بقلم: مراد يتكين
اتخذ رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو، قرارًا في غاية الخطورة، مطالبًا بوقف الاحتجاجات وأعمال العنف التي اندلعت منذ أيام في ربوع البلاد تنديدًا بالصمت التركي تجاه الهجوم الغاشم لتنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي (داعش) على بلدة عين العرب (كوباني) ذات الأغلبية الكريدة في شمال سوريا، ملوحًا بورقة زعيم حزب العمال الكردستاني المعتقل مدي الحياة، عبدالله أوجلان.
فقد كتب أوجلان من حبسه رسالة لمؤيديه. داعيًا حزب الشعوب الديموقراطية الكردي للتوجه إلى المفاوضات والحوار وليس المزيد من الاحتجاجات والتظاهرات. وقد سُلمت الرسالة إلى أعضاء حزب الشعوب الديموقراطية من خلال جهاز المخابرات الوطنية التركي، وكان الحزب الكردي، قبل يومين، قد دعا مؤيديه وأنصاره للنزول إلى الشوارع والميادين في مظاهرات شعبية حاشدة. بيد أن الرئيس العام للحزب والمرشح الخاسر في الانتخابات الرئاسية الأخيرة صلاح الدين دميرطاش، عندما تلقى رسالة الزعيم أوجلان، طالب أنصار حزبه بالابتعاد عن أية أحداث قد تتخللها أعمال عنف.
وبمعنى آخر، فإنه بهذا الخطاب والرسالة الموجهة من قبل أوجلان، والتي ساعدت في توقف الاحتجاجات، يكون رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو قد أصبح مدينا لعبدالله أوجلان.
وحتى إن كان خطاب أوجلان قد أوقف أعمال العنف والاحتجاجات الشعبية، ولو بشكلٍ مؤقت، إلا إنه وفي خلال ساعات ظهر لنا أنه لم يوقف فاعليات العناصر المسلحة.
في الليلة نفسها، تعرض قسم تابع لقوات الأمن التركية، واقع في الطرف التركي، على الحدود بين مدينتي “القاميشلي” السورية و”نُصيبن” التركية، لهجوم مسلح من الجانبين في آن واحد، فقد كان منظمو الهجوم من الجانب التركي، أعضاء في منظمة حزب العمال الكردستاني (PKK)، وعلى الجانب الآخر كان مسلحون تابعون لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD)، ذراع الكردستاني في شمال سوريا.
بعد ذلك تعرض كل من مدير أمن مديرية “بينجول”، الواقعة شرق البلاد، واثنان من مساعديه، لهجوم على قارعة الطريق، وأسفر الهجوم عن مقتل المساعدين، وإصابة مدير الأمن بإصابات بالغة، وعلى الفور هرعت قوات الامن لتعقب الجناة، وتمكنت من قتل 4 أشخاص ممن يعتقد مشاركتهم في الهجوم؛ وعليه أعلن رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو، أن الجناة في هذه القضية قد تمت معاقبتهم على ما فعلوه، وبعدها شهدت مدينة غازي عنتب، الواقعة في جنوب البلاد، لتفجير، أسفر عن مصرع أربعة أشخاص آخرين، وأنباء عن إصابة عشرين، كما أعلن وزير الداخلية “أفكان علاء” أن المواجهات مع رجال الشرطة والاحتجاجات أسفرت عن مقتل نحو 31 شخصا، ومع حلول المساء ارتفع العدد إلى 37 حالة وفاة، مع وفاة بعض المصابين في الأحداث.
– كم مرة ستستخدم ورقة أوجلان؟
فهل كل هذا يظهر أن تأثير أوجلان على عناصر منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابي لم يعد بالقدر الكافي للسيطرة عليهم، أم أنه يظهر أن قيادات التنظيم فسرت رسالة الزعيم على أنه لا يتضمن وقف عمليات العناصر المسلحة وبدأ للتحرك وفقًا لما يراه؟ فالبلاد تشهد حالة متضاربة بلية وواضحة للعيان..
والجزء الخطير في هذا الأمر كالتالي: أن الحكومة بدأت التلويح بكارت أوجلان، الذي كانت تؤجله للمواقف الصعبة.
فلا عاقل يتمنى ذلك؛ ولكن كيف هو الموقف في حال ازدياد الأوضاع سوءًا؟! فلنقل إننا نستخدم ورقة أوجلان للمرة الثالثة، فما الوضع فيما بعد؟! فهل يُظن أن رصيد استخدام وتوجيه تأثير أوجلان على التنظيم الإرهابي وعناصر بلا نهاية؟! ففي الوقت الذي تشتعل فيه الأحداث في العراق، التي تعد المعقل الرئيسي للتنظيم، والتطورات الخطيرة التي تشهدها الأوضاع في سوريا جراء هجمات تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، نجد أن حليفا آخر للتنظيم، ألا وهو إيران، بدأت تطالب تركيا بعدم التدخل العسكري في سوريا.
وتصريحات أحمد داوود أوغلو، أظهرت مدى التوتر والضغوطات العصبية التي تواجهها أنقرة.
