بقلم: أورهان كمال جنكيز
إذا كانت هناك دولة تديرها مجموعة مهنية، فإن مجال عملها يتحول إلى أكبر مشكلة تعاني منها تلك الدولة، وعلى سبيل المثال، نحن في تركيا نعرف جيدًا ماذا تشبه الدولة التي تديرها المؤسسة العسكرية، وذلك من خلال تجربتنا الطويلة في هذا المضمار، فلقد سمعنا خطابات كثيرة حول “التهديدات الكبيرة التي تهدد بلادنا، والتي لم نشهد مثلها قبل ذلك” ،وزرعوا بداخلنا أن تركيا محاطة بثلاثة بحار وأربعة أعداء، وكانت الأجواء حولنا مليئة بالأعداء من كل مكان.
وكانت تركيا تُدار من قِبل مجموعة مهنية أسست تعليمها ونفسيتها وكيانها على فكرة التصادم مع “العدو”، وعليه، فما هو الشيء الذي كان من الممكن أن يكون أكثر وأوفر من “الأعداء” في مثل هذه الدولة؟
تحول اليساريون، والأكراد، والمتدينون من المسلمين، والنصارى وغيرهم إلى أعداء داخليين لتركيا، وأُعلنت الحرب عليهم، وعرف المتدينون، بشكل مؤلم، معنى إعلان الإنسان عدوًا داخل بلده عقب انقلاب 28 فبراير/ شباط 1997.
وسرعان ماتعرضت تركيا بين ليلة وضحاها، في سنوات الألفية الثالثة، إلى غزو نصراني وهمي، وأُدرج “المبشّرون” النصارى في “الكتاب الأحمر” لمجلس الأمن القومي التركي، وشهدنا بعدها جرائم قتل ارتكبت ضد الراهب سانتورو في طرابزون والصحفي الأرميني هرانت دينك في إسطنبول، ثم وقوع مذبحة المبشّرين في مدينة مالاطيا شرق تركيا، واتخذ البعض هذه الوضعية أساسًا لمهمته، وقرر القضاء على الأعداء.
ولهذه الأسباب التي سردناها دعم كل شخص يؤمن بالديمقراطية في تركيا حزبَ العدالة والتنمية في حربه ضد الوصاية العسكرية، وكان أملنا أن تكون تركيا دولة طبيعية، وأن تزاول المؤسسة العسكرية مهمتها الوطنية في حماية أراضي الدولة باحترام كامل، دون إعلان أحد عدوًا، ودون إعلان الحرب على أحد، وأن تحاكم المحاكم أولئك الذين ارتكبوا الجرائم دون الأبرياء، وكان مطلبنا أن يدير هذه الدولة المدنيّون الذين جاءوا إلى سدة الحكم بالانتخابات فقط بمراعاة قواعد الديمقراطية.
لكننا علمنا أمس أن هذه السلطة الحاكمة أنزلت الكتاب الأحمر من على الأرفف المغبرة، وبدأت تكتب أسماء بعض المواطنين، بغضب وحقد، داخل صفحات هذا الكتاب بصفتهم “أعداء” ،ويريد الحزب الحاكم أن تعلن الدولة، بمؤسساتها كافة، الحرب على هؤلاء الأعداء.
وتعتقد السلطة الحاكمة أنه عندما تطوي الصفحات السابقة للكتاب الأحمر، التي كانت هي الأخرى مدرجة ضمنها سابقاً، ستفتح صفحة جديدة بيضاء، وأن روح الزمان القديم الذي استدعته من الماضي، ستخدمها هذه المرة.
ولاتستطيع هذه السلطة أن تدرك أن الدولة التي تسود فيها الديمقراطية لا يمكن أن يكون هناك وجود لمثل هذا الكتاب الأحمر، وأن الدولة التي يحكمها شيء من قبيل الكتاب الأحمر لا يمكن أن يكون الحكم فيه للمدنيين.
وبينما يقّلب الحزب الحاكم صفحات الكتاب الأحمر، يرفع في الحقيقة غطاء صندوق باندورا (Pandora)
صحيفة” بوجون” التركية