عبد الحميد بيليجي
إذا أردتم تشويه سمعة ذوي الآراء المختلفة عن رؤية الحكومة في تركيا “الجديدة” التي يحتضر فيها القانون والديمقراطية، فإن أقصر طريق لذلك وصفهم بخيانة الوطن أو بأنهم عملاء أمريكا وإسرائيل.
وكان رئيس البنك المركزي أردم باششجي هو آخر من وصفه أردوغان بخيانة الوطن. وقد وجه التهمة نفسها من قبل لرئيس جمعية الصناعيين ورجال الأعمال محرم يلماز. وطبعا كل المتعاطفين مع حركة الخدمة يُتَّهمون بالتهمة نفسها منذ عام.
والاتهام بالتعامل مع أمريكا وإسرائيل مؤثر جدا. لأن المجتمع التركي في طليعة المجتمعات التي ترى أن إسرائيل وأمريكا تشكلان تهديدا بالنسبة لها، وذلك حسب العديد من بحوث الرأي العام. إذ يكفي أن تكرروا اتهام من تشاؤون بالارتباط بهاتين الدولتين. ولا يُشترط في ذلك أن تكون التهمة مقنعة أو مستندة إلى دليل، وإن لم يكن الصدق من مبادئكم فسوف يصدقكم محبوكم وينتهي الأمر.
الذين يوجهون أردوغان يعلمون هذه الحقيقة وبالتالي اتهموا حركة الخدمة بالعمالة لأمريكا في أول الأمر، لكن أردوغان نفسه دحض هذا الادعاء تماما حيث قال: “ستتعاون المخابرات الأمريكية والمخابرات التركية ضد فتح الله كولن”. وما من أحد سأل هذا السؤال: “ألم تقولوا إن حركة الخدمة تعمل لصالح المخابرات الأمريكية؟ فلماذا تتعاون المخابرات الأمريكية مع المخابرات التركية ضد حركة الخدمة”. ولقد كانت كل هذه الادعاءات أحادية الجانب من طرف أردوغان فقط. ولم يصدر أدنى تصريح أمريكي بهذا الصدد. وفوق ذلك ذكر الإعلام الموالي للحكومة منذ أشهر عديدة في أحد العناوين الرئيسية أن كولن قبض أموالا من المخابرات الأمريكية، وهذه المرة نشروا خبرا رئيسيا بعنوان “تعاون المخابرات التركية والأمريكية ضد كولن”. علما بأن أردوغان قد أشار إلى اتصال هاتفي أجراه سابقا مع أوباما فقال: “إن أوباما رحب بطلبنا حول تسليم كولن لتركيا”، لكن البيت الأبيض الأمريكي كذَّب هذا التصريح.
وعندما فشل أردوغان في افترائه حول المخابرات الأمريكية لجأ إلى افتراء جديد هذه المرة حيث اتهم حركة الخدمة بالعمالة للموساد الإسرائيلي في أواخر شهر يناير/كانون الثاني الماضي، وطبعا لايوجد أي دليل هذه المرة أيضا. وكان الإعلام الموالي قد تداول نشر هذه الافتراء لعدة أيام. لاحظوا أن هذا الإعلام لايعترف بأي مبدأ قانوني أو أخلاقي، إذ إن هذا الإعلام نفسه اتهم حركة الخدمة بأنها حركة دينية متطرفة راديكالية معادية للفاتيكان في منشوراته التي تخاطب الغرب وفي الإيميلات التي أرسلها لأعضاء الكونجرس الأمريكي.
والأكثر سخرية في الأمر تغاضي الفئات المحافظة التي تخاطبها الإدارة الأردوغانية زاعمة بأنها مناهضة لإسرائيل عن الأدلة التي تثبت علاقاتها مع إسرائيل، في الوقت الذي تعمل على تشويه صورة حركة الخدمة دون أي دليل أو مستند.
وكان البرلماني أيكوت أردوغان قد صرح في مجلس الأمة التركي(البرلمان) بأن حكومة العدالة والتنمية تتبجح دوما بأنها مناهضة لإسرائيل ومناصرة لفسلطين؛ مؤكدا أنها دفعت مبلغ 65 مليار دولار لشركات اللوبي اليهودي (الصهيوني) كي تُظهر نفسها أمام أمريكا بأنها موالية لإسرائيل (pro-Israel). وقد اشتملت الوثائق على صور للعقود التي أبرمتها حكومة العدالة والتنمية مع شركات اللوبي اليهودي من أجل إقناعها بأنها موالية لإسرائيل والغرب. ففي أحد العقود التي أبرمتها السفارة التركية قد ذُكر في تعريف الشركة الموقعة على العقد بأنها شركة تُعنى بتنظيم المجتمع اليهودي. وتهدف مثل هذه الأنشطة إلى تصوير تركيا بأنها موالية لإسرائيل.
المشكلة هنا هي ليست اتفاق تركيا مع شركات تابعة لأي من اللوبيهات.. بل هي أن الحكومة التي تدعي مناصرة فلسطين ومناهضة إسرائيل في السياسة الداخلية للحصول على أصوات الفئات المحافظة هي نفسها تصنع دعاية في الخارج لتظهر على أنها موالية لإسرائيل. ومع ظهورها بوجهين وفوق هذه الازدواجية فهي تتهم حركة الخدمة بالعمالة للمخابرات الأمريكية والإسرائيلية دون أي دليل. وعلى الرغم من مرور أسبوعين فلم يتطرق أردوغان ولا داودأوغلو إلى الرد على هذه الأدلة.
والأغرب من ذلك كله هو أن أردوغان الذي يتهم الناس جزافا بالعمالة للمخابرات الأمريكية والإسرائيلية هو نفسه الزعيم الوحيد من بين زعماء الدول الإسلامية الذي حصل على جائزة الشجاعة العظمى من الجمعية اليهودية وهي إحدى أهم المؤسسات التابعة للُّوبي اليهودي. ويمكن أن نضيف إلى كل ذلك تضاعف التبادل التجاري مع إسرائيل ، والعلاقات التجارية بين أفراد عائلته وإسرائيل، والامتيازات المتعلقة بالتأشيرات والضرائب، وإلغاء النشرة الحمراء التي تحمل إسرائيل مسؤولية الهجوم على سفينة “مافي مرمرة”، وإلغاء الفيتو في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية رغم الخطابات المنددة بإسرائيل.
ومن الطبيعي أن تكون العلاقات متموجة بين البلدين بشكل دائم، إلا أن الغريب هو التركيز على هذا الموضوع في السياسة الداخلية، والظهور بمظهر المناهض لإسرائيل في الداخل، والتبرع بالأموال الطائلة من أجل تقديم الولاء لإسرائيل. والتغاضي عن الوثائق التي تثبت علاقته بإسرائيل واليهود، واتهام غيره بالتعاون مع إسرائيل والموساد دون أي دليل. والكذب هو أبرز ما في هذه المرحلة مع الأسف بدءا من كذبة كاباطاش (كذبة اعتداء متظاهرين في أحداث جيزي بارك على امرأة محجبة والتي كان أردوغان يكررها كثيرا في حملاته الانتخابية) وصولا إلى الافتراء بمحاولة اغتيال سمية أردوغان.