بقلم: نازلي إيليجاق
لا يزال عقل تركيا مرتبكا بخصوص العملية العسكرية الموجَّهة للقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي (داعش) ،ويفكر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أن داعش إذا تعرّض للهزيمة، فإن حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) سيقوّي نفوذه في المنطقة ذات الكثافة السكانية الكردية شمال سوريا (روج آفا) التي يسيطر عليها بالفعل، وقد أفصح أردوغان عن هذه المخاوف في نيويورك خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ إذ أشار إلى أن العملية العسكرية لا يجب أن تكون موجَّهة لداعش فقط، بل يجب في الوقت نفسه أن تكون موجَّهة إلى سوريا و”التنظيمات الإرهابية الانفصالية” ،وكان يقصد بهذا المصطلح حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) ذراع حزبَ العمال الكردستاني (PKK) في سوريا.
ومن ناحية أخرى، فإن الغرب يثق في الأكراد في تلك المنطقة، بما في ذلك حزب الاتحاد الديمقراطي، من أجل مكافحة داعش بشكل فاعل ، هذا فضلًا عن أننا نعرف أن عبد الله أوجلان، زعيم منظمة حزب العمال الكردستاني المحبوس في جزيرة إمرالي شمال غرب تركيا، وقادة المنظمة في جبال قنديل شمال العراق، وكذلك حزب الشعوب الديمقراطية ذي التوجُّه الكردي أو اتحاد الجماعات الكردية (KCK)، يشعرون بالاستياء من مواقف تركيا المتناقضة، وهم يصرحون بهذا علانيةً.
وكان مراد كارايلان، عضو المجلس التنفيذي لاتحاد الجماعات الكردية، قال في وقت سابق: “لدينا وثائق تثبت أن هناك تخطيطًا مشتركًا بين تركيا وداعش، لقد خانت تركيا الأكراد وضربتهم من الخلف مرة أخرى؛ إذ أرادت بيع كوباني (عين العرب)، لكنها لا تستطيع فعل ذلك، كوباني هي قطعة من كردستان، ولا يمكن لتركيا أن تخدعنا بعد الآن، وهذا إعلان للحرب، ولم يعد هناك معنى لمفاوضات السلام بالنسبة لقوات الدفاع الشعبي الكردستاني (الذراع المسلح لحزب العمال الكردستاني)”.
أما سبب فقدان كارايلان الثقة في الحكومة التركية فهو المساعدات التي قدّمتها أنقرة لجبهة النصرة الإسلامية من أجل الضغط على حزب الاتحاد الديمقراطي شمال سوريا في وقت سابق، وقد اعتبر أردوغان جبهة النصرة حليفًا له لفترة طويلة في مواجهة حزب الاتحاد الديمقراطي ونظام بشار الأسد، وفي الواقع، فإن الإدارة الأمريكية تعلن ذلك صراحةً. ألم يقل وزير الخارجية الأمريكي جون كيري: “عندما بدأت المساعي الطامحة لإسقاط نظام الأسد، كان هناك من يرتب حساباته على أساس الحرب ضد النظام السوري؛ إذ كان الأهم بالنسبة لهؤلاء هو إسقاط النظام بغض النظر عن بعض “التفاحات الفاسدة” التي تظهر في منتصف الطريق. وقد أدّى هذا إلى توفير مصادر تمويل للجماعات المختلفة. وظنّ البعض أنه بعد إسقاط نظام الأسد سيجري الاهتمام بهذه التفاحات الفاسدة. غير أن هذه التفاحات الفاسدة زاد تهديدها بمرور الوقت”.
وكان السفير الأمريكي السابق في أنقرة فرانسيس ريتشاردوني أدلى بتصريحات أكثر شفافيةً؛ إذ قال: “لم تصغ تركيا للتحذيرات الموجَّهة إليها، ولقد قدّمت الدعم إلى جبهة النصرة، إن لم يكن تنظيم داعش”.
