إسطنبول (زمان عربي) – بحسب بعض تقارير أجهزة المخابرات، تعد منظمة” السلام والتوحيد” الإرهابية، التي برز اسمها في حملة المداهمات والاتعتقالات التي طالت العشرات من رجال الشرطة في تركيا ليل الاثنين الماضي، واحدة من من أهم التنظيمات الإيرانية السرية التي تنشط على الأراضي التركية.
وأُثيرت ادعاءات في الفترة الأخيرة حول منظمة إيرانية، إسمها الكامل: “منظمة جيش السلام والتوحيد والقدس الإرهابية المسلحة”، وعرَّفها مدير أمن محافظة “حكاري” الواقعة جنوب شرق تركيا طوفان أرجودر، الذي استقال من منصبه احتجاجاً على عمليات عزل وإبعاد عشرات الآلاف من رجال الشرطة بشكل غير قانوني بعد تحقيقات الفساد في 17 و25 ديسمبر/ كانون الأول 2013، بأنها “تنظيم إيراني إرهابي خطير تغَّلغل أعضاؤه في مفاصل الدولة التركية الحساسة للغاية”.
وهناك ادعاءات بشأن تسلُّل عناصر هذه المنظمة إلى مؤسسات الدولة المهمة، ومنها مؤسسة الإذاعة والتليفزيون الحكومية (تي آر تي)، وبعض المستشارين، حتى قيل إن نائباً سابقاً كان ينتمي إلى هذه المنظمة.
متى ظهرت منظمة السلام والتوحيد للرأي العام التركي؟
بدأت المنظمة في الظهور داخل المجتمع التركي وأمام الرأي العام، منذ تاريخ 24 فبراير/ شباط 2014، من خلال مانشيت لكل من صحيفتي “يني شفق” و”ستار” المواليتين لحكومة رجب طيب أردوغان، إذ ادعتا، استناداً إلى المعلومات التي حصلتا عليها من جهاز المخابرات الوطني التركي، بحسب المزاعم، أن الأمن التركي تنصَّت على ما يقرب من 7 آلاف شخص على علاقة بمنظمة السلام والتوحيد، لكن النائب العام المكلَّف بالنظر في التحقيق حول المنظمة الإيرانية هادي صالح أوغلو كذَّب الصحيفتين في تصريحات له، وأوضح أن عدد من تم التنصَّت عليهم في إطار القانون هو 2.280 شخصاً، وليس 7 آلاف.
وبعد فترة قصيرة، ومع تكرار إلحاح الصحفيين حول إمكانية التنصُّت على هذا الكمِّ الهائل من الأشخاص بالأجهزة المتوفِّرة لدى الأمن التركي، عاد النائب العام ليؤكد أنه لم يتمَّ التنصُّت في إطار هذا التحقيق إلا على 251 شخصاً على مدار السنوات الثلاث الماضية.
لماذا يتم استحضار هذا التنظيم على الساحة؟
بعد ظهور فضائح الفساد والرشوة، ادَّعت الحكومة التركية أنه تم التنصُّت على رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان ورئيس جهاز المخابرات خاقان فيدان، إلى جانب عددٍ من الوزراء، بحجة مراقبة تنظيم السلام والتوحيد، لكن وكلاء النيابة المسؤولين عن التحقيق شدَّدوا على أن عمليات التنصُّت المذكورة لم تَطل أبداً أي عضوٍ من أعضاء الحكومة، مؤكدِّين أنهم على استعدادٍ لتقديم استقالاتهم بشكلٍ فوري في حالة إثبات صحة الادعاءات المنتشرة في هذا الصدد.
وعلى الرغم من ذلك، يُتَّهم المعتقلون من قيادات ورجال الشرطة في حملة المداهمات التي وقعت ليل الإثنين الماضي بتشكيل منظمة إجرامية جاسوسية من أجل متابعة هذه المنظمة الإيرانية! فكيف يمكن تفسير إسناد جريمة التجسُّس للأمن الوطني وهو في الحقيقة يلاحق منظمة أجنبية وأنشطتها على أرض الوطن!
هل تريد الحكومة تطهير وتبرئة منظمة السلام والتوحيد؟
اللافت للانتباه، أن الحكومة التركية تبذل جهوداً جبارة لتطهير وتبرئة منظمة السلام والتوحيد، على الرغم من أن محكمة الاستئناف أصدرت ثلاثة قرارات منفصلة في أعوام 2002، و2006، و2014 بأنها منظمة إرهابية، ويظهر هذا جليا في البيان الذي نشره النائب العام لمدينة إسطنبول هادي صالح أوغلو، المعيَّن مؤخَّراً من قبل الحكومة، من أجل شرح مبرِّرات اعتقال مسؤولي ورجال الشرطة، إذ وصف فيه هذه المنظمة بـ”المزعومة”! وهذا البيان ينطوي على تناقضات؛ فالنائب العام يأمر باعتقال رجال الشرطة لمتابعتهم أعضاء منظَّمة إيرانية “مزعومة”!
