إسطنبول (الزمان التركية) – تكتظ كتب التاريخ التركي القريب بعدد كبير من المسيرات التي أثرت في الحياة السياسية في تركيا؛ تنوعت بين مسيرات للطلاب ومسيرات اجتماعية، وأخرى لأعضاء القضاء، وأكاديميين، وفلاحين، وعمال؛ بعضها اقتصر على مدن بعينها، والبعض الآخر خرج من مدينة إلى أخرى.
وفيما يلي مقتبسات عن أشهر المسيرات التي شهدها تاريخ تركيا الحديث:
مسيرة عمال المناجم في العاصمة
اتخذت نقابة عمال المناجم قرارًا بالإضراب عن العمل في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 1990، بعد خروج مباحثات هيئة الفحم الحجري ومركز تقنيات وأبحاث المعادن والنقابة العامة للعمال مع أصحاب المشروعات بشأن توقيع عقود عمل مع 48 ألف عامل تركي، دون التوصل إلى نتائج. ورد أصحاب حقوق الامتيازات في 4 ديسمبر/ كانون الأول بغلق المناجم. وفي 14 من الشهر نفسه ترك نحو 100 ألف عامل عمله من النقابات العمالية المختلفة دعمًا لعمال مناجم زونجولداك. وفي 22 من الشهر نفسه اتخذت نقابة عمال المناجم قرارًا بتنظيم مسيرة “أنقرة”. وفي 4 من يناير/ كانون الثاني منعت قوات الأمن وصول حافلات كانت تقل عمالًا من الدخول إلى أنقرة ومدينة زونجوداك.
بعدها أعلن نقيب عمال المناجم تنظيم مسيرة سيرًا على الأقدام إلى أنقرة، وسط المناخ الشتوي القاسي. تجاوز عدد المشاركين فيها 100 ألف عامل، تعرضوا للتوقف مرتين من قبل قوات الأمن. أسفرت المسيرة عن القبض على 200 عامل. وفي 8 يناير/ كانون الثاني انتهت المسيرة بعد لقاء نقيب العمال مع الحكومة في أنقرة، قبل أن تصل المسيرة بحوالي 8 كيلو مترات.
مسيرة 15-16 يونيو/ حزيران
بدأ أعضاء اتحاد نقابات العمال الثوريين تنظيم مسيرة في صباح يوم 15 يونيو/ حزيران 1970، من أحد الأماكن الشهير في إسطنبول اعتراضًا على القانون رقم 274 بشأن العمل الجماعي، والقانون رقم 275 بشأن الإضراب والإغلاق وحرية اختيار النقابات وتغييرها.
انطلقت المسيرة من منطقة كارتال في يوم 15 يونيو/ حزيران حتى منطقة أسكودار، ثم انطلقت في اليوم التالي من منطقة جبزة إلى قاضي كوي. انتهت المسيرات بمنع وصولها إلى ميدان تقسيم، ومقتل شرطي على يد عاملين، واعتقال مديري اتحاد نقابات العمال الثوريين.
مسيرة الحفاة
أطلق 54 عامل نظافة تابعين للنقابة العامة للعمال في محافظة تشوروم بوسط تركيا، مسيرة في 27 يوليو/ تموز 1966، من أنقرة إلى تشوروم، اعتراضًا على قرار رئيس بلدية من حزب العدالة في ذلك الوقت كمال دميرال فصل 72 من العمل وتخفيض المرتبات. وفي 3 أغسطس/ آب من العام نفسه أنهى المشاركون في المسيرة بقيادة رئيس النقابة العامة للعمال عبد الله باش تُرك مسيرتهم أمام ضريح أتاتورك في أنقرة. وفي الخامس من الشهر نفسه نجحوا في الفوز بالقضية المرفوعة أمام مجلس قضايا الدولة. إلا أن رئيس البلدية لم يطبق قرار المحكمة؛ فرد العمال بمسيرة سيرًا على الأقدام حفاة في 15 أغسطس/ آب، من أنقرة إلى إسطنبول. وشهدت المسيرة اعتقالات في صفوف المشاركين.
مسيرة من أجل الاستقلال
أطلق طلاب الجامعات مسيرة في صباح 30 أكتوبر/ تشرين الأول عام 1968 تحت عنوان “الاستقلال الكامل لتركيا”. إلا أن قوات الأمن قطعت الطريق أمام المسيرة التي كان من المقرر أن تصل إلى ضريح أتاتورك في 10 تشرين الثاني/ نوفمبر، واحتجز 3 طلاب خلال الأحداث. وعلق رئيس الوزراء في ذلك الوقت سليمان دميرال على المسيرة بمقولته الشهيرة: “فليسِر الطلاب كما يشاؤون، فالطرق لا تتضرر بالسير عليها”
مسيرة مئات الآلاف ضد “الشريعة“
في 7 سبتمبر/ أيلول 1967 أثار رئيس المحكمة العليا إيمران أوكتام موجة كبيرة من الجدل بين أنصار جماعة “النوريين” عندما استخدم مقولة الفيلسوف والمفكر الفرنسي الشهير فولتير “الإنسان أيضًا خلق الله”– حاشا وكلا – خلال كلمته في حفل افتتاح العام القضائي الجديد. وفي 1 مايو/ أيار 1969 رفض أنصار الجماعة الدينية إقامة صلاة جنازة على روح أوكتام، وحاولوا مهاجمة رئيس الوزراء في ذلك الوقت عصمت إينونو. فرد الحقوقيون والمحامون، وعلى رأسهم رؤساء مجلس الدولة والمحكمة العليا وديوان المحاسبة بمسيرة اعتراضية سيرًا على الأقدام مرتدين قفطان المحاماة إلى ضريح أتاتورك. شارك في المسيرة قرابة 25 ألفا، من بينهم طلاب وحقوقيون، رافعين شعارات معارضة للشريعة.
