تقرير: محمد عبيد الله
برلين (الزمان التركية) – لم يسبق أن بات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في زاوية ضيقة مثلما كان بعد اندلاع أزمة دول الخليج مع دولة قطر. فكل الإشارات والأمارات تدل على أن الدائرة تضيق على أردوغان، سواء في الداخل والخارج. وما ذلك إلا نتيجة طبيعية للنهج الذي يطبقه في السياسة الداخلية والخارجية منذ نحو خمس سنوات.
رغم أن تركيا بقيادة أردوغان انطلقت في مشوارها بمبدإ “صفر مشاكل مع البلدان المجاورة”، إلا أن هذا المبدأ ظل حبرًا على الورق في كتاب “العمق الإستراتيجي” لمهندس السياسة الخارجية لتركيا أحمد داود أوغلو، وتحول في أرض الواقع إلى “صفر جيران” بكل معنى الكلمة في نهاية المطاف.
إرسال قوات عسكرية تركية في قطر
فرْض دول عربية، بقيادة السعودية ومصر، مقاطعة شاملة على دولة قطر قضّ مضجع أردوغان قبل أي شخص آخر، حتى من النظام القطري، ذلك أنه كان على دراية تامة بأنه القادم والهدف الثاني، بل لعله الهدف المقصود أصلاً من هذه الخطوة؛ وذلك نظرًا للقرابة الراسخة بين أردوغان والأسرة الحاكمة في قطر، واتفاق وجهات النظر بينهما لجل قضايا المنطقة، وتطبيقهما النهج عينه في التعامل معها.
كان من الضروري أن يقف أردوغان إلى جانب قطر في مواجهة هذه الدول بقيادة السعودية ومصر، ذلك لأن سقوطها كان سيحدث بلا شكل تأثير الدومينو، فهو أيقن أنه الحجر الثاني الذي سيسقط بعد حجر قطر، لذلك قرر دون تفكير إرسال قوات عسكرية إلى هذا البلد أملاً أن يكون خطوة زاجرة لدول الخليج، متغاضيًا عن الفشل الذريع الذي مني به في سوريا من خلال “عملية درع الفرات” في الشمال السوري مع قوات من الجيش السوري الحر، بعد إحباطه مع حليفته قطر في إسقاط نظام بشار الأسد بالتعاون مع بعض التنظيمات الراديكالية بل الإرهابية، علمًا بأن التخلي عن دعم التنظيمات الإرهابية يأتي في رأس مطالب دول الخليج من قطر.
طلب إغلاق القاعدة التركية في قطر
فجوة الخلاف بين أردوغان ودول الخليج التي كانت عاملاً اقتصاديًّا مهمًّا لحكومة حزب العدالة والتنمية لسنوات طويلة تتفاقم وتتسع يومًا بيوم. فبعد اتهامات وتهديدات مباشرة وغير مباشرة متبادلة بين الطرفين من خلال وسائل الإعلام، وتهديدات صريحة من الجانب التركي على لسان يكيت بولوت كبير مستشاري أردوغان باندلاع “ربيع عربي جديد” في السعودية والدول العربية الأخرى، جاءت الخطوة السعودية المصرية الإماراتية البحرينية صارمة وواضحة، إذ تصدر إغلاق القاعدة العسكرية التركية قائمة دول الخليج لمتطلباتها الجماعية من قطر، بعد قطع العلاقات الدبلوماسية – ما عدا التجارية – مع إيران. ماذا سيفعل أردوغان يا ترى أمام هذا الطلب أو هل بإمكانه ومقدروه أن يبقى في قطر رغمًا عن دول الخليج؟ ليس من التكهن أن نزعم أن هذه المغامرة أو المقامرة ستنتهي بالفشل الذريع مثل عملية درع الفرات في سوريا التي لم تحقق أي شيء لصالح تركيا، فضلاً عن سقوط مئات الجنود شهداء على أرض ليست ترابهم.
إعلان الحرب على أمريكا والأكراد!
