إسطنبول (زمان عربي) – شغل رجلا الأعمال واسعا الثراء، الإيراني بابك زنجاني وشريكه التركي من أصل إيراني رضا ضرّاب، الصحافة والإعلام التركي خلال الفترة الأخيرة بعد إلقاء القبض على كليهما بتهم الفساد والاحتيال وتحويل عائدات النفط الإيراني المباع في السوق السوداء بسبب العقوبات المفروضة على الجمهورية الإيرانية إلى حسابيهما بدلاً من تحويله إلى خزانة الدولة.
وأثار الكشف عن وقائع فساد كبرى العديد من ردود الأفعال في الأوساط المختلفة على الجانبين التركي والإيراني، فعلى عكس الأوساط السياسية الإيرانية، يُجمع عالم المال والأعمال على ضرورة إتمام العملية القضائية في تحقيقات الفساد الخاصة بكل من زنجاني وشريكه ضرّاب.
أشار رئيس غرفة تجارة وصناعة ونفط إيران حامد حسيني إلى أن الجمهورية الإيرانية اضطرت جراء الحظر الدولي المفروض على النفط الإيراني إلى استخدام وسطاء قالوا إنهم مستعدون لتسويقه، كزنجاني وضراب، فبدأت تستخدم مثل هؤلاء المليارديرات المعروفين في عملية بيع النفط ونقل الأموال، وكان هؤلاء الوسطاء يحوِّلون عائدات النفط إلى ذهب أو عملات أجنبية، ومن ثم ينقلونها إلى إيران عبر البنوك أو الشاحنات أو حتى الطائرات، مثلما رأينا مؤخَّراً في مسألة ضبط الطائرة المحملة بالذهب والعائدة لرجل الأعمال التركي من أصل إيراني رضا ضرّاب في مطار إسطنبول الدولي ثم إطلاقها بعد تدخُّل بعض كبار المسؤولين.
ليس تجارة الذهب بل نقل الأموال
وقال حسيني، الذي يعمل بالأساس في مجال الصرافة، إن جزءًا كبيرًا من صادرات الذهب الجارية بين البلدين ليس تجارة، بل عبارة عن نقل الأموال، وإن هذه التصريحات تكذِّب بشكلٍ صريح مزاعم الأوساط السياسية التركية بأن الزيادة الملحوظة في حجم التجارة بين البلدين في مجال الذهب يأتي بسبب النشاط التجاري بين الطرفين، وأن سبائك الذهب التي تمَّ العثور عليها في طائرة رجل الأعمال ضراب ليست إلا من قبيل “النشاط التجاري”.
وتابع حسيني: “إيران طلبت من الدول التي تبيع لها البترول أن تدفع قيمته في صورة سبائك من الذهب، لكن هناك دولا عدة لا تستطيع أن تدخل مجال تجارة الذهب مقابل النفظ، أما تركيا فلم يكن هناك ما يمنعها من مثل هذه التجارة، ولذلك طلبت إيران من تركيا أن تدفع ديونها بالذهب.
إن تصريحات حامد حسيني حول الدور الذي يلعبه الوسطاء من أمثال رضا ضراب من شأنها أن يغيَّر سير عملية التحقيقات المستمرة في قضية الفساد والرشوة الكبرى في تركيا.. يقول حسيني: “إن الكثير من تجار الذهب مثل ضراب، أكَّدوا لإيران أنهم يريدون ممارسة تجارة الذهب، فبدأوا بتوريد الذهب إلى إيران بالأوراق والمستندات اللازمة لذلك، لكن في الواقع أغلب هذه العمليات كان يتم على الورق فقط، أي بشكلٍ صوري، ونُقل جزء من سبائك الذهب إلى إيران والجزء الآخر تم نقله إلى دبي.. نعم إيران كانت بحاجة إلى مثل هذه القنوات والوسائل”.
وأوضح حسيني أن هناك العديد من الوسطاء الذين حاولوا أن يدخلوا في هذا القطاع لكنهم لم يفلحوا، مشيرًا إلى أن رضا ضراب دخل قطاعاً آخر يجلب ثروة أكبر ، وهو نقل الأموال بين البلدان، وحقَّق نجاحاً كبيراً فيه، بفضل علاقاته ومعارفه مع العديد من المسؤولين، وشراكته مع رجل الأعمال الإيراني زنجاني، وبحسب حسيني، سهلت إيران عمل الوسطاء عن طريق الإصلاحات التي نفَّذتها.