مسيرة 555 للجيش
في 3 مايو/ أيار 1960 أرسل قائد القوات البرية جمال جورسال خطابا لوزير الدفاع في ذلك الوقت أدهم مندريس يقول له اعتراضًا على السياسات القمعية للحزب الديمقراطي الحاكم. وفي 5 مايو/ أيار من العام نفسه نظم مسيرة حاشدة شارك فيها عدد من طلاب الكليات الحربية، حملت اسما كوديا (555K)، في اليوم الخامس من الشهر الخامس في الساعة الخامسة في شارع كيزيلاي “KızılAy” الشهير في أنقرة. توجه رئيس الوزراء عدنان مندريس إلى موقع المسيرة، ولكنه تعرض للدفع والطرد من المشاركين. وفي 21 مايو/ أيار خرج طلاب الكلية الحربية إلى الشارع ونظموا “مسيرة صامتة” إلى النصب التذكاري للانتصار في أنقرة. وفي 22 مايو/ أيار أصدرت قيادة الأحكام العرفية قرارًا بمراقبة الاتصالات ومنعت التجمعات التي تزيد عن خمسة أشخاص.
مسيرة بمشاركة الطلاب والأساتذة
في يونيو/ حزيران 1970 نظم آلاف الطلاب والأساتذة بكلية الحقوق جامعة أنقرة مسيرة “احترام الدستور”، اعتراضًا على انتهاك سياسات حزب “العدالة” لأحكام ومواد الدستور. وكان من بين المشاركين عميد كلية الحقوق بجامعة أنقرة البروفيسور أوغور ألاجا كابتان، وعميد كلية الحقوق بجامعة إسطنبول البروفيسور أورهان ألدي كاتشتي، ووكيل رئيس جامعة حاجت تبه البروفيسور نُصرت فيشاك، ووكيل رئيس جامعة الشرق الأوسط التقنية أردال إينونو، وعميد كلية العلوم السياسية بجامعة أنقرة إلهان أونات، وعدد من الأساتذة الجامعيين.
مسيرة العدالة الأخيرة
وانطلقت في 15 حزيران الماضي تظاهرة حملت اسم “مسيرة العدل” من العاصمة السياسية أنقرة وانتهت في التاسع من الشهر الجاري بعد وصولها إلى محطتها الأخيرة في العاصمة الثقافية والاقتصادية إسطنبول، بقيادة زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كيليتشدار أوغلو، ودعم أوساط سياسية مختلفة، وذلك اعتراضًا على اعتقال نائب الحزب أنس بربر أوغلو بتهمة “الكشف عن أسرار الدولة”، عبر تزويد الصحافة بصور ومقاطع فيديو تكشف شاحنات تابعة للمخابرات التركية تحمل السلاح إلى المجموعات المقاتلة في سوريا بطرق غير قانونية، بالإضافة إلى الانتهاكات الحقوقية الأخرى، كقمع الإعلام واعتقال الصحفيين واعتقالات جماعية تعسفية تستهدف مواطنين عاديين.
وفي اللقاء الجماهيري الذي عقده المشاركون في مسيرة العدالة وبلغ عددهم حوالي مليوني مواطن، حسب أرقام المعارضة، أكد كيلتشدار أوغلو أن هذه المسيرة تشكل الخطوة الأولى وليست الأخيرة لعملياتهم الاحتجاجية ضد ممارسات الحكومة القمعية، مؤكدًا أن المشاركين في هذه المسيرة تمكنوا من تمزيق ونزع “قميص الخوف”، وتحطيم جدار الخوف، ملمّحًا إلى أنهم سيستمرون في هذا الطريق بأساليب شتى من الاحتجاجات، منها العصيان المدني.
وكان الرئيس رجب طيب أردوغان وصف المشاركين في هذه المسيرة بـ”داعمي الإرهاب”، وسوى بينهم وبين إرهابيي حزب العمال الكردستاني، وهدد كيليتشدار أوغلو بالاعتقال كما اعتقل مجموعة من النواب الأكراد، بالإضافة إلى أن عديدًا من الكتاب الموالين له وجهوا تهدادات بالقتل بشكل علني، منهم فاتح تزجان.