(الزمان التركية)- قصر دولمة باهجة هو قصر يقع في منطقة بشكطاش باستانبول في تركيا على الساحل الأوروبى من مضيق البوسفور، وكان بمثابة المركز الإداري الرئيسي للإمبراطورية العثمانية منذ عام 1856م حتى 1922م. وهو قصر يقع على جزء من الشريط الساحلى الذي يمتد من قره كوى وحتى سارى يربط بين منطقتى القباطاش والباشيكطاش وهو مواز لمنطقة اسكودار على الساحل الغربي بالمنفذ البحرى الممتد من بحر مرمرة وحتى البوغاز ايجى.
دولمة باهجة هو اسم مركب من كلمتي “دولمة” و”باهجة”، فكلمة “دولمة” هى كلمة تركية الأصل ، وتُصنّف طبقا لقواعد اللغة التركية على أنها صفة، ومصدر مخفف، وتعنى ما يُعبأ ويُقوم بالحجارة والتراب والحطام وغير ذلك. كما عرفها مجمع اللغة التركية بأنها ما أُقيم بالردم أو ما رُدم بالتراب. أما كلمة “باهجة” فهى كلمة فارسية الأصل وهى اسم وتعنى بالفارسية الحديقة الصغيرة، وعندما انتحلتها اللغة التركية أطلقت وأريد بها الحديقة أو البستان. ودولمة باهجة تعني حرفياً باللغة العربية “الحديقة المردومة”، فهي تدخل في باب النعت بالمصدر. وقد سمي القصر بهذا الاسم نظراً لأن الأرض التي شُيد عليها القصر تم ردمها، لأنها على شاطئ البوسفور.
ينقل البعض كلمة دولمة باهجة إى “دولما باخشة” أو “دولما باهتشة” وتارة يكتبونها “دولما باشا”، أى كما تنطق أو لما هو أقرب لنطقها في التركية، ولكن الإملاء الصحيح لها هو الإملاء الذي ورد بالمعاجم العثمانية حيث وردت كلمة (dolma) بشكل “طولمه” وذلك في قاموس اللغة العثمانية الدرارى اللمعات في منتخبات اللغات كما وردت بنفس القاموس كلمة (bahçe) بشكل “باغجه”، كما أن هذا هو أصل رسمها في المعاجم الفارسية، وكذا في المعجم التركي التراثى وردت كلمة (Dolmabahçe) بشكل “طولمه باغجه” وعلى هذا لا يتسنى لنا أن نكتب كلمة (Dolmabahçe) سوى بطريقة إملائها بالعثمانية التي هى الرسم الأصلى لهذة الكلمة بالحروف العربية.
يقع قصر دولمة باهجة على ساحل مضيق البوسفور المطل على شمال بحر مرمرة،في مدينة الباشيكطاش، شمال شرق استانبول، شمال غرب تركيا.ويطل القصر من الجهة الشمالية والشمالية الشرقية على شارع دولمة باهجة، ومن الناحية الشرقية على شارع خير الدين اسكاته سى، أما من الجنوب فيطل القصر على ساحل مضيق البوسفور، كما يطل على شارع مجلسِ مبعوثان من الناحية الغربية، و استاد اينونو من ناحية الشمال الغربي.
ومن ثم حظى هذا القصر باهتمام العالم حيث تم بناؤه على أفضل المواقع في أراضي استانبول و لاسيما على ساحل مضيق البوسفور الذي يربط البحر الأسود ببحر مرمرة، ويعتبر مع مضيق الدردنيل الحدود الجنوبية بين قارتى أسيا وأوروبا، و الذي صنفت مياهه ضمن مجال الملاحة الدولية، ويعد أحد أهم النقاط البحرية في العالم.
كانت المنطقة التي أقيمت بها حديقة دولمة باهجة، عبارة عن خليج صغير بالبوغازايجى قبل فتح القسطنطينية. وكان محيطها يعرف باسم “والى جوله راجى خوردى” أي الوادى الصغير الخاص بالحديقة الملكية . ويُدعى أنه قد شُرعت من هذا الخليج الصغير حركت تمرير السفن العثمانية التي أدخلها السلطان محمد الفاتح للاستيلاء على مدينة القسطنطينية والتي تعد أحد أكثر العوامل أهمية في نجاح ذلك الفتح. ومن ثم دامت أهمية الخليج بعد فتح القسطنطينية حيث ظهر مكان جديد يمكث به الأسطول قبل أن يفتح له البحر، وتقام به الحفلات التقليدية التي كانت تُعقد قبل إبحارالسفن.
