تقرير: محمد عبيد الله
أنقرة (الزمان التركية) – بدأ رئيس حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض كمال كيليتشدار أوغلو “مسيرة العدل” التي ستنطلق من أنقرة إلى إسطنبول، وذلك عقب قرار المحكمة بحبس نائب الحزب عن مدينة إسطنبول أنيس بربر أوغلو 25 عاما، بتهمة الإرهاب والتجسس، عقب تسريبه مقطع فيديو إلى الصحافة يكشف إرسال حكومة رئيس الوزراء الأسبق رجب طيب أردوغان شاحنات محملة بالأسلحة إلى تنظيمات إرهابية في سوريا.
وقبل توجّهه إلى حديقة “جوفان بارك” التي ستنطلق منها المسيرة، أدلى كيليتشدار أوغلو بتصريحات قصيرة أمام منزله وداخل الحديقة، أعرب خلالها عن آماله في أن يعي أصحاب الضمائر المغزى والهدف من هذه المسيرة، وأن يستمعوا إلى صوتهم ويدركوا أهمية مسيرتهم هذه، مؤكدا أنهم يريدون العيش في هدوء دون صراعات، ولا يريدون صحفيين وأعضاء هيئات تدريس داخل السجون.
وأضاف كيليتشدار أوغلو أنهم ضد النظام الديكتاتوري، ولا يرغبون في العيش في بلد يغيب فيه العدل قائلا: “كل هذه الأمور تؤلمنا، ولا بد من إنهائها. إن كان يتوجب دفع ثمن لقاء هذا، فسأدفع أنا هذا الثمن أولا. الآن سأنطلق في مسيرة، ولن تكون الأخيرة. لم يعد الوضع يُحتمل. كفى! نريد ديمقراطية وحرية في بلادنا”.
توقعات باستمرار المسيرة 28 يوما
وسيقطع كيليتشدار أوغلو 18 كيلومتر يوميا خلال المسيرة التي ستنطلق من حديقة “جوفان بارك” في أنقرة وصولا إلى سجن “مالتبه” في إسطنبول. ومن المنتظر أن تستغرق المسيرة 28 يوما. وسينتقل اليوم المشاركون في المسيرة مع كلييتشدار أوغلو من منطقة “كيزيل آي” وحتى منطقة “صحّية” في العاصمة أنقرة، ومنها إلى الطريق المتجه إلى إسطنبول.
يُذكر أن المحكمة قضت أمس الثلاثاء بالسجن 25 عاما على نائب حزب الشعب الجمهوري عن مدينة إسطنبول أنيس بربر أوغلو بتهمة “التجسس”، بحجة تزويده الإعلام بصور ومقطع فيديو عن شاحنات المخابرات التي كانت تنقل السلاح إلى داعش إلى رئيس تحرير صحيفة جمهوريت السابق جان دوندار. واجتمع كيليتشدار أوغلو مع مجموعة نواب الحزب بأجندة طارئة ليجتمعوا اليوم في تمام الساعة الحادية عشرة بحديقة “جوفان بارك” ويُعلنوا الانطلاق في مسيرة احتجاجية من أنقرة إلى إسطنبول.
استيقاف شاحنات المخابرات المحملة بالأسلحة في طريقها إلى داعش
وكانت النيابة العامة طالبت القوات الأمنية وقوات الدرك باستيقاف “شاحنات المخابرات” في 1 و19 يناير/كانون الثاني 2014 للاشتباه بوجود أسلحة في طريقها إلى داعش في سوريا. إلا أن الرئيس رجب طيب أردوغان وصف هذه العملية بـ”محاولة انقلاب” تستهدف إسقاط حكومته، ويقف وراءها ما أسماه “الكيان الموازي”، ثم بادر إلى “الانقلاب المضادّ” على كل العناصر الأمنية والقضائية والعسكرية المشاركة في الحادثة، وأمر بإقالتها وحبسها. ومع أنه ادعى أن الشاحنات كانت محملة بالمساعدات لإرسالها إلى تركمان سوريا، لكن نفى عضو حزب الحركة القومية السابق نائب رئيس الوزراء الحالي طغرول توركاش كل هذه المزاعم وأقسم يمينًا مغلَّظًا بقوله: “والله إن تلك الشاحنات لم تكن ترسَل إلى التركمان أبداً!”.
فضلاً عن ذلك، نشر رئيس تحرير صحيفة جمهوريت جان دوندار تسجيلاً مصوراً، تزعم السلطات القضائية أنه حصل عليه من نائب حزب الشعب الجمهوري أنيس بربر أوغلو، كشف عياناً عن وجود أسلحة في تلك الشاحنات، وسلط الأضواء على الأحداث التي جرت خلال عملية الاستيقاف، الأمر الذي أغضب أردوغان إلى حد بعيد بحيث هدده على الشاشات التلفزيونية قائلاً “لن أتركه دون أن ينال عقابه الذي يستحقه”، بدعوى أنه كشف بذلك عن “أسرار الدولة”. ثم أصدرت المحكمة قرارًا باعتقال جان دوندار، وقضى في السجن حوالي 3 أشهر، حتى ألغت محكمة التمييز قرار اعتقاله وحكمت بأن ما فعله يقع ضمن “العمل الصحفي”، وليس عملاً إرهابيًّا وكشفًا لأسرار الدولة، ووافقت المحكمة الدستورية على قرار الإفراج أيضًا، وهو الأمر الذي أفقد أردوغان صوابه ودفعه إلى القول: “لا أعترف بهذا القرار، ولا ألتزم بقرارات المحكمة الدستورية”. إلا أن دوندار غادر تركيا إلى ألمانيا بعد إخلاء سبيله وأعلن أنه لن يعود إلى البلاد حتى تعود دولة القانون والدستور إليها، قبل أن تتمكن أردوغان منه مرة أخرى.
