أنقرة (الزمان التركية) – على الرغم من عدم تعرض وسائل الإعلام الموالية للحكومة التركية لانتهاكات حقوق الإنسان، بدءأ من عمليات التعذيب في مراكز الأمن والسجون، وانتهاءًا بعمليات الاختطاف والاختفاء القسري في الداخل التركي وخارجه، خلال تحقيقات ما يسمى بالانقلاب الفاشل أو تحقيقات حركة الخدمة، إلا أن وسائل إعلام دولية تواصل تسليط الأضواء على هذه الأحداث الفظيعة التي باتت من الأمور اليومية العادية في تركيا الجديدة بقيادة رجب طيب أردوغان.
فقد نشرت النسخة التركية لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) تقريرًا على لسان مقربين من ضحايا عمليات الاختطاف والاختفاء القسري التي تشهدها تركيا في الفترة الأخيرة في ظل حالة الطوارئ المعلنة بذريعة الانقلاب الفاشل، مستعينًا ببعض أسر الضحايا الذين وصل عددهم إلى 11 شخصًا في أنقرة فقط.
في 31 مارس/ آذار 2017 اختفى تورجوت تشابان، وفي 1 أبريل/ نيسان اختطف أوندر آصان، وفي 9 مايو/ أيار اختطف مصطفى أوزبان، إلا أن الخيط الوحيد الذي يربط بين ثلاثتهم فتح تحقيقات معهم في أوقات مختلفة بتهمة الانتماء لحركة الخدمة، أي كما يلقبها أردوغان بالدولة الموازية.
بحسب رواية شهود عيان، فإن أوندر آصان ومصطفى أوزبان اختطفا عن طريق سيارة سوداء موديل “Transporter”، بينما كشفت كاميرات المراقبة أن تورجوت تشابان ظهر في مكان ما، وكان هناك عربية من الطراز نفسه تتعقبه؛ في حين أن ولاية أنقرة ووزارة الداخلية لم ترد على الأسئلة الموجهة إليها في هذا الشأن.
ومن جانبه، أكد رئيس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان التركي ونائب حزب العدالة والتنمية عن مدينة إسطنبول مصطفى ينار أوغلو أنهم سيتابعون ادعاءات الاختطاف، لافتًا أنهم لا يملكون أي أدلة مادية كافية في الوقت الراهن.
كما قدم نواب حزب الشعب الجمهوري في البرلمان طلبات استجواب لرئيس الوزراء بن علي يلدريم في تاريخ 25 أبريل/ نيسان و29 مايو/ أيار الماضيين، إلا أنهم لم يحصلوا على أي ردود من المعنيين.
وأكدت زوجة المختفي قسرًا أوندر آصان أن زوجها كان يختبئ بسبب قرار الضبط والإحضار الصادر في حقه في إطار تحقيقات الانقلاب الفاشل، قائلة: “قال زوجي إنه سيذهب للنيابة للإدلاء بأقواله عقب انتهاء حالة الطوارئ. وابتعد عن المنزل حتى لا يسبب لنا القلق، ولكن كنا نلتقي من حين لآخر. وفي 31 مارس/ آذار 2017 التقينا وكان بيننا موعد للقاء مرة أخرى في اليوم التالي 1 أبريل/ نيسان ولكنه لم يظهر إلى الآن”.
وأوضحت أنها حاولت أكثر من مرة التقدم ببلاغ حول اختفاء زوجها، إلا أن السلطات رفضت استلام البلاغ؛ لأنه من المطلوبين في الأساس، لكنها قررت البحث عن زوجها حيث ذهبت إلى الموقع الذي كان يختبئ فيه مع أصدقائه حتى تمكنت من رؤيته في كاميرات المراقبة،إذ يظهر أنه يركب سيارة أجرة ثم يختفي بعدها.
وقال سائق السيارة إن ثلاثة سيارات، من بينها سيارة سوداء اللون من طراز “Transporter” استوقفته، وقالوا له إنهم من الشرطة ونزل منها 9-10 أشخاص مسلحين، ونقلوا الشخص الذي كان معه إلى السيارة السوداء خلال 30 ثانية فقط، مشيرًا إلى أنه أدلى بأقواله في مديرية الأمن بتاريخ 18 أبريل/ نيسان.