من جانب آخر، فإن إطلاق عملية اعتقال رجال الشرطة بالتزامن مع إغلاق وكيل النيابة “عرفان فيدان” الملف الخاص بتحقيقات منظمة السلام والتوحيد، المصنَّفة من قبل أجهزة الأمن والمخابرات على أنها أخطر المنظمات الإرهابية الناشطة في البلاد، يُعتبر من البراهين الدالة على مساعي الحكومة الرامية إلى تطهير وتبرئة هذه المنظمة.
من سيتابع ملف تحقيقات منظمة السلام والتوحيد؟
ووفقًا للتعديلات القانونية الجديدة؛ فإن محكمة الصلح والجزاء التي أسسها رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان قبل ستة أيام، ضاربًا بالدستور عُرض الحائط، وعيَّن على رأسها عددًا من القضاة المقربين من حكومته، هي من ستنظر الملف المتعلق بمنظمة السلام والتوحيد، ويبدو أن الحكومة تسعى لإغلاق هذا الملف عبر قضاتها من جانب، ومن جانب آخر، تحاول تصفية أعضاء ما تسمِّيه بـ “الدولة الموازية” التي تعني بها حركة “الخدمة”.
الغريب والمثير للسخرية والدهشة معا، أن من أصدر أوامر باعتقال رجال الشرطة ليل الاثنين الماضي هو القاضي خلوصي بور، الذي أغلق الملف الخاص ببنك “خلق” أو” الشعب” الحكومي، ورئيسه أحد المتورِّطين في فضائح الفساد والرشوة الكبرى.
أما الطامة الكبرى فهي أن القاضي إسلام تشيشك، الذي سبق أن نشر على حسابه في “فيسبوك” دُعاءً لرئيس الوزراء: “الله يطيل عمرك”، وأًصدر قرارات بالإفراج عن أبناء الوزراء المتهمين بالفساد هو من سينظر في طلبات الاعتراض في هذه الدعوى!
منظمة تعرف بسلسلة من الجرائم الدموية
هذه المنظمة الإرهابية المعروفة بعلاقتها مع الحرس الثوري الإيراني أقدمت على شنّ سلسلة عمليات إجرامية وتفجيرات دامية في تركيا خلال فترة التسعينيات من القرن الماضي، راح ضحيتها الكاتب الصحفي المعروف أوغور مومجو، وغيره من الشخصيات المشهورة، كما أن تنظيم حزب الله ” التركي” الإرهابي، الذي يُعرف هو الآخر بعلاقته بالحرس الثوري الإيراني، نفَّذ عددًا من الهجمات الإرهابية الوحشية خلال السنوات الماضية في مناطق جنوب وجنوب شرق تركيا.
“خاقان فيدان” رئيس المخابرات التركية في سجلّات حزب الله التركي
حينما ألقت قوات الأمن القبض على حسين والي أوغلو، زعيم حزب الله “التركي” قتيلاً في أعقاب عملية مداهمة منزله الواقع بمنطقة بيكوز في إسطنبول عام 2000، عثرت فيه كذلك على الأرشيف الرئيسي الخاص بالتنظيم والملفات والسجلّات المتعلقة به، وورد في هذه الملفات أنه من الممكن تشكيل خلية سرية داخل الجيش الوطني التركي عبر رئيس المخابرات الوطنية الحالي خاقان فيدان، الذي يُرمز إليه بـ”متين فيدان”.
لماذا تُرَاقب منظمة التوحيد والسلام
يرجع تاريخ الوثائق والأدلة الخاصة بالتحقيقات المفتوحة حول منظمة السلام والتوحيد الإرهابية إلى عام 2010 ، وانطلقت هذه التحقيقات بالبلاغ الذي تقدمت به كاملة يازيجي أوغلو حول تعرُّضها لاضطهادٍ من قبل زوجها، وإقامتِه علاقات مع نساء أخريات تحت مسمَّى” زواج المتعة”، وعندما أعلنت أن زوجها هو مرتكب الجرائم الدموية التي راح ضحيتها عدد من الشخصيات المشهورة مثل أوغور مومجو ونسيم مالكي وتشتين أماتش، وأنه صديق مقرب من نور الدين شرين، وأنه يتجسَّس لصالح إيران، أصدرت السلطات التركية على الفور قرارًا بالمراقبة التقنية التي أسفرت عن التوصُّل إلى مجموعة من الأسماء المهمة خلال ثلاث سنوات متصلة.
ولا شكّ في أن هذه المعلومات تفسِّر السبب الكامن وراء عملية الاعتقالات ضد قيادات ورجال الشرطة تحت غطاء تهمة محاولة الإطاحة بالحكومة والتجسُّس، علماً أنهم لم يصرِّحوا بعدُ لصالح أي دولة يعمل رجال الشرطة الأتراك الوطنيون هؤلاء!