وممارسة الفساد والرشوة، والحصار النفطي الإيراني، والذهب القذر، وأوهام العثمانيين الجدد، والمصادر المستخدمة في تمويل الحرب الأهلية في سوريا، والسياسات الخارجية الخاطئة.
إن تنظيم أرجينيكون ما هو إلا رمز، ويرتكز أصله على إدامةِ كيانٍ متغلغل في الأعماق لنظام الوصاية، وامتلاكِه مهارة اللجوء لجميع الطرق غير القانونية لتحقيق هذه الغاية.
لقد أصيب القانون بجرح غائر، ولا تزال السلطةُ العامة ترتكب الجريمة تلو الأخرى، وتحرِم الهيئاتِ والمؤسسات من ممارسة مهامها بشكل طبيعي، كما وصلت العلاقات بين تركيا والشرق الأوسط والغرب إلى نقطة الانقطاع، وبات نصف المجتمع التركي يكن الكراهية للنصف الآخر، كما عُطّلت أدنى معايير النظام الديمقراطي في البلاد. وحرية التعبير تخضع لضغوط كبيرة، وتُلفَّق وثائق إثبات الجرائم المزيفة بشكل مخالف للقانون. وليس لما يحدث حاليًا في تركيا علاقة من قريب أو من بعيد بالإسلاموية أو الإسلام السياسي.
إن الدوامة التي دخلتها المنطقة تجرّ إليها تركيا جرًّا، وعلينا جميعًا أن نبحث عن طريق للنجاة والوقوف على أقدامنا مع المنطقة بأسرها، دون أن تسيطر علينا مشاعر اليأس، ولا ريب أن هذا الطريق يمرّ من السياسة المشروعة والمشاركة، والسياسة بدورها تمرّ من علم الاجتماع.
صحيفة” زمان” التركية