علي بولاج
تفاقم الأزمة بين حركة الخدمة والحكومة يعكر مزاج تركيا مع مرور الوقت. وقد مضى ما يزيد على العام ويبدو أن النزاع بين الطرفين يتسبب في تكاليف باهظة. وكثير من الناس يريدون اتنهاء هذه الأزمة.
ولاداعي للعناد؛ فحتى في الدولة المستقرة جدا تندلع حروب أهلية فجأة. مئات الآلاف من الناس يلقون مصرعهم ويتشرد الملايين منهم من أوطانهم، فإن كانت المصيبة داخلية فذلك يعني أن المسؤولين والمفكرين والعلماء قد فقدوا بصيرتهم وفراستهم.
فمن الواضح أن هناك مشكلة ما. وربما ليس الأمر بهذه البساطة التي يبدو عليها. وربما ارتكب الطرفان أخطاءً في هذا الصدد. ويجب إعمال الفكر والمراجعة في كل ما حدث ولكن في أجواء هادئة وبصورة عادلة قدر الإمكان.
قبل أيام عدة تكلم السيد أحمد طاشجتيران، وهو من أنشط صحفيي هذه المرحلة، في أحد البرامج التليفزيونية. وخلاصة ما قاله هو: “إن مشكلة حركة الخدمة ليست نابعة من ذاتها. إذن أين تكمن المشكلة في الحركة؟ فأنا أرى أنها لاتكمن في وجودها، ولافي الخدمات التي تقدمها. فلا أحد مستاء من الخدمة بسبب افتتاحها مدارس ومعاهد تدريسية وإعطائها محاضرات ودروساً، ومحافظتها على إقامة الصلوات ومساعدتها الفقراء والمحتاجين عن طريق جمعية هل من مغيث (كيمسا يوكمو)… فما هو سبب المشكلة إذن؟ المشكلة تظهر عندما تعمل الخدمة على توجيه السياسة، وفرضِ سياسة معينة، ومبادرتِها إن لم يتمّ الالتزام بهذه السياسة إلى تحريك امتداداتها المتغلغلة في مؤسسات الدولة لتربية السياسة. فمن الطبيعي أن تتبنّى جماعة ما فكراً سياسياً ما. وقد يكون لها كُتاب صحفيون ينتقدون الحكومة، وقد يكون لها أتباع في الدولة. فلايمكن رفض أتباع جماعة ما أو مذهب ما. ولو فرضنا أن أحد المنتسبين لجماعة ما مديرٌ في إحدى المؤسسات، فيُفترض عادةً أن يكون مرتبطاً بمستشاره ووزيره لا أن يطبق تعاليم جماعته في جهاز الدولة”.
أولاً: إن هذه الآراء كلها صحيحة ولكن ماهي المشكلة التي لم تُحل؟ فإن حاك أحدهم مؤامرة ضد الحكومة من خلال تعصبه للجماعة، وأجرى بعض التنصتات غير المشروعة فذلك جرم وعيب وحرام، ويستوجب العقوبة. وذلك من مهام القضاء” العادل”. وحين تُعرض الوثائق والأدلة الموثوقة لايمكن لأحد أن يقف وراء المجرمين لأنهم من هذه المجموعة أو تلك. ومع أنه تم توجيه هذا الكم من الاتهامات إلى الخدمة حتى اليوم إلا أنه لم يتمّ إبراز الأدلة التي تثبت صحتها، على الرغم من إصدار قوانين جديدة، واستحداث محاكم خاصة. بل إن المتهمين يقولون إن كل ما فعلوه كان بقرارات مسؤوليهم والمحاكم الشرعية، بل حتى يدعون أن الإرادة السياسية (الحكومة) كانت على علم بكل ما حدث.
ثالثاُ: لنفترض أن البعض ارتكب جرما، فكيف يمكن تعريض حركة الخدمة بأكملها للعقوبة؟! فما ذنب مدارسها ومعاهدها ومؤسساتها المالية وجمعياتها الإغاثية، ومعلميها في كينيا، وتجارها وإعلامها؟ وهذا إخلال بالحكم القرآني (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)، أي شخصية الجريمة والعقوبة.
والصواب أن تتبنى السياسة العدلَ، والجماعات الخدمةَ، والمثقفون الحكمةَ. إذن تعالوا لنتفق قبل كل شيئ على النقاط التالية:
أ- لتلتزم الدولة مبدأ العدل والحيادية وعدم الانحياز حيال كل المجموعات.
ب- إن كل من حاك مؤامرة على الحكومة، يجب أن يحاكم ويعاقب إن ثبت جرمه أمام محكمة عادلة، بغضّ النظر عن شخصه أو الجماعة أو المجموعة التي ينتسب إليها. إذ لا يمكن حماية المجرمين، كما ورد في أحاديث الرسول عليه السلام.
ج – الجرائم شخصيةٌ فردية ولا يمكن تجريم حركة الخدمة كلها، والانتقام منها عبر القضاء على كيانها ومؤسساتها بشكل جذري.
د- يحق لكل فرد الانتقاد والتعبير عن رأيه في إطار مبادئ الاحترام والأدب واللغة النزيهة دون توجيه الإهانات والاتهامات والتكفير.
ه- ينبغي إبعادُ الراديكاليين عن قيادة وتوجيه الأحاسيس والسلوك والمفاهيم المجردة، ومن ثم تحليلُ الأمور بكلِّ تُؤَدَةٍ ورويَّة وتأنٍّ وحِلمٍ وفراسة، وعدم الاهتمام بالانتهازيين الذين يسعون لتحقيق مكاسب من خلال الصراعات والتحزّبات.
أجل يجب إنهاء هذه الخصومة، وإلا فصورة كل من الدين الإسلامي والمسلم والمتدين والعالم الإسلامي برمته ستتضرّر من ذلك ضرراً بالغاً. هذه وجهة نظري، ولا أرى حلاً غير (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) أكتب إليكم هذه السطور من المسجد النبوي، وأرجو أن أمثل أمام المحكمة الكبرى في الآخرة ومعي هذه السطور.