إسطنبول (زمان عربي) – أجرت صحيفة” زمان” التركية بحثًا مقارنا حول قضايا الفساد التي شهدتها إيران في الفترة نفسها، التي شهدت فيها تركيا قضية الفساد والرشوة الأخيرة التي جرى الكشف عنها في 17 ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
وكشف تقريرٌ أعدّه الصحفي دوغان أرطغرول، الذي ذهب إلى إيران بنفسه لجمع المعلومات، أن القضاء الإيراني حاكم وعاقبالشخصيات المتورِّطة في ممارسة الفساد في عهد الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، لكن الأمر في تركيا يختلف حيث تسعى الحكومة
للتستّر على فضيحة الفساد التي شملت عددًا كبيرًا من الوزراء والبيروقراطيين، بل إنها بادرت إلى اعتقال رجال الشرطة الذين كشفوا عن الفضيحة.
وكانت السلطات الإيرانية قد أعدمت رجل الأعمال المعروف “مه آفريد امير خسروي”، المدير التنفيذي لشركة الصلب الوطنية الإيرانية، وأحد أبرز رجال الأعمال في عهد الرئيس السابق أحمدي نجاد، يوم 24 مايو/ آيار الماضي في سجن “أوين” الشهير الذين كان معتقلًا به منذ فترة، وكانت التهم الموجَّهة لخسروي هي غسيل أموال وتلقي رشاوى والحصول على قروض غير قانونية من مصارف حكومية والإضرار بمقدرات الدولة في إيران.
ولم ينقذ رجلَ الأعمال خسروي الخطابُ الذي أرسله إلى الزعيم الديني آية الله خامنئي يوم إعدامه، وقال فيه إنه سيكشف هويات شركائه في الجرائم التي ارتكبها، بل ربما أسهم هذا الخطاب في تسريع عملية إعدامه بصفته المتهم الأول في قضية الفساد التي شملت 39 شخصًا.
ضراب يقضي العطلة وزنجاني في السجن
أخافَ إعدامُ خسروي العديد من رجال الأعمال الإيرانيين الذين تضخمت ثرواتهم بشكل مشبوه خلال فترة الحصار الاقتصادي المفروض على إيران، لا سيما رجل الأعمال الشهير “بابك زنجاني” ،الذي نعته ضراب بلقب “مديري” في أثناء تحقيق النيابة معه في إسطنبول،
ويُعد ضراب الاسم الأبرز بين المتهمين في قضية الفساد والرشوة الأخيرة في تركيا، والذي شغل الرأي العام التركي مؤخرا بالعطلات التي يقضيها على متن اليخوت الفاخرة على سواحل مدينة بودروم التركية، بينما لا يزال زنجاني معتقلًا في سجن أوين الذي أُعدم فيه خسروي، ويعد زنجاني أحد اللاعبين الأساسيين في اقتصاد غسيل الأموال المكتسبَة من تجارة النفط في عهد الرئيس السابق أحمدي نجاد.
وكان زنجاني قد أدخل الأموال الإيرانية الممنوعة في الخارج عبر دفع عمولات، ليستفيد منها في تكوين ثروة ضخمة مكّنته من ولوج قطاع تجارة النفط، كما حصل على براميل نفط من الحكومة لبيعها في الأسواق الخارجية، لكنه لم يدفع ثمنها.
ويصف زنجاني نفسه بأنه أحد أفراد “الباسيج الاقتصادي” في إيران لتأكيد قربه من مراكز القوى في نظام طهران، وهو محق في المخاوف التي يشعر بها؛ إذ إن التهم الموجَّهة له أكبر من تلك التي وجهت لخسروي، كما أنه أحد أبرز الأسماء الواردة في ملفات أكبر قضية فساد تشهدها إيران، حيث باع نحو 30 مليون برميل نفط عبر الشركات والبنوك المملوكة له في دبي وماليزيا وطاجيكستان وتركيا، ويُتهَم بالتهرّب من دفع أثمان هذه الكميات الهائلة من النفط، فضلًا عن التهرّب من سداد مئات الملايين من الدولارات التي حصل عليها من أجل توريدها إلى إيران، وفي الواقع ربما تكون نهايته مثل نهاية خسروي.
الرئيس روحاني يريد الكشف عن الفساد
أصدر عضو لجنة الطاقة في البرلمان الإيراني أمير عباس سلطاني الإشارات الأولى، خصوصًا وهو على دراية جيدة بملف زنجاني، وقد صرح سلطاني في اليوم التالي لإعدام خسروي بأن زنجاني، الشهير بلقب (Kont)، ربما يُعدَم هو الآخر.