ومن جانب آخر، أعلنت السلطات التركية عن استعدادها مع قوات الجيش السوري الحر الذين يتلقون تدريبات على يد الجيش التركي ضمن عملية درع الفرات لتحرير مدينة “تل رفعت” الواقعة تحت سيطرة تنظيم وحدات حماية الشعب الكردية (YPG) عقب عيد الفطر المبارك، ووصول الدعم العسكري اللازم إلى مدينة العزازي. وفي المقابل من ذلك أرسلت واشنطن رسالة إلى أردوغان قالت فيها إنها تتابع عن كثب تقديم تركيا السلاح والمال إلى الجيش السوري الحر. إذن كيف سيكون موقف الولايات المتحدة من هذه الخطوة، نظرًا لأن وحدات حماية الشعب الكردية تعتبر حليفها ضد تنظيم داعش، وتقدم لها السلاح والمال؟
مشكلة “مسيرة العدل” للمعارضة
والمشهد الداخلي في تركيا لا يختلف كثيرًا عن الخارجي، إذ حشر زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كيليتشدار أوغلو أردوغان في زاوية ضيقة أيضًا، من خلال إطلاق “مسيرة العدل” من العاصمة أنقرة إلى إسطنبول، احتجاجًا على “دكتاتورية أردوغان” التي أسسها عقب تصفية معارضيه في أجهزة الدولة والسلك السياسي من خلال “الانقلاب تحت السيطرة”، وفق تعبير كيليتشدار أوغلو. ما يخيف أردوغان ليس سير كيليتشدار أوغلو على الطرقات بل مشاركة أطراف واسعة ذات توجهات مختلفة جدا في هذه المسيرة، واحتمالية تحولها إلى حركة اجتماعية قوية في الأيام القادمة، ما يفقده توازنه وصوابه لدرجة يدفعه إلى الإدلاء بتصريحات صادمة للجميع، إذ قال فيها للمعارضة “سيركم في الطرقات بحرية لطف من الحكومة”، وهددها بالاعتقال مثل زعيم ونواب حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، الأمر الذي أثار استياء كبيرًا في الشارع التركي. واعتبر كيليتشدار أوغلو هذه التصريحات دليلاً على دكتاتورية أردوغان وقال: “اعتبار ممارسة الحقوق الدستورية والقانونية لطفًا ليس إلا دكتاتورية!”، على حد تعبيره.
الحرب على أربع جبهات!
يبدو أردوغان كأنه يخوض حربًا على أربع جبهات في آن واحد؛ فهو يرسل جنودًا إلى قطر وكأنه سيحارب السعودية ومصر والإمارات والبحرين وحلفاءها جميعًا من جانب، ويرسل آخرين إلى سوريا وكأنه سيحارب الولايات المتحدة وحلفيها الأكراد، فضلاً عن إعلانه الحرب على المعارضة في الداخل.
لكن أكبر مشكلة سيواجهها أردوغان هي احتمالية اندلاع أزمة اقتصادية “عميقة”، عقب فقدانه حلفاءه دول الخليج بقيادة السعودية. كيف وبأي آلية سيدير أردوغان الحرب الاقتصادية مع دول الخليج، أم أنه ما زال يعتقد أن الحروب تكسب بالقوة العضلية؟!
أردوغان في موقف صعب جدًا وبحاجة إلى كسر الحصار المفروض عليه داخليًّا وخارجيًّا – بسبب ما كسب ويكسب حاليًّا – وخروج آمن. لكن كيف؟
يرجح بعض المحللين السياسين المعنيين بالشأن التركي أنه من الممكن أن “يدبّر” محاولة اغتيال “مزيفة” ضد نفسه أو حقيقية تستهدف المقربين منه أو أن يفتعل “فوضى تحت سيطرته”، على غرار أحداث “جازي باركي” في إسطنبول، من خلال توظيف مسيرة العدل للمعارضة، خاصة عندما سيقترب المشاركون فيها من مدينة إسطنبول وانضمام عدد كبير من المواطنين إليهم.
هل سينجح أردوغان في الخروج من ذلك المأزق أيضًا أم أنه سيحترق في نار سياساته الشعبوية الآنية، كما قال أحمد ألطان المثقف التركي المعتقل بتهمة المشاركة في الانقلاب الفاشل الذي قض مضجع أردوغان بدفاعه المذهل في المحكمة:
“الأنظمة القمعية تتحول إلى رماد في نار نفسها مثل عود الكبريت!”.