أكد الباحث المغربي في التاريخ و الفكر السياسي د.محمد جبرون، في حوار مع جريدة زمان، أن تركيا في المرحلة الأخيرة تعاني من ظهور مؤشرات الردة الديمقراطية بسبب الإجراءات الحادة من الحرية، وأن هذا الوضع يهدد بعودة الديكتاتورية، مضيفا أن اتهامات أردوغان لحركة الخدمة هي اتهامات بدون أدلة مقنعة للرأي العام.
وأشار جبرون في الحوار إلى مجموعة من الأسباب التي منعت المغرب من الانزلاق في حالة الفوضى وعدم الاستقرار التي تشهدها بلدان الربيع العربي.
من جهة أخرى أكد الباحث المغربي أن مستقبل العالم العربي سيكون أفضل، رغم قساوة الظروف التي يشهدها في هذه الفترة.
وفي مايلي نص الحوار:
س: تابع العالم أجواء الانتخابات التركية مؤخرا، وقد تم اختيار رجب طيب أردوغان رئيسا للجمهورية. علما أن مجموعة من الدول الغربية ترى أن تركيا بدأت تتراجع بشكل سريع عن قيم الديموقراطية، هل ترون أن الدولة التركية تعاني من مشاكل ديموقراطية في الفترة الاخيرة؟
ج: أولا، أشكر جريدة زمان على هذه المبادرة الطيبة، التي تحاول من خلالها الانفتاح على الرأي العام العربي، والأصوات المؤثرة في هذا الرأي العام.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]ما تحقق في تركيا على المستوى الديمقراطي لا يعد كافيا ومانعا من عودة الديكتاتورية، التي يهدد شبحها الدولة التركية، وفي هذا السياق يعتبر تمكين البلد من دستور ديمقراطي أولوية حيوية للشعب التركي وقواه الحية والديمقراطية، والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام: هل تركيا على طريق هذا الاستحقاق أم العكس؟ إن الرسائل التي ما فتئ أردوغان وحزبه يوجهها في الشهور القليلة الماضية، لا تطمئن من هذه الناحية، ولا تدل على أولوية الدستور الديمقراطي في أجندة الحكم الجديد.[/box][/one_third]أما فيما يتعلق بسؤالكم، إن الأجواء التي جرت فيها الانتخابات التركية الأخيرة كانت أجواء مشحونة، وصعبة، تمثلت أساسا في الصراع القوي والحاد، ليس بين الأحزاب السياسية فقط، بل بين بعض الأحزاب وبعض الفاعلين المدنيين، وهو أمر غير مألوف في الديمقراطيات العريقة التي يقتصر فيها الصراع والتنافس على الأطراف الحزبية.
لكن، الحقيقة، أن بعض مؤشرات الردة الديمقراطية في تركيا، لم تظهر في الانتخابات الأخيرة، بالرغم من بعض التجاوزات التي شابتها، التي قد تعتبر عادية أو روتينية، بل ظهرت فيما سبقها من إجراءات حادة من الحرية، تجلت في التضييق على الإعلام المعارض، في استعمال القضاء أو التأثير في مجرياته، في التضييق والرقابة على وسائل التواصل الاجتماعي… إن هذه السلوكات من طرف الدولة تدل على عدم أريحية حكام تركيا، وتضايقهم من ممارسة بعض الجهات والقوى السياسية.
عن ما تحقق في تركيا على المستوى الديمقراطي لا يعد كافيا ومانعا من عودة الديكتاتورية، التي يهدد شبحها الدولة التركية، وفي هذا السياق يعتبر تمكين البلد من دستور ديمقراطي أولوية حيوية للشعب التركي وقواه الحية والديمقراطية، والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام: هل تركيا على طريق هذا الاستحقاق أم العكس؟ إن الرسائل التي ما فتئ أردوغان وحزبه يوجهها في الشهور القليلة الماضية، لا تطمئن من هذه الناحية، ولا تدل على أولوية الدستور الديمقراطي في أجندة الحكم الجديد.
س: في الآونة الأخيرة، استهدفت حركة “الخدمة” من قبل رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان، وتعلمون أن هناك مدارس تعليمية تابعة للحركة في دول مختلفة في العالم منها المغرب، هل ترون أن خريجي هذه المدارس يشكلون خطرا على البلاد مع العلم أنها تشجع من قبل الحكومات المحلية؟
ج: يبدو أن استهداف المدارس لا يرجع لخطر ما يمثله خريجو هذه المدارس على الدولة، بل يرجع أساسا إلى اعتقاد أردوغان – وبدون أدلة مقنعة للرأي العام – أن المارين من هذه المدارس والذين يلتحقون بأسلاك الوظيفة العمومية وخاصة بأجهزة الشرطة والجيش والمخابرات..، يحافظون على ولائهم لجماعة الخدمة، ويخدمونها أكثر مما يخدمون البلد، وهذا خلل وانحراف. وبالتالي وجب إغلاق هذه المدارس والتضييق عليها، في محاولة لتجفيف منابع الخدمة، ومعينها البشري.