– الأعصاب تتوتر، والمواقف تتعقد أكثر
إن رفع رئيس الوزراء لصوته في وجه زعيم المعارضة كمال كليتشداراوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري، قائلًا: “اصمت!”، مضيفًا: “أنا لست بحاجة إلى عقلك أو اجتهادك”، يظهر مدى التوتر الذي تعانيه الحكومة. ورد عليه رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض، كمال كيليتش دار أوغلو، قائلًا: “لقد كنت قبل يومٍ تأخذ برأيي، ألا توجد حاجة لعقلي وفكري، وتوجد حاجة لفكر أوجلان؟!”، بل وأضاف مستهينًا به “هل داوود أوغلو رئيس وزراء فعلي للبلاد؟”
ومن الممكن أن يكون السبب في هذا تصريحات وخطاب رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان، والتي أوضحت انحيازه ضد المعارضة كزعيم لحزب العدالة والتنمية الحاكم، وليس كرئيس للجمهورية يلزمه الدستور أن يكون حياديًا.
بل ولم تكن انتقاداته للمعارضة فقط؛ بل بعث أردوغان برسائل قد تصعب الوضع مع رجال الشرطة وقوات الدرك، بقوله: “إذا كانت دروع الشرطة وقوات الدرك لا تكفي لإيقاف أحداث شغب فليقوموا بما يجب عليهم القيام به”
وحالة التعقيد وتصلب الأمور هذه ليست في الداخل التركي فقط، بل وصلت إلى خارج البلاد أيضًا، فتركيا أصبحت في عزلة فيما يتعلق بالقضية السورية، وكلما زادت وحدة تركيا في هذا الشأن، كلما زاد تضخم الفكر المنادي بـ “لابد أن يرحل بشار الأسد، هذا هو الحل”.
وكان الأمين العام الحالي لحلف شمال الأطلسي “ينس شتولتنبرج” قال في تصريحاته أثناء معاينة صواريخ الباترويت التابعة للحلف في مدينة غازي عنتب، جنوب تركيا، على هامش زياته الأخيرة لأنقرة، إن منطقة حظر الطيران التي تأمل الحكومة التركية في فرضها على المدن السورية، لن تكون بواسطة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وإنما ستكون من خلال قوات التحالف المشكل ضد داعش، بقيادة الولايات المتحدة.
– العزلة في سوريا بين أمريكا وروسيا:
عاد “جون آلن” منسق الرئيس الأمريكي باراك أوباما لشؤون داعش، من أنقرة بعد محادثات مع الحكومة التركية، بأيد فارغة، دون أن ينجز ما جاء إليه، وسط إصرار أنقرة التي تدعو: “عليكم أن تستهدفوا سوريا أيضًا أولًا”.
كما قام رئيس الأركان التركي، الجنرال نجدت أوزال، برفض دعوة الحضور التي أرسلت إليه لحضور اجتماع رؤساء أركان القوات المسلحة لبلدان الدول المشاركة في تشكيل التحالف الذي من المقرر أن يناقش خطط التدخل في مواجهة تنظيم الدولة، واكتفى بإرسال رئيس عمليات القوات المسلحة. فتركيا لا تريد التطرق لأي تفاصيل لعميات التحالف، دون وضع نظام بشار الأسد ضمن القائمة التي تستهدفها الولايات المتحدة.
وما يلوح في الأفق الآن، أن تصريحات رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو، في وقت سابق، “إن القوات التركية من الممكن أن تشارك في حال شملت العمليات سوريا أيضًا”، سيتسبب في المزيد من الضضغوط على أنقرة مع مرور الوقت. فما مدى صحة أن تتدخل القوات التركية في أراضي أحد جيرانها لإسقاط نظام لا ترغب في بقائه؟ فهذه الخطوة ليست معضلة من ناحية الأمن السياسي فقط، وإنما قد تتسبب في أزمة من الناحية الدبلوماسية أيضًا.
فبعد التصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو، وعلق عليها وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف بإبداء الأسف، وصل إلى أنقرة مبعوث روسي قادمًا من موسكو، عقب انتهاء الزياة التي أجراها “جون آلن” منسق الرئيس الأمريكي باراك أوباما لشئون داعش.
وأجرى “ميخائيل بوغدانوف، الممثل الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتن، لشؤون الشرق الأوسط، لقاء مهما مع مساعد وزير الخارجية التركي لشؤون الشرق الأوسط فريدون سنيرلي أوغلو”، في العاصمة التركية أنقرة، إلا أنه لم يتم الإدلاء بأي تصريحات من قبل أي من الطرفين.
– آخر التطورات في فلسطين:
وعند ذكر منطقة الشرق الأوسط؛ ففي الوقت الذي ننشغل فيه بالأزمة السورية وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وحزب العمال الكردستاني؛ تنشغل مصر وتتابع آخر تطورات الأوضاع في القضية الفلسطينية، والتي أصبحتم في قطيعة معها بعد سقوط حكم جماعة الإخوان المسلمين هناك.
ففي غياب تام لتركيا، تمكنت مصر من إنجاز مصالحة فلسطينية، هي الأولى في تاريخ كلٍ من حركتي فتح، بالضفة الغربية، والمقاومة الإسلامية (حماس)، في قطاع غزة، بالإضافة إلى عقد اجتماع مشترك لمجلس الوزراء، في غزة بعد الحصول على إذن للمرور من إسرائيل، هل هذا جيد؟!