مراد يتكين
لماذا خسرت تركيا خسارة كبيرة في تصويت الأمم المتحدة، الذي كانت قد كسبته عام 2008؟ لماذا لم تستطع أن تحصد الأصوات من الدول الأوروبية والعربية والإسلامية؟ لماذا أصبحت في عزلة؟
للأسف، خسرت تركيا التي تسعى حكومتها، بشكل واضح للجميع، لإظهار هذه الخسارة على أنها لا تحمل أية أهمية، غير أنه لو كانت قد اكتُسبت المقاعد اللازمة للفترة 2015 – 2016 في مجلس الأمن بالأمم المتحدة، لكانت التعليقات والتقييمات مختلفة عما هي عليه الآن، وربما كان بمقدور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس وزرائه أحمد داود أوغلو أن يقولا إن هذا الانتصار هو دليل على نجاح السياسة الخارجية التركية، وإن الانتقادات التي وجهاها بشأن الشعوب المضطهدة حول العالم قد أحدثت رد فعل داخل أروقة الأمم المتحدة، وإنها قد وجدت من يدعمها في هذه المنظمة العالمية.
كان أردوغان يولي اهتمامًا كبيرًا بهذه المسألة، وقد سعت أنقرة سعيًا حثيثًا من أجل الحصول على عضوية مجلس الأمن في الأمم المتحدة خلال السنوات القليلة الماضية، وذلك ليس بواسطة قنوات وزارة الخارجية فحسب، بل بمساهمة العديد من مؤسسات الدولة كذلك.
لم يبق رئيس دولة إفريقية أو جزيرة في المحيط إلا استقبله الرئيس السابق عبد الله جول في قصر تشانكايا الرئاسي في أنقرة على مدار ولايته الرئاسية التي استمرت بين عامي 2007 – 2014، كما أنشأت وكالة التعاون والتنمية التركية (TİKA) المدارس وحفرت آبار المياه في دول إفريقيا وجنوب شرق آسيا البعيدة. وبدأت شركة الخطوط الجوية التركية تسيير رحلات مباشرة إلى بعض العواصم دون الاهتمام بالربح في المقام الأول، أما المبالغ التي دُفعت لحل مشاكل الدول الصغيرة من المخصصات الخفية لرئاسة الوزراء، فلا يعرفها سوى رؤساء الوزراء (أردوغان سابقًا، وداود أوغلو حاليًا)، وكان الشيء الوحيد الذي تنتظره تركيا من وراء كل هذا، هو أن تصوّت هذه البلدان لصالحها عندما يحين اليوم لهذا.
فعلت تركيا كل هذا في الفترة ما بين عامي 2006 و 2008، واستطاعت، بفضل هذه الجهود، أن تكسب مقعدًا في مجلس الأمن في دورة عامي 2009 – 2010. (كان رئيس جهاز الاستخبارات الحالي خاقان فيدان يتولى رئاسة وكالة التعاون والتنمية، حيث نجح في تحقيق نجاحات مهمة). وأسهمت هذه الجهود في اختيار تركيا لعضوية مجلس الأمن بالأمم المتحدة بعد حصولها على 150 صوتًا. وكانت أنقرة في هذه المرة تتوقع استطاعتها الحصول على 140 صوتًا.
وكانت المنافسة تجري بين ثلاثة منافسين لحجز مقعدين في كوتة “غرب أوروبا والآخرين” في نظام الأمم المتحدة، وهم: إسبانيا، نيوزيلندا وتركيا.
وقد نجحت نيوزيلندا، التي تعيش حالة من السلام مع العالم، في حجز مقعدها من الجولة الأولى دون عناء، ولم تستطع تركيا أو إسبانيا الحصول على الأصوات اللازمة المقدرة بـ 129 صوتًا، وتوقفت الأصوات التي حصدتها تركيا عند 109 أصوات، إلا أن هذا لم يفقِد المسؤولين الأتراك آمالهم.
وكان من المفترض، على سبيل المثال، أن تمنح الدول الإسلامية أصواتها لتركيا، لكن هذا لم يحدث. وفشلت إسبانيا في حجز مقعد لها في الجولة الثانية، لكن أصوات تركيا تراجعت إلى 73 صوتًا. وفي الواقع، كانت الآمال قد تبددت في هذه المرحلة. وفي نهاية المطاف، اقتنصت إسبانيا المقعد الثاني من تركيا التي انخفض عدد الأصوات التي حصلت عليها إلى 60 صوتًا.