إن تركيا تحصد اليوم الثمار المرَّة للسياسات الخاطئة التي انتهجتها في التعاطي مع القضايا الخارجية. ولم يعد الغرب فقط هو الذي لا يثق في تركيا، بل أصبح حزب العمال الكردستاني، الذي تجري معه أنقرة مفاوضات لإقرار السلام، لا يثق هو الآخر بها. فالمنطقة الكردية شمال سوريا (روج آفا) وحزب الاتحاد الديمقراطي يعتبران نقطة انهيار، وبينما كانت أنقرة قد بدأت المفاوضات مع حزب العمال الكردستاني كان ينبغي لها أن تسعى لرؤية جميع عناصر المشهد بدلًا عن “إنقاذ اليوم” ،وكان على المسؤولين في أنقرة أن يروا وصول مفاوضات السلام مع “حزب العمال الكردستاني” إلى نفق مسدود إذا ما كانوا لن يعترفوا للأكراد بحق التعليم بلغتهم الأم ولن يرغبوا في إقامة حكم ذاتي في منطقة روج آفا شمال سوريا تحت إشراف حزب العمال الكردستاني.
نعم، توقفت الأعمال الإرهابية على الأراضي التركية، غير أن حزب العمال الكردستاني اكتسب شرعية أكبر لدى الرأي العام العالمي، وكان القيادي بالتنظيم جميل باييك قال، في تصريح أدلى به لموقع “المونيتور” الإخباري الأمريكي على الإنترنت، إن “حزب العمال الكردستاني يعيش أقوى مراحله”، حيث إن عمليات الانضمام إلى صفوفه تحقق أرقامًا قياسية. ففي الوقت الذي كان ينضم فيه إلى صفوف التنظيم ألف مقاتل شهريًا عام 1993، ارتفع هذا العدد إلى 1200 مقاتل خلال الشهر الأخير.
ولنفترض أن مفاوضات السلام بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني فشلت، فماذا سيحدث إذا انتشرت أعمال العنف من جديد بشكل أشدّ مما كانت عليه في الماضي؟
شيء كالمزاح
يغضّ رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو الطرف عن انتقال بلاده فعليًا إلى النظام الرئاسي، ويتحدث الرئيس أردوغان في كل مكان، يتهم هذا وذاك، وليس لديه أي قلق بخصوص مبدأ الحياد، وفي الواقع هو الذي يصدر جميع القرارات، وإذا كان داود أوغلو يقبل أن يكون سياسيًا من “الدرجة الثانية”، فليس لدي ما أقوله، لكن ألا يجب أن يكون ذلك مضحكًا على الأقل! وكان قد قدّم بعض التوصيات حول ترشيد نفقات الدولة فيما مضى، وكان يقول: “لقد أُنفقت أموال طائلة على السيارات المستأجرَة”، كما كان يقول “لن نسمح بتواجد الحرام على مناضد طعامنا”.
يجب على جميع موظفي القطاع العام ترشيد نفقاته، فيما يشتري الرئيس أردوغان طائرة خاصة بقيمة 436 مليون ليرة (194 مليون دولار)، ويهدم قصر وحيد الدين ويبني مكانه قصرًا و7 – 8 فيلات، وينتهك القوانين ليبني “القصر الأبيض” بقيمة 1.5 مليار ليرة (650 مليون دولار) في غابات أتاتورك بالعاصمة أنقرة، أضف إلى ذلك أن أحدًا من المتورطين بفضيحة الفساد والرشوة لم يحاسَب على ما ارتكب من جرائم بحق هذا الشعب… ثم يخرج علينا رئيس الوزراء داود أوغلو ليحدثنا عن ترشيد النفقات. فليقل إنه “ابتعد عن أكل الحرام”. أم انه يسعى لأن يشبه جيم يلماظ (الفنان الكوميدي الشهير)!