ويُذكر فى سبب ردم هذا الخليج الذي أعد للاحتفالات البحرية التقليدية أنه أصبح مستنقعا مع مرور الوقت. وتم تحويله إلى روضة خاصة تم تجهيزها لتسلية السلطان وترويحه ووفقا لرواية الرحالة “أوليا جلبى”: رُدِم الشرم فيما بين أعوام 1618/1622 م في عهد خلافة السلطان “عثمان الثانى” في القرن السابع عشر، واكتسب الساحل إطلالة جديدة. وعلى ما يبدوا أن الأراضي التي أسست على الشرم – المردوم لإنشاء ساحة أكثر ملائمة لإقامة الحفلات– قد تحول تدريجيا إلى حديقة خاصة عرفت فيما بعد ب”دولمة باهجة”. أما ” أرميا جلبى” فيزعم أن الشرم قد رُدِم في عهد السلطان أحمد الأول فيما بين 1603/1617 م، ويقول أن” قره بوليس” قام بردم البحر، وإظهار الحديقة للمرة الأولى في عهد السلطان “سليمان القانونى” وفقا لرواية غليوس عن انجيجيان.
ومن جانب أخر يوضح “جروسونور”، أن الشرم قد رُدِم بتسخير ستة عشر ألف أسير من أهالي البحر المتوسط وذلك بأمر خير الدين بربروس وعندما يُؤخذ الموقع الجغرافي للمكان المشار إليه بعين الاعتبار يَقوى لدينا الاحتمال الذي يمكن أن يصبح بداية تاريخية مبكرة نسبيا لمعالجة الحصول على ميناء حصين ومن المحتمل أن تكون عملية الردم الحقيقة التي تم خوضها للحصول على مساحة شاسعة، قد حدثت في النصف الأول من القرن السابع عشر.
ولا يُعرف متى دخلت لخزانة الدولة حديقة دولمة باهجة التي لم يُصادَف اسمها في دفاتر المرتبات المؤرخة بعام1583م، إلا أنها موجودة بالمعلومات التالية التي أدلى بها المؤرخ والرحالة “أوليا جلبى” فيما يتعلق بالموضوع : “في عهد السلطان بايزيد كان هناك منزل ساحلي للوزير. وما أن مضى عليها السلاطين، أصبحت حديقة “إرم” كالجنة، تزينها الحدائق المتعددة والكثيفة والمقاعد المرتفعة “. ووفقا لما يذكر “اوليا جلبى” أن كانت في هذة الساحة في عهد السلطان عثمان الثاني، جابية استراحة السلطان سليم الثانى الخاصة. ومن ناحية أخرى يزعم انجيجيان أن هناك سبيل للمياه العذبة يعرف بإسم ”
كوميش صويى” (أي مياه الفضة) في هذة الحديقة الواقعة بين الحديقة الخاصة بالبشيكطاش وحديقة قره بالى بالقاباطاش، أما “أرميا جلبى” فيستخدم تعبير “بك لك بستان” (أي بستان الإمارة) فيما يتعلق بحديقة دولمة باهجة. أخذت الحديقة الخاصة دولمة باهجة تمتلئ بالمبانى التي شيدت بأمر السلاطين المختلفين على مر العصور . والبناء الأول المعروف هو استرحة السلطان سليم الثاني الخاصة كما أفاد “اوليا جلبى” في حديثه، ويعتقد أن هذة الاستراحة التي شيدت تقريبا بعد ردم الشرم ، كانت تقع في الأقسام الداخلية. أما استراحات كل من السلطان أحمد الأول، والسلطان محمد الرابع، والسلطان أحمد الثالث، والسلطان محمود الأول والتي عرفت أنها ترجع لتواريخ بعد ردم الشرم، فيزعم أنها شيدت قريبة من الساحل. ومن ثم يتضح لنا ظهور القصور الساحلية في المكان المدعو “حديقة الجوامع” بالساحة المطلة على منتزة دولمة باهجة وحتى الباشيكطاش.
