(الزمان التركية)- ظن البعض أن محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، لا يمكن كشف مدبريها الحقيقيين، لكن ماحدث بعد هذه المحاولة كشف للجميع الأهداف الحقيقية لها وهذا ما ألقى عليه الضوء الكاتب الكردي السوري نورالدين عمر بعبارة واضحة في مقاله التالي:
بعد مرور عام على مسرحية الانقلاب الفاشل في تركيا لعل الوصف الذي وضحه المتهم الاول من قبل جماعة أردوغان بتدبير محاولة الانقلاب فتح الله كولن عن تلك الليلة هو الأكثر قربا من الحقيقة، حيث قال في مقابلة أجرته معه صحيفة اليوم السابع المصرية : “… بحسب تقارير بعض المراقبين والمحللين، فإن مجموعة من القادة القوميين المتشدّدين العلمانيين دبروا تحركًا يعطى انطباعًا بأنه انقلاب ولكنه ليس انقلابًا حقيقيًا. كان الانقلاب مصمّمًا على مزاعم لتصفية عناصر الجيش من المتعاطفين معى، والتقليل من هيبة المؤسسة العسكرية فى نظر الشعب، وتقوية قبضة أردوغان على الجيش، وإحلال مليشياته ضمن المؤسسة العسكرية.”
لم يكن أمام أردوغان إلا أن يتهم مجموعتين معارضتين بتدبير الانقلاب . لأنهما حسب اعتقاده يشكلان الخطر الحقيقي على سلطته .المجموعة هم الأكراد و حزب الشعوب الديمقراطي و القوى الحليفة لهم و بشكل خاص حزب العمال الكردستاني و مسلحيه. و المجموعة الثانية هي حركة الخدمة .
و لأن المجموعة الأولى ليس لها اي مؤيدين في المؤسسة العسكرية ، باعتبار أن الأكراد دائما مبعدين عن استلام المسؤوليات و الرتب العسكرية العالية .و اتهام هذه المجموعة بتدبير انقلاب عسكري سيكون مسخرة لن يصدقها أحد .و لذلك ركز أردوغان و جماعته في حزب العدالة والتنمية على اتهام الداعية فتح الله غولن و حركة الخدمة بتدبير الانقلاب لما لهما من مؤيدين ليس في المؤسسة العسكرية فقط بل في جميع مراكز الدولة .
المجموعة الأولى اي الأكراد و حزب الشعوب الديمقراطي كانت تهمتهم جاهزة و تم التخطيط لها مسبقا و هو الارتباط و دعم حزب العمال الكردستاني. فكل كردي معارض بنظر إردوغان هو مرتبط بحزب العمال الكردستاني ، و إلا لماذا يعارض أردوغان ؟! مثلما يكون كل تركي معارض هو من جماعة فتح الله غولن! .
أردوغان لا يعتبر حزب الحركة القومية و حزب الشعب الجمهوري معارضيين حقيقيين .و ليس لديه أي خوف أو قلق من هذه المجموعتين الكلاسيكيتين.
خوفه حقيقي من حزب الشعوب الديمقراطي و من زعيمه الشاب صلاح الدين دمرتاش ،و من حركة الخدمة . و كان لا بد من التخلص منهما بطريقة ما . الاولى تدعم الإرهاب و الثانية مدبرة للانقلاب .
أعترف المسؤولون في الحزب الحاكم بأن من شاركوا في محاولة الانقلاب هم مجموعة صغيرة من الضباط .و لكن الفصل من الوظائف وصلت إلى حدود غير طبيعية ،اكثر من 150 الف شخص طالهم الفصل من الوظائف في مختلف الفروع و المجالات ، و الاعتقالات التعسفية طالت أكثر من 50 الف شخص، و كل ذلك حسب أرقام رسمية أكدتها حكومة العدالة والتنمية. أي أن الأرقام الحقيقة غير المعلنة هي أكثر بكثير .
مسرحية الانقلاب المزعومة خططت بشكل دقيق في أروقة قصر السلطان ، و اللوائح جهزت قبل الانقلاب لمن يجب فصله، و لمن يجب سجنه و اعتقاله ، و لوائح المتهمين ، و كيف يجب أن يتصرف بطل و المنقذ في ليلة الانقلاب .و كانت مسرحية ناجحة لعب فيه كل الممثلبن أدوارهم بدقة ، في لحظة صدق العالم فعلا أن هناك انقلابا حقيقيا . و لكن الأدوار بعد ليلة الانقلاب لم تكن ناجحة تماما ، فالاتهامات المفبركة و الجاهزة و التي لا تستند إلى أي دليل ، و حملة الاعتقالات التعسفية التي شملت المجتمع بكامله و إغلاق القنوات الإعلامية بالعشرات .و فرض حالة الطوارئ ، و كتم أفواه كل المعارضين كشف أسرار المخطط أكثر، فالمعارضة بجميع أطيافها و مجموعاتها أدانت الانقلاب و وقفت في وجه الانقلابيين المزعومين ، فلماذا الاعتقالات ركزت على المعارضين الذين ليس لهم أي علاقة بالانقلاب لا من قريب و لا من بعيد ؟! . إذن الغرض من مسرحية الانقلاب هو ضرب المعارضة و أضعافها و وضع كافة مؤسسة الدولة السياسية و الأمنية و العسكرية و المدنية تحت سلطة حزب واحد ، بل تحت سلطة شخص واحد .
بالحقيقة هناك العديد من الملفات، ليس فقط ملف الانقلاب فقط ، بل العديد من الملفات الأخرى في عهد حكومة العدالة والتنمية بحاجة إلى تحقيقات محايدة و مستقلة لكشف الفظائع و الجرائم و الأساليب التي استخدمها أردوغان و مجموعته لاغتصاب السلطة بطرق ملتوية و اللجوء إلى الأكاذيب و الخداع و شراء الذمم و إحلال ميليشياته في كل مؤسسات الدولة. و كل أسرار و خفايا الانقلاب العسكري المزعوم سيأتي يوم و ينكشف كل أسرارها للرأي العام . و من أجل ذلك اليوم فإن كل القوى الديمقراطية مدعوة للوقوف في وجه هذه السلطة الدكتاتورية و تغيرها رغم أنها لن تكون مهمة سهلة و تحتاج إلى تضحيات جسيمة و نضال دؤوب
.