حكيم أوغلو إسماعيل
إن جسم الإنسان يشبه القصر. بحيث يكون الدماغ مركز المعاملات، والقلب مركز الفتوى، أي إن الدماغ ينظم الحسابات والسجلات، في حين أن القلب يفرِّق بين الحلال والحرام، فهو معقل الإيمان.
الإنسان فانٍ. فكل ورقةٍ تُقتطع من التقويم كسنةٍ تُقطتف من أعماركم. وكأن الساعات تُنهي أعماركم ثانيةً ثانية. وكما يخبرنا الله تعالى في بعض الآيات ورسوله الكريم في أحاديثه أننا سنفنى، فكذلك الكون يُشير إلى ذلك بكل وضوح. وأنا أرى بأن الفناء مكتوب على كل مخلوق. فعلى سبيل المثال كل شيءٍ في الغرفة التي أكتب فيها هذا المقال فانٍ بما فيها أنا نفسي. وهذه المدينة فانية، وهذا الكون فانٍ. وكل شيءٍ يُولد فينمو ثم يموت.
وإن موت كل شيء ومن ثم عودة الحياة إليه تنبيه إلهي مهم في الوقت نفسه. وذلك كما يسأل المعلم تلميذه، ويمتحنه، وينبهه من خلال الدرجات التي يحصل عليها في الاختبارات، ويقول له: “إذا لم تدرس فسوف تحصل على درجات متدنية في الامتحان”.
وكذلك فإن الله تعالى ينبِّه عباده، فعلى سبيل المثال المرض تنبيه يُذكِّر الإنسان بالموت. والشيخوخة تنبيه، والمصائب تنبيه، فهي تُذكر المؤمن والكافر بالموت. والموت تنبيه يُذكِّر الإنسان بأنه فانٍ.
وهذه قصة رواها لنا الشاعر التركي محمد عاكف أرصوي:
“تصادق أحدهم مع بيته، فقال له: “يا بيتي، أنا الذي بنيتُك وجعلتك بهذه الهيئة التي أنت عليها. فأخبرني بموعد تهدُّمك مسبقا حتى أخرج منك قبل انهيارك”. وذات يوم تصدع جزء من المنزل، فأخذ صاحب البيتِ حفنة من طين وسدَّ ذلك الصدع. وتكرر ذلك خلال الأيام والسنين حتى انهار البيت في النهاية على صاحبه. فقال الرجل “أيها البيت أليس بيننا اتفاق؟ ألم تعدني بأنك ستخبرني قُبيل تهدُّمك؟ فلماذا لم تفِ بوعدك”؟ فأجابه البيت “إنني كلما فتحتُ فمي بالشقوق أغلقته بحفنةٍ من الطين، فكيف لي أن أخبرك بغير هذه الطريقة”؟
فنحن معرضون للموت في كل لحظة. فحين يحضر الأجل لا يمكننا أن نقول لأجسامنا: “لو كان لي علم بأنك ستموت يا جسمي لجهّزتُ نفسي للموت”. مع أنه في كل يومٍ تنهار حجرة من قصر جسمنا، فتتضاءل قوتنا. فالمرض لا يميت الإنسان ولكنه يحذِّره ولسان حاله يقول: “أنت فانٍ، فلن تخلُدَ إلى الأبد”. فها قد بدأت الآلام، وتناولنا الأدوية. وقد نزف دماغي، وانقرصت إحدى فقراتي، ولم أعد أقوى على المشي. فنحن لم نفكِّر فيما يحدث وما يجب فعله، عندما تضرر قصر الجسم على هذا النحو، وانهارت حجراته واحدة تلو الأخرى؟
لقد واجهت مجموعة من الأمور السلبية فعلمتُ أني عاجز. إذن علينا أن نقول: “إن هذا الجسم ليس ملكا لي، فأنا لا أستطيع الحفاظ عليه. فمن كثرت حسناته دخل الجنة، لذا عليَّ أن أزيد من حسناتي”.
وبما أنه تنهار حجرة من قصر جسمنا كل يوم، فيمكننا إصلاحه بحجارة يمكننا الحصول عليها من الجنة. فمن كثرت حسناته دخل الجنة، أي ينبغي علينا أن نضع الحسنات مكان الحجارة المنهارة من أجسامنا.
وثمة دائرة حلال وأخرى حرام في حياة كل إنسان. فمن كان يعيش في دائرة الحرام متعرضا لغزوها الثقافي، فهو أسير العادات السيئة، ونهاية حياته وخيمة.
فكما أن جدران بيوتنا بحاجة للترميم والإصلاح، فكذلك حياتنا المعنوية أيضا بحاجة للترميم والإصلاح. لذا يجب أن نحضر المواعظ، ونستمع للعلماء، ونستمر في التردد على المساجد…
إن الله وهبنا أعضاء رائعة، لنفهم بها دين الله ونعيشه. فقيمة أعضائنا تشير إلى أننا خلقنا للخلود الأبدي، وإن أرواحنا مشتاقة للأبد. فالدنيا خُلقت من أجل الإسلام، والإسلام بُعث من أجل الإنسان. وبناء عليه فأنت يا إنسان ملزمٌ بتعلّم الإسلام، وفهمه والتعايش معه. وإن جزاء ذلك هو الجنة. أما إذا ابتعدتَ عن الإسلام فإنك ستبتعد عن الجنة.
والإنسان لا يكاد يستمع للمواعظ، لأنَّه يعاني من الأنانية، ولسان حاله يقول: “أنا أعلم!”. كما أن عدم استماع الإنسان للنصائح والمواعظ بمثابة وضع حفنة من الطين في الأماكن المتصدعة من الجدران.
وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “كفى بالموت واعظا”.
فكل إنسان أمامه طريقان، أحدهما يؤدي إلى الجنة، والآخر إلى النار. ولا إكراه في القدر، فكلٌّ يختار الطريق الذي يريده.