وبعد فترة وجيزة انهار القصر الخاص بالسلطان محمد الرابع إبان عام 1680م ، نتيجة لقلة استخدام القصر والتأثير السلبى للرطوبة على المواد الخشبية ومع تنحى السلطان مصطفى الثانى عن العرش تم ترميم هذه المبانى بتحويلها إلى مبانى حجرية وتم إلحاقه بالقصور الجديدة. وفى عام 1719م تم الحاق مبانى دولمة باهجة، بأبوابها وجدرانها التي أصابها الإنهيار، بقصر الباشيكطاش مع ترميم ما تلف. كما أزالوا السقالات القائمة بينهما وسمحوا لأهالي الفندقلى المترددين عليها بالمرور من دولمة باهجة. وإلى جانب القصر الذي أعد لإقامة السلطان أحمد الثالث عام 1715م،أمر السلطان محمود الأول بتشييد بنائين كبيرين بنفس الموضع عام 1741م وكان يقيم في هذا المكان في شهور الصيف فحسب. اشتعلت المبانى القائمة حول دولمة باهجة إثر حريق ناشب عام 1775م، هذة المبانى التي أخذت تتوسع تدريجيا بالملحقات التي أقيمت في عهد السلطان العثماني عثمان الثالث وفى نفس الفترة في عهد السلطان عبد الحميد الأول أعيد بناء الاستراحات القائمة هناك منذ عهد السلطان سليم الأول وباحتراف عن طريق تزينها بالورود الزخرفية الأخذة ابتداء من الأرضية وعلى الطراز الإيرانى. كما كان هناك مبنى يحمل بعض العناصر التي تتواءم مع مفهوم الهندسة الأوروبى بهذة الحقبة وقد شيده المعمارى ملينج بأمر السلطان سليم الثالث، على طيراز القصور الصيفية. وكان السلطان محمود الثانى أول من فكر باستخدام القصر القائم بمنطقة دولمة باهجة والذي أصبح قصرا ساحليا كبيرا مع الأبنية الملحقة به خلال الفترات المتباينة.
كانت الأرض التي بنى عليها القصر عبارة عن خُليج داخل المضيق الذي أعد سفنه ربان البحر العثماني قبل أربعة قرون من بناء القصر. ولا يزال قصر دولمة باهجة محتفظ بجماله القديم حتى الآن. وعلى مر الزمان أصبح هذا الخليج الذي ُأُعِد للاحتفالات البحرية التقليدية مستنقعاً. تم تحويل الخليج الذي شُرع في ردمه إبان القرن السابع عشر إلى “روضةٍ خاصة” تم تجهيزها لتسلية السلطان وترويحه.عرفت مجموعة القصور والدور التي بنيت على هذة الروضة خلال مختلف العصور، باسم قصر”البشيك طاش الساحلي” وذلك لفترة طويلة.
وقبل بداية النصف الثاني من القرن الثامن عشر،بدأت تظهر تأثيرات الغرب في أسلوب العمارة التركية، وبدأ يظهر الطراز الزخرفى المعروف باسم “تورك روقوقوسى” كما ظهر طراز البروكى ساحقا التأثير الغربي في الدور والقصور والسبل. وكان السلطان سليم الثالث أول من أمر بتشيد المبانى على النمط الغربي بالبوغازايجى. حيث أمر المهندس المعمارى “مِلنِج” ببناء قصراً في سراى “الباشيك طاش”، كما أمره بتوسيع المبانى الأخرى التي رأى أنها تستلزم ذلك. وأمر السلطان محمود الثاني ببناء قصرين كبيرن على النمط الغربي غير “طوبقابى ساحل سراى” وذلك في حديقة “بكلربكى” وحديقة “جيرَغان”. حتى لو كان {قصر طوب قابى} قصرا حديثا في هذة العصور من ناحية واقعية فكان سيصبح قصرا مهجورا أو مهملا. وكانت سرايات “بكلربكى” وقصور “جراغان” ذات الأعمدة المرمرية القائمة في “أورطاكوى” و “دولمة باهجة” بالباشيك طاش القديم هي محالٌ لإقامة السلطان محمود الثاني التي تتغير وفقا للمواسم. كان السلطان عبد المجيد أيضا يضرب الصفح عن القصر الجديد كأبيه ويبقى بعض الشهور في موسم الشتاء هناك على حدة. وبالكاد كان سيولد في قصور “بوغازايجى” ابنه “قيرقى عشقك”. وبعد أن مكث السلطان عبد المجيد لفترة في “الباشيك طاش”القديم، قرر تشيد سرايا على طراز ومخطط أوروبيين وذلك بهدف تسيير أعمال الدولة واستقبال الضيوف واستضافتهم والمصيف والسكنة على أن يتم ذلك بمكان السرايات الكلاسيكية المفضلة حتى الآن ومع أن السلطان عبد المجيد لم يتلق تعليما قويا مثل الأمراء الآخرين إلا أنًه كان متأثرا بالغرب. ولقد عرف السلطان الذي أحب الموسيقى الغربية وأحب أن يعيش على الطراز الغربي اللغة الفرنسية بقدر ما يفهم. ولا توجد أي معلومات تتعلق بحدوث أي انهيار للدور الموجودة على أرض قصر الدولمة باهجة- القائم حتى وقتنا هذا- بأي تاريخ قاطعاً بسبب انكشاف الأرض المكتسبة من البحر مرة أخرى قبل مائتى عام تقريبا. وفى عام 1842م قُدِر أن يحدث انهيار بأرض القصر وشرع في تشيد قصر جديد بعد ذلك التاريخ. ويُذكر أنه قد تم تأميم الحقول والقبور المحيطة بالقصر لتوسيع أرض البناء بنفس التواريخ اختلفت المصادر في تأريخ انتهاء تشييد القصر. ومما شرح الفرنسى الذي زار تشيد القصر في نهاية عام 1853م نفهم أن ما صُنع من زخارف للقصر كان في العصر الحديث وأن أثاث هذا القصر لم يكن قد وضع على موضعه بعد.
