الأزمة الخليجية كشفت الوجه الحقيقي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وألمحت إلى تطلعاته خارج تركيا، وفي هذا الإطار كتب الكاتب السعودي فيصل العساف في جريدة الحياة اللندنية مقالا بعنوان” تركيا … دولة في حزب!” يقول:
في القمة العربية الـ22 التي عقدت عام 2010 في مدينة سرت الليبية، كان رجب طيب أردوغان ضيف شرف تمت دعوته، إضافة إلى الرئيس الإيطالي السابق سيلفيو بيرلسكوني، من الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي الذي كان تسلم رئاسة القمة من أمير قطر حمد بن خليفة. من المفارقات اللاحقة، أن القذافي قُتل، وبيرلسكوني سجن، وحمد تنازل عن الإمارة لابنه «مجبراً»، فيما نجا أردوغان من مقصلة النحس تلك، ويمكن القول إنه استأثر بالحظ وحده من دون بقية الرفاق، إذ أصبح رئيساً لتركيا بعد أن كان رئيساً لوزرائها. في الواقع، يعتبر أردوغان داهية الساسة الأتراك، وإن كان يُصنف من معارضيه بأنه الأكثر استبداداً في تاريخها الحديث، استناداً إلى معطيات طموحه السياسي اللافت منذ بزوغ نجمه على الساحة السياسية وحتى ظهور نتائج الاستفتاء بـ «نعم» على توسيع صلاحيات الرئيس، وما تخلل فتراته الرئاسية منذ كان رئيساً للوزراء، من استئثار بالسلطة يرافقه قمع للمخالفين، استناداً إلى ممارسات حكومته التي قصمت ظهر الاحتجاجات الشعبية الحاشدة في 2013، وإلى حالات العنف -غير المسبوق- التي يواجه بها الأكراد، أكبر الأقليات في تركيا، الذين يطالبون بحق التمثيل السياسي والاجتماعي والأدبي اللائق الذي يحترم هويتهم، خصوصاً أنهم يمثلون 20 في المئة من عدد السكان في بلد يرفع لواء الديموقراطية حتى وهو يتصدر الدول الأكثر اعتقالاً للصحافيين، بل والمواطنين، كان ذلك بعد ما عرف بـ «الانقلاب الفاشل»، الذي ناهز عدد المأخوذين بجريرته مئة ألف من شتى أطياف المجتمع، بحسب بعض التقديرات!
أردوغان الذي رسخ قدميه في تركيا حاكماً بأمر الله لا يشق له غبار، التفت إلى الدول العربية بكامل قوته وتركيزه، بعد أن تيقن أن لا مكان له في أوروبا ولا مكانة في الحقيقة، حتى بلغ به الوضع مبلغاً جعله يحرق أوراقه كافة على أرضهم في سبيل طموحه الرئاسي، خصوصاً بعد أن أخذ يكيل اليهم التهم بمعاداة الإسلام بسبب منع بعض دول أوروبا الأتراك المقيمين من التجمع، ومنع ممثلي حزبه من الالتقاء بهم لحضهم على التصويت لمصلحة التعديلات الدستورية في نيسان (أبريل) الماضي. طموح الزعامة لا حدود له في مخيلة الرئيس «الصالح»، بل ربما لا يضاهيه في ذلك أحد، باستثناء الهوس القطري الذي تجمعه به أوجه تشابه كبيرة ومتعددة، فأردوغان يرى في إيران بيته الثاني، وقطر تعتبر علاقاتها بإيران واجبة. كلتا الدولتين تحتضن قواعد أميركية على أرضها، تحارب الإرهاب، وفي المقابل تتحدث تقارير استخبارية عن علاقات تجمع الدولتين بالإرهابيين. تدعمان حركة حماس في غزة وفي الوقت ذاته تقيمان علاقات مميزة مع الإسرائيليين! الدولتان الشبيهتان ترفعان شعار العداء ضد مصر، الدولة العربية المهمة، وتسعيان إلى إسقاطها. تركيا وقطر تجتمعان أيضاً على اللعب بالورقة الخطرة، «جماعة الإخوان» الإرهابية، وقد سخرتا لهذا الغرض فضاءات قنواتهما التي تشكل رافداً مهماً لإشاعة الفوضى، في تحدٍ صارخٍ للإرادة العربية التي تحاول جاهدة التعافي من جراحها لولا مفرقعات الإخوان «المدعومين» التي تنكئها كلما شارفت على الاندمال.
في الختام، لعل من المناسب التذكير بوجه الاختلاف الوحيد ربما بين تركيا وقطر من وجهة نظر الدول الخليجية، وعلى رأسها السعودية والإمارات، فتركيا وإن كانت من أكبر أسواق الاستثمار والتبادل التجاري بالنسبة إليها، فإنها ليست الجار القريب، ولا الأخ الشقيق الذي تجتمع إليه بأواصر الدم والجغرافيا والتاريخ والمصير المشترك، مثل قطر، التي بسبب تجاوزاتها التي لا تحتمل، قطعت علاقاتها بها.