إسطنبول (زمان عربي) – استفاقت تركيا من غفلتها بعدما ظهرت على السطح أكبر عمليات الفساد والرشوة في تاريخها في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2013، حيث تم حبس العشرات من بينهم أبناء وزراء في حكومة رجب طيب أردوغان السابقة.
ومع مرور الأيام ظهرت إلى العلن وثائق الفساد، وزادت التسجيلات الصوتية لتدل على أن القانون أصبح لا قيمة له، وبحسب المذكرات التي أعدتها مديرية الأمن والتي نشرت على مواقع الإنترنت تبين أن رأس أعمال الفساد هو رجل الأعمال التركي من أصل إيراني رضا ضراب.
الادعاءات كانت خطيرة للغاية،ودخل إلى تركيا نحو 87 مليار يورو بطرق غير شرعية عن طريق غسل الأموال، وتورط في أعمال الفساد أبناء وزراء وكذلك وزراء بذاتهم، إذ أن بعض الوزراء وأبنائهم كانوا يتلقون رشوة بكميات كبيرة مقابل غسل أموال غير شرعية لإيران.
وبسبب تحقيقات الفساد اضطر بعض الوزراء لتقديم استقالاتهم، وزُعم أن وزير الصناعة والتجارة السابق ظفر تشاغلايان تلقى رشوة 28 مرة بمقدار 52 مليون دولار، وتلقى وزير الداخلية السابق معمر جولار الرشوة 10 مرات بمقدار 10 ملايين دولار، كما تلقى وزير شؤون الاتحاد الأولوؤبي الأسبق أجامان باغيش رشوة 3 مرات بمقدار مليون ونصف المليون دولار، وبلغ إجمالي الرشوة 63.5 مليون دولار.
وكشفت التحقيقات عن أن الرشوة المقدمة إلى أجامان باغيش تم تسجيلها بالكاميرات لحظة بلحظة، كما تم عمل مراقبة تقنية على الرشوة التي حصل عليها نجل الوزير ظفر تشاغلايان.
كما عُثر في منزل سليمان أصلان المدير العام لبنك الشعب في تلك الفترة على 4.5 مليون دولار كانت موجودة داخل صناديق أحذية، إلا أنه لم يُفسر حتى الآن من أين جاءت هذه الأموال.
كما تم العثور على مليون وربع المليون ليرة خلال التفتيش في منزل نجل الوزير معمر جولار وزير الداخلية السابق، وعندما اتصل رجل الأعمال التركي من أصل إيراني رضا ضراب بمعمر جولار وسأله عما إذا كان فتح ضده تحقيق أم لا، فرد جولار:والله إذا كان موجود شيئ كذلك سأدافع عنك ولو استدعى الأمر أن أضحي بنفسي من أجلك”، وتصدرت هذه العبارة الصفحات الأولى للصحف التركية.
ولم تطل عجلة ادعاءات الفساد والرشوة الوزراء فحسب، إنما ادعي أن رئيس الوزراء في تلك الفترة رجب طيب أردوغان وراء هذه الأعمال، وبدأت مواقع شبكة الإنترنت تبثّ تسجيلات صوتية للعديد من المسؤولين رفيعي المستوى، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء السابق رئيس الجمهورية الحالي رجب طيب أردوغان، ونجله بلال، حول فضيحة الفساد والرشوة،وطلبه منه نقل ملايين اليوروهات المخبأة في منزله إلى أماكن أخرى.
ومن الاداعاءات المهمة في عملية الفساد الثانية التي حالت الحكومة أمام التحقيق فيها ، والتي نفذت في 25 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، هو إنشاء فيلات على المناطق المحمية من الدرجة الأولى في منطقة “أورلا” بإزمير غرب تركيا واتضح أن رجل أعمال أنشأها لصالح عائلة أردوغان والمقربين منه.
وتم إصدار وثيقة من شأنها إخراج المنطقة من كونها محمية طبيعية من الدرجة الأولى حيث أنها حصلت على تقرير مزيف من إحدى الجامعات مقابل 130 ألف ليرة للتغاضي عن هذا، وعليه تداولت مواقع الإنترنت تسجيلات صوتية حول هذا الموضوع.