نافورة الحديقة الخاصة أمام جناح المابين
تمتد واجهة القصر التي بنيت بأمر السلطان عبد المجيد الأول على مدى ستمائة متر على الساحل الأوروبى لمضيق استنبول. شيد القصركمزيجا للأسلوب المعمار الأوروبى ما بين أعوام 1855:1843م على يد غرابت عمرا باليان و ابنه نيجوغوس باليان. وأقيم حفل إفتتاح قصر الدولمة باهجة الذي تم اتمامه بالكامل عام 1855م بعد معاهدة باريس التي أبرمتها مع روسيا في الثلاثين من مارس عام 1856م.[15] وقد صدر خبرا في جريدة الحوادث بتاريخ 11يونيه 1856م ،7شوال 1272 ،عن افتتاح القصر رسميا في السابع من يونيو 1856م
الأولى أن جُعل القصر مقرا لاستقبال الضيوف الأجانب، والثانية أن انفتحت أبواب القصر للخارج فيما يتعلق بالثقافة والفن. وقد استقبل مصطفى كمال اتاتورك بقصر دولمة باهجة كلا من: البهلوى شاه إيران، وفيصل ملك العراق، وعبد الله ملك الأردن،وأمان الله ملك أفغانستان، وإدوراد ملك إنجلترا الذي جاء في زيارة خاصة، الكساندر ملك يوغوسلافيا. في السابع والعشرين من شهر سبتمبر عام 1933م، تم افتتاح مؤتمر التاريخ التركيي الأول بصالون المعايدة، كما عقدت به عام 1934م مؤتمري اللغة التركية الأول والثاني. وكفلت المنظمة العالمية لمؤسسات التورينج افتتاح القصر للمرة الأولى كمزار سياحي عام 1930م، وهم يعقدون الاجتماع الأوروبي للتحالف الدولى السياحى.
وأعظم واقعة شهدها القصر الذي كان بمثابة محلَ إقامة لاتاتورك في عصر الجمهوري خلال زياراته لإستانبول، هي وفاة اتاتورك في 10 نوفمبر عام 1938م. وقد فارق اتاتورك الحياة في الحجرة رقم 71. وتم إقامة نظرة التقدير الأخيرة علي الجثمان الموضوع في النعش المقام في صالنو المعايدة. ومن بعد اتاتورك كان يقيم به عصمت اينونو خلال مدة رئاسته إبان قدومه لإستانبول. وبعد انتهاء فترة الحزب الواحد أُعد القصر للعمل بهدف استقبال الضيوف. وتم استقبال كل من جرونيتشي رئيس الجمهورية الألمانية، وفيصل ملك العراق، وسوقارنو رئيس وزراء فنزويلا، وجنرال دا جاولا رئيس وزراء فرنسا، كما أُقيمت الحفالات على شرفهم.
الطرز المعمارية لقصر دولمة باهجة من ناحية البحرعن قرب
لم يرتبط قصر دولمة باهجة الذي شَييد محاكاة للأبعاد الآثارية للقصور الأوروبية، بطراز معماري معين؛ وذلك أن تزودت الطرز المعمارية به بعناصر المناهج المعمارية المختلفة. ويلاحظ من خلال المخطط الذي يتكون من جناحين للمبنى الرئيسي الكبير أن استخدام العناصر التي تحوي قيمة فِعلية من ناحية الأسلوب المعماري القديم، كان لزخرفة القصر متناولين إياها بمنظور آخرومع أنه لم يكن هناك ثمة طراز معماري معتنق لمذهب معين وخالص لنفسه بقصر دولمة باهجة إلا أنه تم تطبيق الطرز المعماري الباروكي الفارنسي والروكوكو الألماني والنيو كلاسزم الإنجليزي والروناسانس الإيطالي على شاكلة معقدة. قصر دولمة باهجة هو أثر تم تشييده درج الجو العم الفني لبنية ذلك العصر ويعني بمتطلبات القصر العثماني، فهو تحت وطأت التأثير الغربي في الفن وتأثير المجتمع الذي بدى واضحا في محاولات التحديث بالمنظور الغربي له. ويلاحظ من ثم أنهم عندما عنوا بالقصور والدور في القرن التاسع عشر قد شرحوا بذلك أن تطورهم الاجتماعي والفني لم يكن بالظواهر الفنية للقرن الذي عاشوا فيه