أورهان كمال جنكيز
كان أحد أصدقائي يرى أنه يجب علينا قراءة روايات ميلان كونديرا من جديد كي نفهم تركيا في ظل العدالة والتنمية.
فقد رأيت أن كونديرا هو أقدر من وصف ما نعيشه اليوم، من أحداث كالإساءات التي تعرض لها نائب رئيس الوزراء السابق بولنت أرينتش، والحملة التي استهدفته، إثر إدلائه بتصريحات تنتقد الحكومة والرئيس رجب طيب أردوغان.
فكونديرا يتحدث في روايته “كتاب الضحك والنسيان” بالضبط عن الحالة التي يواجهها أرينتش اليوم.
ففي يوم مثلج من أيام الشتاء كان زعيم الحزب الشيوعي جوتوالد يخاطب الشعب من شرفة أحد قصوره. وفي تلك الأثناء كان محاطا بزملائه المقربين وأصدقائه. وقد خلع أحدهم (وهو كليمنتيس) قبعته المصنوع من الفرو ووضعها على رأس الزعيم الشيوعي كي لا يبرد .
وقد خلد الحزب الشيوعي هذه اللحظة من خلال التقاط صورة فوتوغرافية. فانتشرت هذه الصورة في أنحاء البلاد عبر اللافتات وأغلفة الكتب والنشرات.لكن بعد 4 سنوات عندما انتقد كليمنتيس الحزب الشيوعي، اتُّهم بالخيانة وعوقب بالإعدام. ومن ثم حذف الحزب الشيوعي كل صوره. وبقيت صورة قبعته على رأس جوتوالد في شرفة القصر ولكن المكان الذي كان يظهر فيه كليمنتس أصبح عبارة عن جدار.
ليس هناك وجود لوفاء بالعهد في عالم النظام الاستبدادي. فلا أهمية لهويتكم، وإنجازاتكم السابقة والخدمات التي قدمتوموها للحزب. فما إن تخالفوا فكر الحزب الشيوعي تصبحون خائنين.
فبمجرد تلفظه ببعض الكلمات الانتقادية للعدالة والتنمية وُصف أرينتش بأنه لورانس مدينة مانيسا (مسقط رأس أرينتش)، وبأنه مات سياسيا.
وتذكروا كيف أُقصي الرئيس السابق عبد الله جول عندما كان يدور الحديث عن امكانية ترؤسه للحزب.
وحتى الصحفيين الذين ظلوا يساندون ويتبعون أردوغان طوال 10 سنوات بإخلاص، أصبحوا يوصفون بأنهم خطر على السياسة، بسبب انتقادات طفيفة تلفظوا بها.
قال كونديرا في روايته بأسلوب ساخر إنكم ستمسحون من التاريخ بمجرد مخالفتكم لفكر الحزب.
أما في المشهد التركي فلم يعد هناك حزب أصلا. فبمجرد اعتراضكم على سياسة شخص واحد فقط، أو بمجرد الظن بأنكم انتقدتم هذه السياسة، توصفون بالخيانة العظمى.
فالناس في تركيا يُسجنون بسبب الكلام الذي يتفوهون به، والأخبار التي ينشرونها. ولا شك في أن هذا مؤشر على سير الحكومة نحو مصير مرعب.
كما أن اعتبار مؤسسي العدالة والتنمية أعداءً وخونة، بسبب انتقاد بسيط للحزب ولأردوغان،من خلال الديمقراطية والحقوق الأساسية؛ يشير إلى أنه لم يعد هناك أي أمل في تحسين الأوضاع، ويبدو أن الانهيار سيستمر حتى النهاية.