ورسم النائب العام في طهران “دولت آبادي” الإطار القانوني للاتهامات الموجَّهة لزنجاني، وأعلن أن ملف زنجاني أكبر بأضعاف مضاعفة من ملف خسروي من حيث الكمِّ وعدد المتهمين المؤلفين من سياسيين وبيروقراطيين ورجال أعمال.
كما تقف خلف الملف حكومةُ الرئيس الجديد حسن روحاني التي بدأت مفاوضات مع الولايات المتحدة، فالإدارة الإيرانية الجديدة ترغب في إيصال رسالة إلى العالم مفادها أنها تكافح شبكات غسيل الأموال التي كبرت واتسع نطاق أنشطتها كثيراً بسبب الرشاوى والفساد والحصار الذي كان مفروضًا على الحكومات السابقة.
تركيا لا تفتح حتى غلاف ملف الفساد
في 14 يوليو / تموز 2014: “قررت اللجنة البرلمانية المنوط بها إصدار قرار حول إمكانية محاكمة 4 وزراء مستقيلين من حكومة حزب العدالة والتنمية أمام الديوان العالي في إطار التحقيق في قضية الفساد والرشوة، إعادة مذكرات الاتهام إلى النيابة العامة، دون حتى أن تفتح غلافها بحجة نقص فهارسها، (مع أن الفهارس كانت ستظهر بعد يوم واحد) ، ولم تكن لتنظر في مذكرات الاتهام إلا إذا اكتملت فهارسها! وبهذه الطريقة يكون الحزب الحاكم قد تهرّب من مناقشة مزاعم الفساد والرشوة ذات الصلة بالوزراء، والتي أنهكت الحكومةَ قبيل إجراء الانتخابات الرئاسية.
انظروا إلى هذه الصدفة، ففي اليوم نفسه الذي أعاد فيه البرلمان التركي مذكِّرات الاتهام الخاصة بالوزراء الذين حصلوا على رشاوى من رجل الأعمال الإيراني رضا ضراب، عقدت 3 لجان بالبرلمان الإيراني اجتماعًا لمناقشة ملف رجل الأعمال زنجاني المحبوس على ذمة قضايا فساد، فكانت لجنة الطاقة بالبرلمان الإيراني تعمل على الكشف عن ملابسات عملية بيع النفط في إطار قضية الفساد، وأما لجنة الفساد الاقتصادي فتحدّد علاقة المتهم بسائر القطاعات الأخرى والمسؤولين الحكوميين، فيما تتولّى لجنة التسعين مهمة تحديد ممتلكات زنجاني في الخارج وتحويلها إلى صورة نقدية.
أردوغان يحتفل بالفوز في الانتخابات المحلية مع 4 وزراء متهمين بالفساد
كان رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان قد احتفل بفوز حزبه في الانتخابات المحلية التي أجريت يوم 30 مارس / آذار الماضي برفقة أربعة وزراء مستقيلين على وقع اقتران أسمائهم بملف الفساد والرشوة.
وفي الواقع ثمّة اختلاف كبير جدًا بين سير مجريات ملف زنجاني في إيران وملف ضراب في تركيا منذ اليوم الأول من فتحهما، ففي الوقت الذي اعتبرت فيه السلطات الإيرانية – وإن كان ذلك حدث من خلال تصريحات شفوية على أقل تقدير – أن التحقيق في ملف فساد زنجاني أمرٌ ضروري لا بدّ منه، وصفت الحكومة التركية ملف الفساد الكبير هذا بـ”محاولة الانقلاب” عليها من أول يوم جرى فيه الكشف عنه، وسَعَت لإغلاقه والتستُّر على المتورّطين به.
ومن المثير أيضًا أن تركيا تغاضت عن ملف زنجاني، وإيران تغافلت عن ملف ضراب، مع أن كل ملف من هذين الملفين ربما يفكّ شفرة الملف الآخر، ولنتذكر أن زنجاني اتُّهم بالامتناع عن سداد ديونه للحكومة الإيرانية وتقديم رشاوى للعديد من المسؤولين بالدولة في مقدمتهم بيروقراطيو وزارة البترول، وعلى المنوال نفسه، اتُّهم ضراب باللجوء لطرق غير قانونية لتحويل أموال الغاز الإيراني المجمعَة في بنك خلق الحكومي التركي وتقديم رشاوى لعدد كبير من المسؤولين الأتراك، منهم أربعة وزراء.
