ياووز بايدار
الأحداث المتتالية في المنطقة تشير إلى تأزُّم الوضع التركي أكثر فأكثر في منطقة الشرق الأوسط والبحر المتوسط.
وليس من قبيل المصادفة أن يصرح الرئيس القبرصي (آناستاسياديس) بشكل مفاجئ: “نحن ننسحب من المفاوضات لأن تركيا أرسلت سفنًا حربية إلى مناطق استخراج الغاز الطبيعي” تزامنا مع وصول مشكلة داعش في سوريا إلى المناطق الحدودية في تركيا.
والجميع يعلم أن قبرص لا تتخذ أية خطوة إزاء تركيا إلا بعد دراسات مستفيضة، وهذا يعني أن هيبة تركيا قد تضاءلت في المنطقة.
إن تركيا، التي ليس لها تمثيل دبلوماسي في مصر وإسرائيل وسوريا وقبرص، ستعيش أزمة مضاعفة في مواجهة داعش ونظام الأسد بعد تخلي دولة قطر عنها في وقت ينظر فيه الأردن إليها بعين الريبة، وتزداد فيه فجوة علاقاتها مع السعودية.
وإن تقرير التقدم الأخير في المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي كاف لفهم مدى فتور العلاقات بين تركيا والاتحاد.
ولم يبق على أرض الواقع سوى الناتو المترنح في مسألة الشرق حيث أن أمريكا ترى صعوبة التعاون مع تركيا.
وليس هناك أي شك في أن اعتذار جو بايدين نائب الرئيس الأمريكي يتعلق بالأسلوب وهو امتداد لقناعة أمريكية بأن تركيا قد أخطأت سابقا وبدأت تتدرك خطأها الآن .
ويتضح لنا من خلال تصريحات البيت الأبيض، ووزير الخارجية الأمريكي أن العلاقات لا تزال تتسم بعدم الانسجام.
فالتصريحات أكدت أن الأولوية هي استهداف داعش لا دمشق، وما من تحمس تجاه الحظر الجوي والمنطقة العازلة.
والرئيس التركي رجب طيب أردوغان متفائل أكثر من اللازم، إذ يتخيل أنه لايزال هناك أرضية صالحة للمفاوضات الصارمة مع أمريكا، وقد كرر ذلك في غازي عَنتب حيث قال: “طلبنا 3 أمور: 1- إعلان منطقة حظر طيران. 2- إعلان منطقة موازية لمنطقة الحظر الجوي. 3- يجب تدريب المعارضة المعتدلة في سوريا والعراق”.
وقال رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو: “إذا استُهدف الأسد فإننا سنرسل قواتنا البرية” ظانًا أنه سيجر أمريكا مجبرة إلى المساومة.
إن داود أوغلو يشير إلى موجات اللاجئين ويطالب بمساعدات خارجية من أجلهم، علمًا بأن هناك ادعاءات تفيد بأن تكاليف استقبالهم قد وصلت إلى 4 مليارات دولار حتى الآن.
إن الناس يذكرون جيدا تصريحاته الحماسية في قمة الأمن في ميونيخ حين قال: “إننا نرحب بالسوريين حتى لو جاء الشعب السوري كله”، وتصريحاته تلك لا تزال محفوظة في السجلات وذاكرة الناس.
كما يجب التنويه إلى أن المؤسسات المدنية الأجنبية قد عُرقلت كثيرًا منذ البداية في تقديم المساعدات المادية والموارد البشرية كما ورد في تقارير مركز (بوركنجز) الأمريكي للأبحاث، وليس هناك أحد يعترف بالخطأ.
إن هؤلاء يخفون على الشعب هذه الحقيقة من خلال كلمات خارجة عن الموضوع:
إنهم، بعقولهم الضيقة، استخفوا بمنتهى السذاجة بنظام دمشق، الذي هو مركز كل المكر والفتن في الشرق الأوسط، ولم يدركوا مدى الدعم الخارجي لدمشق ذات العلاقات الاستخباراتية الهائلة.
ولم يحبذوا الاعتراف بوجود روسيا في الساحة أبدا.
إن النظام البعثي المتجرد عن الإنسانية الذي قتل ما لا يقل عن 200 ألف شخص حتى الآن، وأسس، بدهاء موروث عن حزب الاتحاد والترقي تنظيم داعش، ولم يكتف بذلك فحسب بل جعله كارثة على العالم، وأفسدت توازن تركيا كليا.
فالنظام السوري الآن مرتاح، بينما تركيا هي مركز التوتر والقلق، وهذه هي الحقيقة.
فإذا كانت القوات غير المسلمة لن تدخل العراق وسوريا، وإذا كانت جامعة الدول العربية لن تحرك ساكنًا فكفوا عن الأحلام التي لن تتحقَّق مثل التدخل العسكري البري الجماعي.
اعترفوا بأخطائكم وأصلحوا بوصلتكم الخربة.