لقد أصبحت عبارة “لن نسمح بتواجد الحرام على مناضد طعامنا” موضوع سخرية على موقع التواصل الاجتماعي تويتر. فكتب أحدهم “لا يمكن الرد على هذا التصريح إلا من خلال الوجه الضاحك، لكن لم يعد هناك داع لفعل ذلك، فهو قد قام بالواجب، في الحقيقة وجه دوود أوغلو مثل الوجه الضاحك LLL “.
تصريحات القيادي الجمهوري حسين آيجون
ألحق حسين آيجون، القيادي بحزب الشعب الجمهوري المعارض، ضررًا كبيرًا بحزبه بسبب تغريدة نشرها على موقع تويتر. ونعرف جميعًا أن حزب الشعب الجمهوري يبذل جهودًا حثيثة في سبيل عملية التطبيع مع المجتمع، فهو لم ينبس ببنت شفة بخصوص موضوع النائبات المحجبات اللاتي دخلن البرلمان. غير أن آيجون أدلى بتصريحات سيعتبرها البعض بمثابة عداء للدين؛ إذ قال: “لم ولن أحترم الحجاب أبدًا، فهو وسيلة الذكور المهيمنين لدى العرب لازدراء المرأة. فالرجال لدى العرب في القرن السابع الميلادي يضمون الفتيات في سن التاسعة إلى قطعانهم. واليوم نجد الداعشيين من الأتراك يحجبون البنات عند سن التاسعة، وهم بذلك يتصرفون بمنطق القرن السابع في القرن الحادي والعشرين الذي نعيش فيه”.
نرى حزب الشعب الجمهوري يسعى جاهدًا لانتهاج سياسات أكثر تسامحًا وشمولًا لجميع طبقات المجتمع في تركيا، إلا أن بنيته الداخلية لا تسمح بهذا في الوقت الحالي.
جمعية “هل من مغيث؟” الخيرية
انتشرت أنباء تشير إلى أن جمعية “هل من مغيث؟” (كيمسا يوكمو؟) الخيرية، المقرَّبة من جماعة الخدمة، ستنزَع منها إمكانية جمع التبرعات والمساعدات، لكن المفتشين المسؤولين عن مراقبة أنشطة الجمعية لم يثبتوا أي نشاط منافٍ للقانون، فلم يصادفوا أي شيء يتعلق بالفساد أو الغش وما إلى ذلك. وفي الوقت الذي لم يصدر أحد أي صوت بشأن أنشطة جمعية “فنار البحر” (دنيز فنري) التي أقدمت على تنفيذ بعض الإجراءات المشكوك في صحتها القانونية، بل على العكس تمامًا فهناك مساعٍ من أجل التستّر على دعوتها القضائية. وبينما يستبعَد النواب العموم الذين يسعون للتحقيق في مزاعم الفساد، يصدر قرار تعسفي يقضي بوقف أنشطة جمعية خيرية أخرى.
لقد أعرب الأديب التركي المعروف إسكندر بالا عن عدم استساغته للصراع الدائر بين جماعة الخدمة وحكومة حزب العدالة والتنمية. لكنه يرى أن على الجماعة أن تقدم اعتذارًا إلى الحكومة…
كان الناس في بريطانيا يحتقرون القادمين من المستعمرات كثيرًا في الماضي. وقال لي أحد أصدقائي إنه في تلك الحقبة كان إذا داس هنديّ علي قدم إنجليزيّ، يقدم له اعتذارًا ويقول “أعتذر منك، فلقد انفلتت قدمي حتى أصبحت تحت قدمكم”. وما قاله إسكندر بالا يشبه هذا الوضع كثيرًا. وعلى أي حال، ينتظر البعض أن يتقدم أعضاء جماعة الخدمة بالاعتذار إلى الرئيس أردوغان ليقولوا: “نعتذر منك سيادة الرئيس، لقد أصابكم بنك آسيا وجمعية كيمسا يوكمو بالتوتر وأزعجناك كثيرًا”.