أحمد خاقان
كان دستور عام 1961، دستورًا يكفل الحريات بشكلٍ نسبي، حتى وإن كان قد تم إعداده في أعقاب انقلاب 27 مايو/ آيار الدموي، وإن لم يشهد مشاركة واسعة من قبل طوائف الشعب المختلفة.
وقد كان هذا الدستور يكفل:
– حق الإضراب.
– حق المفاوضات الجماعية لتوقيع عقد العمل.
– استقلال الجامعات وهيئات التدريس.
– استقلال مؤسسة الإذاعة والتليفزيون التركية.
– توسيع حرية التفكير، حتى وإن كان بنسبة قليلة.
فعقب بدء سريان دستور 27 مايو/ آيار 1961، ألقى حكام تلك المرحلة النظر على الوضع؛ وجدوا أن الأصوات بدأت تتعالى كل على هواه، وبدأت الإضرابات تشتعل في أنحاء البلاد، وهناك توترات في المفاوضات الجماعية، وشهدت البلاد مناوشات تحت مسمى حرية الفكر والتعبير عن الرأي، وبدأت مؤسسة الإذاعة والتليفزيون التركية في العمل وفق أهوائها، وكذلك الجامعات، وغيرها من الأحداث التي دفعت قادة الانقلاب لتقييد هذه الحريات، وقالوا: “إن ثوب الدستور هذا واسع على تركيا”.
وعلى الفور بدأت إجراءات تصحيح الأوضاع، فتم قص الزيادة في الثياب الجديدة ، والسيطرة على الجزء الخاص بالذراع، وتضييق الجزء الخاص بالأكتاف، وقص الأجزاء الطويلة من التنورة ” الجيب”، وبهذا ظهر أمام الجميع رداء جديد ضيق، يكاد يخنق من بداخله، وأصبح قادة هذه الفترة يستنشقون نسيم الراحة عند إحكام سياسات الضبط والربط..
وما نشهده هذه الأيام، هو الشئ نفسه تقريبًا..
فحزب الحرية والعدالة الحاكم ورجاله، الذين طالما رددوا عبارات “الديمقراطية المتقدمة”، والحريات”، و”الاتحاد الأوروبي”، وغيرها من العبارات الرنانة، حتى وإن كانت بين طيات الأوراق فقط، يقول الآن: “ولكن هذا الثوب يبدو واسعًا علينا..” وبدأت محاولات لاتخاذ مائة خطوة للخلف بعيدًا عن “الديمقراطية المتقدمة”، وثمانين خطوة أخرى للخلف مبتعدًا عن “لهجة الحريات”، وأربعين خطوة إضافية تاركًا سعيه إلى “الاتحاد الأوروبي”.
ومختصر القول، فإن الثوب يضيق مرة أخرى..
وفي هذه الأوقات بدأ مسؤولو الحكومة بعث رسائل تعزية وترضية للمواطنين. قائلين: “لا تقلقوا، سوف نضيق الثوب، ولكن لن يكون بقدر يجعل الخيوط تتفتق”.