وهناك ادعاء آخر، هو تلقي رشوة من أحد رجال الأعمال المقربين إلى الحكومة من أجل أن تعطى له إحدى المناقصات، وبهذه الرشوة التي تم تجميعها تمكن الحزب الحاكم من تأسيس إعلامه الخاص به، وتبين من المكالمات الهاتفية المسجلة الواردة في ملفات التحقيق أنه تم جمع 630 مليون دولار في فترة قصيرة، قرابة الشهرين، من 8 رجال أعمال، وعليه تداولت مواقع الإنترنت تسجيلات صوتية حول هذا الموضوع.
كما أن الأدلة المقدمة في التحقيقات المستمرة طيلة 15 شهرًا قوية للغاية، إلا أن الحزب الحاكم أطلق حملة لخلق صورة ذهنية خادعة لدى الرأي العام من أجل التخلص من أعمال الفساد التي حلّت به والتستر على ملفات التحقيق في تلك القضايا.
وكان لحملة التضليل وتغييب الشعب عن الحقيقة دور رئيسي في تصديق ادعاء “الدولة الموازية” الذي لم يستند على أدلة قط بدلًا عن إجرائهم تحقيقات تستند على أدلة مؤكدة. وتمكنت الحكومة من التستر على أعمال الفساد والرشوة، شيئًا فشيئًا، مع إدخالها حزمة التعديلات على بعض القوانين القضائية، وإليكم بعض التعديلات التي تنوي الحكومة إدخالها حيز التنفيذ:
إبعاد القضاة والمدعين العموم
بدأت العملية في 17 ديسمبر الماضي، وكانت أول ردة فعل من الحكومة هي إقالة رجال الأمن الذين تولوا التحقيق، وعليه أطلقت حملة تصفية طالت الآلاف من رجال الأمن بدعوى انتمائهم للدولة الموازية. وبعدها حملة التصفية على مديريات الأمن، أطلقت حملة ثانية طالت هذه المرة رجال القضاء، حيث كان قد عين قاضيان لتولى التحقيق في العملية إلا أن الحكومة سرعان ما سحبت ملف التحقيق منهما ولم يتبق إلا مدع عام واحد هو أكرم أيدينار مسؤولًا عن ملف التحقيق وذلك بهدف التستر على ملف الفساد.
تعيين تشاليك الذي يعمل بجهاز المخابرات التركي رئيسًا لهيئة الاتصالات السلكية واللاسلكية
تم تعيين أحمد جمال الدين تشاليك الذي يعمل بجهاز المخابرات التركي رئيسًا لهيئة الاتصالات السلكية واللاسلكية التركية، وتبين لاحقًا أن رئاسة الوزراء وجهاز المخابرات أصدرا تعليمات لقوات الأمن في 15 يناير/ كانون الثاني الماضي بمراقبة الفصائل والجماعات الدينية. كما أثبتت الوثائق انه تم تصنيف بعض الأشخاص حسب توجهاتهم وانتماءاتهم الشخصية واحدًا واحدًا.
مكالمة تهديد للمدعين العموم
تبين أن بكير بوزداغ وزير العدل أجرى بنفسه اتصالا هاتفيًا مع المدعين العموم في إزمير وأضنة، وطلب منهم إغلاق ملفات التحقيق. واعترف الوزير بأنه قام بذلك، ودافع عن نفسه قائلا: “وهل هناك وزير لا يجري اتصالا مع موظفيه؟”.
قم بتغيير المدعين العموم وإلا..!
ظهر أن وكيل وزارة العدل كنعان إيبك اتصل بحسين باش المدعي العام الجمهوري لمحافظة إزمير، غرب تركيا، الذي تولى تحقيقات الفساد والرشوة في إزمير، وطلب منه وقف التحقيقات وتغيير المدعين العموم المساعدين له، وتم الإفصاح عن المحضر الذي حرره حسين باش حول الموضوع للرأي العام.
تعليمات بمحو الأدلة
تبين أنه جرت مطالة المدعي العام الجمهوري لمدينة إسطنبول بإنهاء إجراءات التنصت والمراقبة التقنية التي تمت بعد 15 ديسمبر الماضي وإزالة جميع الأوراق والمستندات من مديرية الأمن. وتم إرسال هذا الطلب في 8 يناير/ كانون الثاني الماضي، الذي يعني إخراج المكالمة الهاتفية التي دارت بين أردوغان ونجله بلال التي يطلب فيها منه تصفير الأموال إلى مكان آخر.
