أرهان باشيورت
بالأمس مرت الذكرى السنوية الأولى للكشف عن أكبر فضائح الفساد والرشوة في تاريخ تركيا…
وأول من أمس رفضت النيابة العامة مذكرات الاعتراض التي قُدِّمت إليها ضد قرار وقف النظر في قضايا الفساد والرشوة التي انطلقت في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2013؛ وبهذا يكون قد تم إغلاق ملف التحقيق في أكبر قضايا الفساد والرشوة في تاريخ تركيا نهائيا.
ويالها من مصادفة عجيبة أن يتم اعتقال الرموز الصحافة الحرة التي لديها الشجاعة للكتابة والكشف عن وقائع الفساد!
ويالها من مصادفة مرة أخرى أن يكون القاضي إسلام تشيشك، الذي أصدر قرار الإفراج عن رجل الأعمال التركي ذي الأصول الإيرانية رضا ضراب – أهم الأسماء المدانة في قضايا الفساد والرشوة- هو نفسه الذي أصدر قرار اعتقال الصحفيين!
مهلا.. فالمصادفات لم تنته بعد!!
فالمدة الإضافية (ثلاثة أيام) لسماع أقوال الصحفيين المحتجزين على ذمة التحقيقات انتهت أمس 17 ديسمبر/ كانون الأول! بعد ذلك إمَّا أن يتم الإفراج عنهم أو إحالتهم إلى المحكمة لمحاكمتهم في التهم الموجهة إليهم.
فيا له من استعراض قوة…
يغلَق ملف قضية الفساد.
يطلق سراح مرتكبي جريمة الفساد.
ثم يعتقَل الصحفيون الذين كتبوا عن الفساد ونشروا الأخبار المتعلقة به!
فالحملة هذه المرة هي عملية اضطهاد وتخويف ضد المؤسسات الصحفية والإعلامية الحرة..
والهدف منها التخويف والترهيب.
فلامجال غير ذلك لتفسير عملية اعتقال أكرم دومانلي رئيس تحرير جريدة” زمان” صاحبة أعلى نسبة مبيعات في تركيا تصل إلى مليون نسخة يوميا وهدايت كاراجا مدير مجموعة” سامان يولو” الإعلامية التي تضم خمس قنوات فضائية ومحطات إذاعية في ساعات مبكرة من صباح يوم الأحد 14 ديسمبر/ كانون الأول.
ويكفي أنهما توجها من تلقاء نفسهيما إلى النيابة العامة قبل اعتقالهما بيومين ليسألا عما إذا كانت هناك تحقيقات أو قرارات باعتقالهما كما يُدَّعى. إلا أن المدعي العام قال لهما: “لا أعرف”. بينما أصدر وكيله مذكرة نصية مفادها: “لا توجد تحقيقات في حق الأشخاص المذكورين”.
فهل أُصدر قرار التحقيق معهما يوم السبت، وبدأت الحملة صباح يوم الأحد التالي له؟!
فإن كانوا لا يريدون غير التحقيق مع هؤلاء، فهل كانوا يقدمون على عملية مداهمة وسائل الإعلام بثمانية آلاف من قوات مكافحة الشغب حتى لا يظهروا أمام الرأي العام العالمي كأنهم سفهاء؟
كل هذا يعني أن الهدف الوحيد من هذه الحملة هو تأسيس وعي وإدراك لدى الرأي العام التركي تجاه هؤلاء الأشخاص وفقا لهواهم وبعث رسالة “الانتقام”..
وما يفضح مكائدهم هو أن نوعية الأسئلة الموجهة إلى المشتبه بهم تكشف عن ادعاءات فارغة وأن ملف التحقيق المعد ضدهم خال من الأدلة الملموسة المعتبرة.
ومن الجدير بالذكر أنه يتم إخفاء الحقيقة في أن من كشف عن تنظيم “واضعي الحواشي” -أحد التنظيمات التابعة لتنظيم القاعدة الإرهابي- في عام 2008 هو جهاز الاستخبارات الوطني التركي، وبعدها انقلت القضية إلى مديرية الأمن. بل ويظهرون الوقائع على أنها بدأت مع حديث الأستاذ فتح الله كولن ويحاولون خداع المشتبه بهم الذين يمنعون عن الوصول إلى الملف وإلى المستندات والأدلة.
سر الاحتجاز لمدة أربعة أيام
ولم يكتف المدعي العام الذي فتح التحقيقات في حق مسؤولي الشرطة الذين تم فصلهم من مناصبهم عقب وقائع 17-25 ديسمبر/ كانون الأول 2013 بتوجيه التهم لهم بالتنصت غير المشروع بل ويستند إلى تسجيل صوتي لمكالمة يُدعى أنها جرت بين الأستاذ فتح الله كولن ومدير مجموعة سامانيولو هدايت كاراجا كدليل إدانة على الرغم من ثبوت أنها مفبركة ومركبة.
وفي حين ترفض جهات التحقيق في قضايا الفساد والرشوة 17 ديسمبر/ كانون الأول 2013 الاستناد إلى تسجيلات صوتية “قانونية”، وتقبلها كدليل إدانة تقبل ما ثبت أنه مزور ومزيف كدليل في ملف التحقيق مع الصحفيين المعتقلين في الذكرى الأولى للكشف عن فضائح الفساد.
عندما تكون الصورة هكذا، نجد أنفسنا أمام تحقيقات “تراجيكوميدية”.
وتوجه السلطات التركية لعالم الدين أحمد شاهين، البالغ من العمر 80 عاما، تهمة الانضمام لتنظيم إرهابي يسعى لإسقاط هيبة وسيطرة الجمهورية التركية.
أصبحنا في زمن، تُرى فيه المقالات والأعمدة الصحفية وسيناريوهات الاعمال الدرامية على أنها جرائم منظمة.إذ يحاولون تلفيق التهم من خلال سيناريوهات الأعمال الفنية.
إلا أنه يتم إطلاق سراح كتاب السيناريو والمنتجين والمخرجين والكتاب الصحفيين واحدا تلو الآخر. لكنهم يتابعون احتجاز رؤساء هذه المؤسسات – أكرم دومانلي، وهدايت كاراجا- على الرغم من عدم مسؤوليتهم القانونية عن أعمال البث والنشر.
الهدف من ذلك هو استنفاد كل المدة القانونية للاحتجاز وإبقاؤهم قيد الاحتجاز حتى ما بعد 17 ديسمبر/ كانون الأول.
الهدف من هذا كذلك هو تعريضهم لاضطهاد نفسي عن طريق المعاملات غير الإنسانية التي يتعرضون لها طوال فترة الاحتجاز حتى يشبعوا حس الانتقام في أنفسهم.