فى هذا الأسبوع تمر الذكرى السنوية الأولي، للكشف عن فضيحة الفساد الكبرى التى هزت أركان حكومة رجب أردوغان فى 17 ديسمبر من العام الماضى، التى كان متورطا فيها ابنه بلال وعدد من وزرائه، والتى أعلن أردوغان على أثرها الحرب على جماعة الخدمة التى يقودها الداعية الاسلامى المعتدل فتح الله كولن المقيم مند سنوات فى الولايات المتحدة، واتهمها بأنها كيان مواز يسعى لتقويض الحكومة التركية.
ونتيجة لهد الضغوط وفى مسعى مرتبك لجذب الأنظار بعيدا عن قضايا فساده وحكومته السابقة، أطلق اردوغان قبل أيام قليلة حملة اعتقالات شعواء طالت أكثر من ثلاثين صحفيا وإعلاميا وكاتب دراما، كان على رأسهم اكرم دومانللى رئيس تحرير صحيفة الزمان، وهى الصحيفة اليومية الأعلى توزيعا فى تركيا.
الاعتقالات تمت بموجب قانون توسيع الاشتباه، الذى يمنح الشرطة والقوات الأمنية اعتقال المشتبه فى أنهم يمثلون خطرا على الحكومة التركية، حتى لو لم تتوافر الأدلة أو القرائن الكافية لتوجيه الاتهام، الأمر الذى يعكس عجز اردوغان عن إثبات الاتهامات التى يوجهها ليل نهار لجماعة الخدمة والأوساط القريبة منها، بأنها تمثل كيانا موازيا، حيث لا يوجد تنظيم هيراركى ولا مستوى معين يصدر الأوامر، ولا وجود لمبدأ السمع والطاعة، الذى يعمل به تنظيم الإخوان وما تفرع عنه من جماعات.
من التناقضات الفجة المثيرة للتساؤل أن اردوغان يوجه هذه الاتهامات لجماعة الخدمة التى تدعو إلى التسامح والحوار وقبول الآخر، وتركز بشكل كبير على قضايا جودة التعليم لخدمة المجتمعات التى تعمل فيها، لكى تلحق بالعصر، دون اى تدخل فى السياسة ولا سعى للوصول إلى السلطة. وفى الوقت نفسه يقدم اردوغان أقصى الدعم لتنظيم الإخوان المسلمين الذى هو بالفعل تنظيم موازى للدولة، يعمل خارج القانون ويسعى لتقويض الدول الوطنية القائمة من اجل إنشاء دولتهم المزعومة التى لم يكن بمقدورها أن تقوم أصلا.
وقد أثارت عملية اعتقال هؤلاء الإعلاميين بعد يوم واحد من إصدار القانون الجديد عاصفة من المظاهرات والإدانات من مختلف القوى السياسية فى الداخل التركي، وامتد أثرها إلى الخارج حيث توالت الإدانات من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى، حيث بات واضحا ان اردوغان قد تحول بالفعل إلى ديكتاتور، بل انه أصبح نموذجا للمعايير المزدوجة والادعاءات الكاذبة، فهو يتحدث دائما عن الديمقراطية والحريات وبناء قيم المواطنة والعدالة لكنه يستخدم السلطات الممنوحة له فى التحول إلى مستبد يرعى عمليات فساد واسعة النطاق، ويتصرف كأنه حاكم مطلق من العصور الوسطي، تسيطر عليه نوازع الانتقام الشخصى ويعتبر ذاته مقدسة وأعماله مصونة لا تمس ولا يجوز التعقيب عليها.
ومن المضحك إلى حد البكاء، ان بوابة الحرية والعدالة الالكترونية التابعة لجماعة الإخوان المسلمين، تتهم الأستاذ فتح الله كولن الداعى إلى الحوار والتسامح، بأنه “سيسى تركيا”، باعتبار انه كان يدبر انقلابا، (حيث ما زال الإخوان ومعهم اردوغان يناطحون الصخر بالقول بان ثورة الثلاثين من يونيو المجيدة فى مصر كانت انقلابا) وذلك فى محاولة بلهاء للتزلف ودفع الفواتير لولى نعمتهم.
فى الوقت نفسه يصرح بولنت أرينش، نائب رئيس الوزراء التركي، بأن حكومة حزب العدالة والتنمية قوية وستبقى فى الحكم “حتى يوم القيامة”، الأمر الذى يوضح إلى اى منحدر تتجه الأمور فى تركيا تحت قيادة اردوغان. فمثل هذه الترهات لم يقل بها سوى حكام دولة مجاورة ادعوا أنهم سيبقون فى السلطة حتى نزول المسيح عيسى ابن مريم من السماء وقد اخذوا الدولة إلى الانشطار والتفكك. إما الإخوان فى مصر، فكانوا أكثر تواضعا فتصوروا أنهم سيبقون فى السلطة خمسمائة عام، فلفظهم الشعب فى أقل من عام.
المصدر: الأهرام المسائى http://digital.ahram.org.eg/Policy.aspx?Serial=1743927#.VJXdZ2GJAL8.facebook