أين الحقيقة في تصريحات المسؤولين حول شاحنات المخابرات؟
وكان مسؤولون أتراك أدلوا بتصريحات متناقضة حول هذه الشاحنات وما إذا كانت تحمل أسلحة إلى التنظيمات الراديكالية أو مساعدات غذائية إلى تركمان سوريا. ولا يزال الرأي العام ينتظر جوابا واضحا في هذا الصدد. حيث اتهم مسؤولو الحكومة والرئيس رجب طيب أردوغان أعضاء “الكيان الموازي” بمنع وصول المساعدات المقدمة إلى التركمان تارة وتدبير انقلاب ضد الحكومة تارة أخرى.
نقدم هنا بعضاً من تلك التصريحات المتعارضة للمسؤولين حول تلك الشاحنات:
وزير الداخلية الأسبق “المساعدات للتركمان”
بعد أن أشار أحد الصحفيين إلى التصريحات المتضاربة بشأن شاحنات المخابرات، قال وزير الداخلية التركي السابق أفكان ألا في 2 يناير 2014: “ليست هناك تصريحات متضاربة؟ وليس هناك شىء نقوم به. فهناك تركمان، وهذه المساعدات مقدمة لهم. وعلى الجميع أن يلتزم بعمله دون التدخل في شؤون أخرى”.
أردوغان: الشاحنات كانت تحمل مساعدات للتركمان
وادعى الرئيس التركي الحالي رئيس الوزراء السابق جب طيب أردوغان في 24 يوليو 2014 أن الشاحنات كانت تحمل مساعدات إلى التركمان:
“انظروا.. إن هذه الشاحنات كانت تحمل مساعدات إنسانية إلى تركمان سوريا. وتعرفون من الذين عرقلوا ذلك. ونحن نقدم مساعداتنا على نفس المنوال إلى الإخوة التركمان في العراق أيضاً. إنهم يعرفون كل الحقائق الخاصة بهذا الموضوع. نحن نقدم هذه المساعدات وسنستمر في ذلك”.
وكذلك ادعى رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو أن هذه المساعدات كانت ترسل إلى تركمان “بايير بوجاق” (جبل التركمان) في سوريا.
أقطاي: الشاحنات كانت محملة بالأسلحة ومتجهة للجيش السوري الحر
لكن ياسين أقطاي نائب رئيس حزب العدالة والتنمية وأحد مستشاري أردوغان سابقاً صرّح بأن شاحنات المخابرات الوطنية كانت محملة بالأسلحة ومتجهة إلى الجيش السوري الحر.
مستشار أردوغان: لم ترسل أسلحة إلى أية مجموعة في سوريا
إلا أن إبراهيم كالين كبير مستشاري الرئيس أردوغان أنكر هذا الزعم وأكّد أن المخابرات التركية لم ترسل أبداً شحنات أسلحة إلى أي مجموعة من المجموعات المعارضة المقاتلة ضد النظام السوري.
“واللهِ إن تلك الشاحنات لم تكن ترسَل إلى التركمان”
بينما نفى عضو حزب الحركة القومية السابق نائب رئيس الوزراء الحالي طغرول توركاش كل هذه المزاعم وأكّد مقسماً بالله العظيم: “والله إن تلك الشاحنات لم تكن ترسَل إلى التركمان أبداً”.
“ليست هناك أية شاحنة مساعدات أرسلت للتركمان”
ثم خرج نائب رئيس المجلس التركماني السوري حسين العبدالله لينفى صحة مزاعم أردوغان وداود أوغلو وأفكان ألا في تصريحات أدلى بها في 4 يناير 2014:
“ليست هناك أية شاحنة مساعدات مقدمة للتركمان من أنقرة. فقد وصلت الأسبوع الماضي شاحنة من سويسرا محملة بالملابس. ولم نحصل من حكومة أنقرة على أي مساعدات مسلحة أو أي شكل من أشكال المساعدات”.
ورغم هذه التصريحات المتضاربة التي أدلى بها المعنيون، يواصل إعلام أردغان شنّ حرب ضد ما أسماه بـ”الكيان الموازي” ويدعي أن أعضاءه في السلك العسكري هم الذين خططوا للانقلاب ضد الحكومة عبر استيقاف شاحنات المخابرات “مجهولة الحمولة” وكذلك استهدفوا منع الأسلحة أو المساعدات المرسلة إلى المعارضة السورية أو التركمان.