بقلم: جولتكين أوجي
قال مكحول الشامي: “أحب إلي أن تقطع رقبتي على أن أكون حاكما”.
فتلك هي خشية أكل حقوق العباد، حتى وإن كان عن طريق الخطأ.
حتى الشهداء (الذين يقدّمون أرواحهم لله وتراق دماؤهم في سبيل الله) لا يمكنهم النجاة من المساءلة من حقوق العباد إذا ارتكبوها.
وأنا أقول ذلك لأن بعض الذين يرتكبون حقوق العباد يدعون في نفس الوقت أنهم متمسكون بالتعاليم الإسلامة في حياتهم.
وأنا أيضًا مسلم، لكن لا تحوم في سمائي طيور السرقة أو عقبان الفساد.
ففي شوارع الدين الذي تعلمناه لا يجوز الانسياق واللهاث وراء الظلم والمصالح غير الشرعية وأعمال الفساد (مثل كلاب السلوقي وراء الصياد).
ولا يمكن تلطيخ الأبرياء بالسواد ولا يمكن الإفتراء عليهم في آفاقنا المفتوحة إلى الإيمان بما وراء هذه الحياة الدنيا.
ولكن البعض قد ألبسوا الأكاذيب والافتراءات حللا وأثوابا مختلفة، ثم ركبوا لها أجنحة حتى تطوف تلك المساوئ البلاد بسرعة.
فيا له من عبء فظيع يحمله الإنسان على ظهره ؟ والعياذ بالله.
فوسائل الإعلام الموالية للحزب الحاكم، التي تعدت على حقوق الملايين من الناس بمئات من الأكاذيب والافتراءات، تموج وتضطرب الآن بأشخاص “مطرودين” منها.
وهم كانوا قد تركوا القانون والأخلاق جانبا، ليصبحوا دهانًا في أسوار دولة الأكاذيب.
بل وأصبحوا كالراقصات اللاتي يتذبذبن بين السبات والمدحيات.
حسنًا.. ما الذي تبقى في جعبتكم من كل تلك الرياح من الأكاذيب التي آثرتموها؟
فهل ما جنيتم من المصالح يقابل كل المعاناة التي خلفها هذا الكم الهائل من المظالم؟
ربما تكونون قد حصلتم على بعض من مكاسب وثروات دنيوية، لا أدري ذلك.
ولكن ما حصلتم عليه هل يبرر ما اقترفتم من مخالفة الحقوق والقوانين والقيم الإنسانية والأخلاقية وما ارتكبتم من المظالم؟
الحياة هي أصعب وظيفة ويجب تمضيتها وإنهاؤها بعزة وكرامة.
وأعظم رأسمال يتركه الآباء لأبناءهم هو اسم معتبر ونقي وذو عزة وكرامة.
إرجعوا إلى الخلف وانظروا.
فما شوهتم من سمعة أناس أبرياء وما قضيتم عليه من حياة أناس شرفاء بتلك الأكاذيب والافتراءات، سيلاحقكم في هذه الدنيا وفي الدار الآخرة.
فكل حوض تم إنشاؤه بالمنافع والمصالح غير الشرعية، محتوم عليه أن يتحول إلى صحراء قاحلة جرداء في يوم من الأيام لا محالة.وأي عصابة تكونت للحصول على منافع ومصالح قذرة وملطخة بويلات الناس ودموعهم، تقضي عليها عصابة أقوى وأسوأ منها تخلفها.
وأظن أن التموج والإضطراب اللذين تشهدها وسائل الإعلام الموالية، نابع من تلك القاعدة المذكورة.
فإحدى الكاتبات المحجبات في إحدى وسائل الإعلام الموالية تبدي حزنها وأسفها على طرد الرؤساء من مناصبهم بقولها: “لقد كانوا من أقاموا الثورة الصامتة في الأوقات الصعبة. ولذلك كان يجب صيانة عزتهم وكرامتهم”.
نعم… إنها كانت ثورة صامتة أحنت رؤوس مئات الآلاف من الناس بإفتراءات وأكاذيب لا حصر لها، وضربت بالقوانين والدستور عرض الحائط، وغفلت عن الديمقراطية، وحطمت مبادئ الإسلام والأخلاق…
فقد طردتم الأخلاق من ساحة الصحافة.
لكن هكذا هي سنة الحياة فإن كل ثورة تأكل أبناءها.
فما تراه الأعين المبصرة، وما تدركه الأدمغة المفكرة والواعية مما يحدث حولنا هو ثورة المصالح غير الشرعية فقط.
كما نشاهد أيضًا الإطاحة بالكثير من القيم الإنسانية، لدرجة قد تصيب الفيلسوف الإيطالي نيكولو مكيافيللي بالدهشة والذهول وتجعله يعض أصابعه حيال ما يحدث.
إن ماركس،( زعيم الفكر الماركسي)، قد طرد الأخلاق من ساحة السياسة، بزعم أنها مرض الطبقة البرجوازية.فيما قام البعض من أتباع حزب العدالة والتنمية وبعض الإسلاميين بطرد الأخلاق من الساحة الدينية، بزعم أنها مخالفة لمصالحهم غير شرعية.أما أنتم (الصحفيون الموالون) فطردتم الأخلاق من ساحة الصحافة، لأنها تعيق أهواءكم وأطماعكم.
فلا يمكن للدين أن يكون بلا أخلاق، ولا يمكن للأخلاق أن تكون بلا دين. ولم يحدث ذلك من قبل أبدًا.
ولكن عند النظر إلى بعض أرباب السياسة الذين هم في سدة الحكم حاليا وإلى الإعلاميين الموالين الكاذبين، يصيبنا الغثيان مما نراه ونبلع لعابنا بخجل وعار.
فكيف ستخلصون أنفسكم من وزر ما تسببتم من معاناة وآهات جراء وفاة الزوجة الحامل لضابط الشرطة الذي افتريتم عليه، وجنينها الذي ووري الثرى قبل أن يفتح عينيه على الحياة في هذه الدنيا وفي الآخرة؟