المجلس الأعلى للقضاة والمدعين العموم.. نقطة ومن أول السطر
قام الحزب الحاكم ،الذي كان يحد من صلاحيات وزير العدل قديما بضم المجلس الأعلى للقضاة والمدعين العموم، كاملًا، إلى وزير العدل وذلك بعد التحقيقات، وأضفى على القضاء الصبغة السياسية تمامًا.
وقامت المحكمة الدستورية بإلغاء التعديلات بنسبة كبيرة، بيد أن الحزب الحاكم فعل ما أراد فعله (التعيينات وما إلى ذلك) قبل الإلغاء.
قيود على حق الدفاع
تمكن المحامون من الوصول إلى الملفات بفضل التعديلات القانونية التي تمت في شهر فبراير/ شباط الماضي بناء على تحقيقات الفساد، وعليه قام الحزب الحاكم بأخذ ملفات تحقيق الفساد، واستطاع أن يطلع على فحواها من أولها إلى آخرها.
فرض رقابة على الإنترنت
إلا أن تسجيلات الفساد والرشوة التي تداولتها مواقع الإنترنت أدخلت الحكومة في مأزق كبير.
وفي 6 فبراير قدمت الحكومة مسودة حزمة القوانين التي تخول هيئة الاتصالات والتكنولوجيا حجب الوصول إلى مواقع الإنترنت في حال انتهاك خصوصية الحياة الشخصية، إلى البرلمان ووافق عليها لتدخل حيز التنفيذ. وأعطت الهيئة صلاحية حجب الوصول للمواقع بغض النظر عن قرار المحكمة.
حجب موقعي “يوتيوب” و”تويتر”
كان نشر التسجيلات الصوتية المتعلقة بالفساد والرشوة يتم عبر موقعي يوتيوب وتويتر، وقال رئيس الوزراء السابق أردوغان في 20 مارس/ آذار الماضي: “لا يهمنا تويتر أو ما إلى ذلك، سنقوم باستئصال جذورهم جميعًا”، وفي مساء اليوم نفسه أغلق تويتر، وبعدها بأسبوع صدر قرار بإغلاق يوتيوب.
اصطناع أدلة مزيفة
كان الحزب الحاكم عازمًا على أن يظهر الناس الأبرياء على أنهم “إرهابيون”، إلا أنه عجز عن تقديم الأدلة على ذلك، لكنهم نجحوا في لعبتهم هذه أيضًا، وتبين أنه تم تزييف الأدلة في هيئة الاتصالات السلكية واللاسلكية وظهر ذلك من خطابات البلاغات. ولم يستطع أي من ممثلي الحكومة نفي هذا الادعاء.
إخفاء ملفات التحقيق
تم تقديم ملفات التحقيق التي أعدّتها النيابة العامة بشأن 4 وزراء سابقين إلى البرلمان في 28 فبراير/ شباط الماضي، بعد إرسالها إلى وزارة العدل في 2 يناير/ كانون الثاني، وكانت تتكون من 27 ملفًا، إلا أن الملفات المرسلة لرئاسة البرلمان في 28 فبراير كانت 11 ملفًا، أي أن هناك 16 ملفًا أخفيت.
تعيين قضاة جدد
تم إلغاء محاكم الصلح والجزاء وأسست بدلا عنها دوائر الصلح والجزاء التي اسماها أردوغان ” المشروع” ، وأُعطيت صلاحيات واسعة للقضاة، وعين فيها القضاة الذين أصدروا قرارات بإخلاء سبيل رجل الأعما التركي من أصل إيراني رضا ضراب ورئيس بنك الشعب الحكومي سليمان أرصلان وأبناء الوزراء، وأصبح في إسطنبول 6 قضاة بدلا عن 70 قاضيا.
اعتقالات السحور
أطلقت قوات الأمن حملة اعتقالات ضد رجال الأمن الذين تولوا تحقيقات أعمال الفساد في 22 يوليو/ تموز الماضي وبعد ذلك جرت حملات عدة لاعتقال رجال الأمن المشاركين في أعمال الضبط والتحقيق في قضايا منظمات السلام والتوحيد وأرجينكون وباليوز(المطرقة الثقيلة) ومنظمة اتحاد المجتمعات الكردستانية، وتم حبس المئات من رجال الشرطة واحتجزوا احتياطيا في المحكمة، ولم يكن ذلك كافيا فتم حبسهم بدون أدلة.