وقالت السيدة فاطمة آصان: “طلب أحد رجال الشرطة الحديث معي دون وجود المحامي. وتحدث عن البلاغات التي قدمتها في أكثر من مكان حول تفاصيل عملية اختطاف زوجي، وسألني عن كيفية توصلي لهذه المعلومات. ثم قال لي: ألا تريدين العثور على زوجك؟ لماذا إذًا تتقدمين ببلاغات إلى هنا وهناك بهذا الشكل؟!”.
وأخيرًا تلقت السيدة فاطمة آصان خبرًا من مديرية الأمن أن زوجها سلَّم نفسه إلى الشرطة في 15 مايو/ آيار 2014 أي بعد 42 يومًا من اختفائه، وأوضحت آصان أن حالة زوجها كانت متدهورة للغاية، وأنه أعرب أكثر من مرة خلال يوم محاكمته أنه يريد المحاكمة معتقلًا ولا يريد الخروج إلى الحياة من شدة خوفه، على حد تعبيرها.
ونقلت عنه قوله: “كان يجلس في غرفة لا تزيد عن 1.5-2 متر مربع دامسة الظلام، ويداه مكبلتان وعيناه مغطاتان، وتعرض للضرب في رأسه حتى فقد وعيه، وعانى من آلام في الكلى بسبب الضرب المبرح الذي تعرض له”، وأوضحت أن الغرفة التي كان فيها كان يسمع منها أصوات عمليات التعذيب.
أما تورجوت تشابان فقد أعلنت زوجته اختفائه من خلال منشور على مواقع التواصل الاجتماعي في 6 أبريل/ نيسان 2017. وأوضحت خلال لقائه مع مراسل قناة بي بي سي أن زوجها لم يكن في المنزل في الأشهر الأخيرة لأن أصدقائه كان يقبض عليهم واحدا تلو الآخر.
وقالت: “في يوم 31 مارس/ آذار كنا من المفترض أن نخرج للتنزه مع الأطفال، وأثناء ذهابي إلى المدرسة لاستلام الأطفال، فوجئت بالسيد أوندر آصان يقول لي إن زوجك اختطف في منطقة شان تابه.
وأوضحت أنها تقدمت ببلاغات لمركز الوزراء ولرئاسة الجمهورية ولجهاز الاستخبارات حول اختفاء زوجها، مشيرة إلى أن السيد أوندر آصان أيضًا اختفى بشكلٍ مفاجئ عقب نشر فيديو اختطاف زوجها على تويتر.
وأكدت أنها قامت بفحص كاميرات المراقبة في المنطقة ورأت زوجها يمر أمام أحد البيوت، إلا أن سيارة سوداء من طراز “Transporter” قطعت الطريق أمامه بسرعة كبيرة، لافتة إلى أن والي مدينة أنقرة حاول إقناعها بأن زوجها هو من اختبأ أو هرب بإرادته ولم يتم اختطافه.
أما مصطفى أوزبان، كان أحد أعضاء نقابة المحامين ويلقي محاضرات في القانون في جامعة تورجوت أوزال، واختطف في 9 مايو/ أيار الماضي، عن طريق سيارة سوداء مثل سابقتيها.
وقالت زوجته أمينة أوزبان: “خرج زوجي لإيصال ابنتنا إلى المدرسة، ولكنه لم يعد مرة أخرى. فتقدمت ببلاغات للشرطة في اليوم التالي، إلا أنهم جميعًا لم يصدقوا إمكانية اختطافه، وأنه من الممكن أن يكون قد هرب أو اختبأ في مكان ما”.
وأوضحت أنها تلقت مكالمة من زوجها في يوم 11 مايو/ أيار من رقم غريب، وسأل عن حالهاوأولادهما بصوتٍ مرتبك وقلق، ثم حدث شيء ما وأنهت المكاملة فجأة.
وأوضحت السيدة أمينة أوزبان أنها أجرت بحثًا في المنطقة التي عثرت فيها على سيارة زوجها مصطفى أوزبان بعد أن أرسلت الطفلة إلى المدرسة، مشيرة إلى أن كاميرات المراقبة في المنطقة كشفت أنه دخل إلى سوق تجاري “سوبر ماركت”، وأثناء خروجه تحركت باتجاهه سيارة سوداء من طراز “Transporter”.
وفي يوم 25 مايو/ أيار من الشهر نفسه تقدم أحد شهود العيان ببلاغات للشرطة حول واقعة اختطاف السيد مصطفى أوزبان عن طريق سيارة سوداء وأشخاص ملثمين ومسلحين.