وعلى أية حال، أنا كمتابع ليست لدي المعلومات الكافية الدالة على صدق ادعاء الحكومة، أو عكسه. ومن الناحية المبدئية لا بد للمؤسسات الأمنية أن تحافظ على ولائها للدولة، ولا يجب للعاملين بها أن يشرك مع هذا الولاء ولاءً آخر، لأن في ذلك خطر على الأمن القومي، كما أن الأطراف المدنية ومنها حركة الخدمة لها الحق في النشاط التعليمي والمساهمة في هذا القطاع شأنها شأن غيرها من الحركات والتيارات والخواص…
س: في السنوات الأخيرة، شهد العالم العربي اضطرابات و تحولات كبيرة، يظهر أن المغرب لم يتأثر بها كثيرا، فما الذي يميز المغرب عن بقية الدول الأخرى؟
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]النظام المغربي لم يتأخر في التجاوب مع مطالب الشارع، ونجح في إيصال المعارضة الإسلامية إلى السلطة، التي ساهمت بقوة في تسكين الشارع، والدخول مع الحكم في شراكة سياسية مفيدة ونافعة للبلد، ضمنت له الاستقرار وأخرجته من المأزق الذي دخله مع هبوب رياح الربيع.[/box][/one_third] ج: لقد توفرت للمغرب عدة ظروف، ساهمت في نجاته من الاضطرابات والثورات التي عاشتها العديد من البلدان العربية، وفي مقدمة هذه الشروط: الانفتاح الديمقراطي وهامش الحريات الواسع نسبيا بالمغرب مقارنة بالبلدان العربية، فالتعددية الحزبية وحرية الإعلام والحريات العامة بالمغرب مكفولة، ومشاكلها محدودة..؛ نضج النخبة السياسية المغربية، التي لم تنجر إلى إغراء الثورة، ولم تجد بين يديها الحجج الكافية التي تبرر لها ذلك..؛ الوضع الاقتصادي، الذي لم يصل درجة السوء التي تعيشها الكثير من البلدان العربية..؛ وأخيرا هناك ردة فعل النظام السياسي التي تميزت بالسرعة والفعالية والنجاعة، فالنظام المغربي لم يتأخر في التجاوب مع مطالب الشارع، ونجح في إيصال المعارضة الإسلامية إلى السلطة، التي ساهمت بقوة في تسكين الشارع، والدخول مع الحكم في شراكة سياسية مفيدة ونافعة للبلد، ضمنت له الاستقرار وأخرجته من المأزق الذي دخله مع هبوب رياح الربيع.
إن هذه بعض الأسباب التي ساهمت في استقرار المغرب، بالإضافة إلى أن المغاربة شعب نظامي وعقلاني إلى أبعد الحدود، وغير مغامر، ويشهد على هذه الخصائص تاريخه القريب والبعيد
س: شهدت المنطقة ظهور مفاجئ لما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش” واستيلاؤه على مناطق شاسعة من العراق وسوريا، كيف تقيمون هذه التطورات المفاجئة ؟
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن الذي يتحمل مسؤولية داعش هو الغرب من خلال سياساته الخاطئة، والمدمرة، بدءا باحتلال العراق وتدميره، وإيقاظ النعرة الطائفية داخله؛ وتآمره على الثورة السورية، وتوظيفها في لعبة المصالح الإقليمية والدولية، الشيء الذي حرم السوريين من قطف ثمار ثورتهم الديمقراطية.[/box][/one_third] ج: إن هذه التطورات محزنة ومؤسفة، وترد العالم العربي قرونا للوراء، وتدفعه دفعا إلى مجاهل لن يخرج منها بسهولة، وفي مدى زمني قريب. إن “داعش” هو إفراز لعدة تفاعلات، وترجمة لعدة انكسارات ذاتية أي عربية وإنسانية.
إن الذي يتحمل مسؤولية داعش هو الغرب من خلال سياساته الخاطئة، والمدمرة، بدءا باحتلال العراق وتدميره، وإيقاظ النعرة الطائفية داخله؛ وتآمره على الثورة السورية، وتوظيفها في لعبة المصالح الإقليمية والدولية، الشيء الذي حرم السوريين من قطف ثمار ثورتهم الديمقراطية…
أيضا من الناحية الفكرية والثقافية، داعش هي ترجمة لفشل وتعثر محاولات الإصلاح الديني، والإندماج في العصر، فكل لغتهم ونظمهم وأحكامهم هي وسيطية (نسبة إلى العصر الوسيط)، ولا علاقة لها بثقافة وعلم القرن العشرين.
ولكن، مهما تكن قساوة هذا الظرف الذي يجتازه العرب بالمشرق العربي، فإن مستقبل العرب سيكون أفضل من ماضيهم، وهم على عتبة مرحلة تاريخية ستنقلهم وبدون شك إلى اللحظة الإنسانية، وستدمجهم في العصر، ونتمنى أن يكون هذا العبور غير مكلف.