وبين حسيني كيف أن الملياردير ضرّاب، الذي يدّعي أنه سد العجز في الحساب الجاري التركي، بدأ يقوم بعملية نقل “الذهب مقابل عمولات”، قائلا:” نظرًا لكونه يعمل في مجال الصرافة ولديه سيولة مالية كبيرة، كان يشتري بماله الخاص كميات الذهب التي سوف يصدِّرها، ثم يُبلغ البنك المركزي الإيراني بعمليات الشراء، وفي بعض الأحيان كان يلجأ إلى استخدام مستندات وأوراق مزورة لعمليات شراء ذهب صورية من خلال بعض المقربين إليه أو الذين على علاقة معه، حتى يظهر أمام البنك المركزي الإيراني والسلطات المختصة أنه قام بشراء الذهب اللازم ونقله”.
إيران تغاضت عن بعض التجاوزات بسبب الحظر عليها
ورأى حسيني أن السبب الرئيسي الذي ساهم في ظهور كل من بابك زنجاني ورضا ضرّاب، هو شبكات علاقات قوية يتمتّعان بها مع الجانب التركي وليس الجانب الإيراني.
ووفقًا لحسيني، فإن العديد من المسؤولين الإيرانيين والبنوك الخاصة تغاضت عن علاقات رجلي الأعمال زنجاني وضرّاب، وذلك لأن ما يهمها هو عملية نقل الأموال وتحقيق عائد أكبر من خلال الأموال التي ستتدفق على البنك، فقد استطاعت إيران أن تقوم بعمليات استيراد بقيمة 30 إلي 40 مليون دولار يوميًا من خلال بنك “خلق” التركي الحكومي.
ولم تعترض تركيا على ذلك نظرًا لأنها تبيع ذهبها وتحقق أرباحاً كبيرة.. نعم إيران اضطرَّت للتغاضى عن بعض التجاوزات جراء ضغط الحظر المفروض عليها دوليًا.
بعد كل ذلك، ما موقف النظام البنكي والقضائي في إيران من مثل هذه الإجراءات؟ هل يجب محاكمة ضرَّاب ذي الأصل الإيراني مثلما تمت محاكمة شريكه وزعيمه الإيراني زنجاني؟
يجيب حسيني عن هذه التساؤلات قائلًا: “إذا كان ضرّاب أقدم على دفع رشوة للمسؤولين الإيرانين كما قدّمها للمسئولين الأتراك، فإن هذا يستوجب محاكمته هنا في إيران، لكن وعلى حد علمنا، فإن ضرّاب لم يقم بهذا الشئ، حتى إن ما قام به ضرّاب يعتبر مساعدةً منه لإيران في مواجهة الحظر الدولي المفروض عليها، فإذا لم يكن ضرّاب وزنجاني قاما بهذه العمليات فإن هناك من كان سيقوم بها على كل حال، وعلى سبيل المثال؛ فإن إيران لها أموال تُقدّر بـ10 مليارات دولار في الهند، ماذا نستطيع أن نشتري بهذه الأموال؟ والصين يوجد بها ما يقرب من 30 مليار دولار، كيف ستأتي هذه الأموال؟ لكن الوسطاء كأمثال زنجاني وضراب يجلبون هذه الأموال إلى إيران مقابل 5 إلى 9% من المبلغ كعمولة، فإيران مدينة لهم بالشكر..! لكن ربما يكون هذا جريمة وفقًا للقانون التركي، إذن على المسؤولين الأتراك محاكمته”.
المسؤول الإيراني لا يشعر بالمفاجأة لتقديم ضرّاب رشوة للبنوك التركية
وعندما سألنا حسيني: “هل فوجئتم بالتهم الموجَّهة لرضا ضراب”، أجاب دون تردُّد: “لم أندهش عند سماع الأخبار التي تدور حول تقديم ضرّاب رشاوى إلى البنوك التركية، لأن هذا كان جليًا، فقد أراد عدد من الوسطاء أن يتعاملوا مع بنك “خلق” التركي الحكومي إلا أن إدراة البنك رفضتهم جميعا، لكنها وافقت على التعامل مع ضرّاب فقط، والجميع في تركيا على علمٍ، منذ العام الماضي، بأن ضرّاب له علاقات قوية داخل تركيا، وكان جليًا للعيان أن علاقاته القوية كانت توفر له الغطاء والحماية اللازمة للقيام بمثل هذه العمليات، لهذا لم أندهش عند سماع خبر تقديمه رشوة لأحد البنوك، ولهذا السبب أيضًا فضَّلته السلطات الإيرانية للقيام بهذه العمليات.