لن تستطيع تركيا وإيران الكشف عن حقائق ملفات الفساد دون التعاون معا ً
لا يزال ملفا زنجاني وضراب يقدّمان خياريْن لا ثالث لهما أمام تركيا وإيران، الخيار الأول هو أن تتعاون الدولتان فيما بينهما لكشف تفاصيل الملفين، والخيار الثاني هو أن تشتركا في هذه الجريمة وتغلقا الملفين، ذلك أنه لا يمكن أبدًا التوصّل إلى نتيجة حقيقية فيما يتعلق بملف زنجاني الذي يشغل القضاء والبرلمان في إيران دون التعاون مع تركيا التي لا تستطيع هي الأخرى الوصول إلى نتيجة نهائية بخصوص ملف ضراب دون التعاون مع إيران.
إذن، هل توجد إمكانية لتحقيق تعاون كهذا بين البلدين الجارين؟ يرى عضو لجنة الطاقة في البرلمان الإيراني أمير عباس سلطاني أن الفرصة لا تزال سانحة، وأن تركيا هي التي من المفترض أن تقدم على هذه المبادرة.
وقد التقينا سلطاني في قاعة اجتماع لجنة الطاقة التي تناقش ملف زنجاني في البرلمان الإيراني، حيث أوضح لنا سبب أهمية هذا التعاون وأعرب عن قلقه حول هذا الموضوع بقوله: “إن مكافحة الفساد والإرهاب الاقتصادي في إيران وتركيا ليست مهمة القضاء وحده، بل هي في الوقت نفسه مهمة الحكومات والبرلمانات، لأننا نرى أن زنجاني عضو في شبكة فساد ومافيا كبيرة، وما هو إلا واجهة لهذه الشبكة، وقد أرسل جهاز القضاء لدينا وفودًا إلى جميع الدول التي توجد بها شركات مملوكة لزنجاني، وكان هدف هذه الوفود هو تحديد جميع شركات زنجاني المعلنة والسرية وكذلك الأموال الإيرانية بها، غير أننا نحتاج للتعاون مع بعض الدول من أجل إنجاز هذه المهمة”.
“تركيا لا تمد يد العون لإيران”
ومن الواضح جدًا أن سلطاني يقصد تركيا من وراء هذه التلميجات، وهو يقول صراحةً إن تركيا لم تلبِّ تطلعاته تلك: “نحب إخواننا الأتراك كثيرًا، لكنني لا أستطيع أن أقول إنهم يتعاونون معنا بالقدر الكافي فيما يتعلق بملف رجل الأعمال زنجاني، بيد أننا لن نستطيع إنجاز هذا الملف دون الحصول على دعم تركيا وطاجيكستان، وأدعوهما لتزويدنا بمعلومات حول شركات زنجاني وحساباته المصرفية إن وجدت، لأن أولويتنا في هذا المقام هي استرجاع أموال إيران، ومن ثمّ فكُّ شفرة شبكة المافيا التي يعمل معها وتقديمُها إلى العدالة”.
ويقول سلطاني إن “تجار الحصار” الذين استعملتهم بلاده منذ حرب الخليج الأولى تغذوا على ثروات الفساد وغسيل الأموال، وأن وراء هذه الزمرة توجد علاقات ظلامية، ويرى سلطاني أن هناك شبكة من العلاقات المعقدة وراء رجلي الأعمال زنجاني وضراب اللذين يُعتبران أهم الأدوات التي أفرزها الحصار الاقتصادي على إيران بسبب برنامجها النووي.
إيران أيضا تشعر بالقلق إزاء أبعاد ملفات الفساد
إن الوضع لا يختلف كثيرًا في لجنة الفساد الاقتصادي، التي أصبح بفضلها ملف زنجاني من القضايا الساخنة التي تناقشها السلطات والرأي العام في إيران، ولا يرغب رئيس اللجنة عزت الله يوسفيان في التحدث بصراحةِ ووضوحِ سلطاني، مراعيًا في ذلك موازنات السياسة الداخلية الإيرانية التي تعرضت لهزات عنيفة بسبب ملف زنجاني.
ويتصرف يوسفيان بحيطة كبيرة للغاية فيما يتعلق بأصول وممتلكات زنجاني في تركيا التي طلبت لجنة الطاقة منها تزويدها بمعلومات عنها، وربما يخشى أن ينتقل التحقيق في هذه القضية إلى بعض المجموعات السياسية في إيران، خصوصًا مؤيدي الرئيس السابق أحمدي نجاد، إذا ما كُشف عن تفاصيل هذا الملف الشائك.