لماذا؟ ما الذي حدث حتى تفقد تركيا اليوم المقعد التي فازت به في الأمم المتحدة عام 2008؟ ويمكننا أن نسرد بعض الأسباب لهذه العملية:
ثمة معلومات تشير إلى أن حكومات الدول الإسلامية تعمل ضد تركيا، وليس في صالحها كما هو معتقد، وقد ساق البعض ادعاءً مفاده أن دولًا كمصر والسعودية والإمارات، التي أعلنت جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، وهي الجماعة التي يتعاطف معها الرئيس التركي أردوغان، استغلت عملية التصويت في الأمم المتحدة كأداة للانتقام.
ومن جانبه، أطلق أردوغان حملة جديدة أسماها “العالم أكبر من الأعضاء الخمسة الدائمين بمجلس الأمن” لتأكيد عجز نظام الأمم المتحدة (وهو محق في ذلك). وكان أردوغان يعارض من خلال هذه الحملة امتلاك الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن (الولايات المتحدة، روسيا، بريطانيا، فرنسا، الصين) حق الاعتراض (فيتو)؛ إذ كان يأمل في أن يحصل على دعم الدول الصغيرة، لكن هذه الخطة سارت على عكس ما كان يطمح إليه الرئيس التركي، وربما يكون ذلك بسبب تأثير الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن.
وربما كان إصرار الحكومة التركية على إسقاط نظام بشار الأسد في الجارة سوريا، قد اعتُبر نموذجًا سيئًا ليس بين الدول العربية أو روسيا وإيران والدول الواقعة تحت تأثيرهما فحسب، بل كذلك بين الدول الضعيفة التي لديها جيران أقوياء، وربما يكون هذا قد أفضى إلى رد فعل غاضب.
ولم يقدّم موقف حكومة أنقرة إزاء المناقشات الدائرة منذ عامين حول حرية الصحافة وحق التظاهر السلمي واستقلال القضاء وغير ذلك من القضايا الشائكة، مثالًا جيدًا على تطور الديمقراطية في تركيا، وهذا، بطبيعة الحال، أثّر بالسلب على صورة تركيا في العالم الغربي على وجه الخصوص.
وقد تأثرت الدول الغربية كثيراً بادعاءات تقديم تركيا المساعدادات لداعش في فترة توغله في المنطقة، سواء أكانت هذه الادعاءات صحيحة أم لا.
وبكل تأكيد هناك نقطة أخرى؛ ألا وهي أن تركيا كانت قيمةً راقية في منطقتها والعالم في عامي 2007 و 2008. وكانت الدبلوماسية التركية قد وصلت إلى أوج مجدها في الآونة الأخيرة عام 2008، وبدأت أنقرة تؤسس علاقات جيدة مع جيرانها، بمن فيهم أرمينيا، وتتواصل رسميًا مع أكراد العراق الذين لم تكن تضعهم حتى في موضع المخاطب حتى ذلك التاريخ، ولم تكن هناك أي دولة إلا تواصلت معها من إيران حتى إسرائيل، ولم يكن هناك أي فصيل أو جماعة إلا تواصلت معها من حزب الله وحتى حماس.
لكن الوضع تغير كثيرًا عما كان عليه في الماضي. وزارة الخارجية في السابق هي الموجودة حاليًا، والوضع نفسه ينطبق على الخطوط الجوية التركية ووكالة التنسيق والتعاون، حتى أن القائمين على هذه المؤسسات يعملون بشكل أكثر مما كان في الماضي. غير أن السياسة التي تنتهجها الحكومة التركية تسببت، مثلًا، في سحب بلدان كمصر وسوريا وإسرائيل سفراءها من أنقرة، وبالتالي سحبت تركيا سفرائها من عواصم هذه البلدان، أضف إلى ذلك أن حزب العدالة والتنمية خسر الكثير من أصدقائه في العالم العربي الذي كان يمدحه حتى وقت قريب – بحق – على إعادة تشييد جسور التواصل بين أنقرة والعواصم العربية؛ إذ كانت تركيا تمتلك أصدقاء أكثر في الشرق الأوسط عندما كانت “تقف على الشاطئ” دون التدخل في شؤون أحد.
لم تتعرض تركيا للعزلة في الأمم المتحدة إلى هذا الحد في أي وقت مضى. أوليس يقولون: “لا يمكن لأية حجة أن تحل محل النجاح”، فالنتيجة واضحة كوضوح الشمس في كبد السماء. ويجب على أنقرة أن تستخرج الدروس والعبر من هذه النتيجة.
صحيفة” راديكال” التركية