إسطنبول (الزمان التركية) – يومًا بعد يوم تنتشر في تركيا بذور الكراهية والعداوة بين أفراد الشعب مثل النار في الهشيم، بالتوازي مع الخطاب الذي يستخدمه كبار المسؤولين، في مقدمتهم الرئيس رجب طيب أردوغان، والذي يشكل جريمة، سواء بحسب الدستور التركي أو القانون الدولي أو الشريعة الإسلامية، بحيث وصل الأمر إلى درجة اقتراح “أفضل الطرق في قطع الرؤوس والإعدام والقتل”.
فقد نقل موقع “Haber7” المقرب من الرئيس أردوغان عن الكاتب الصحفي مراد بارداكجي مقاله حول “طرق القتل والإعدام في الدولة العثمانية ضد المتورطين في عمليات عصيان”، مشيرًا إلى إمكانية تنفيذها على المتهمين في إطار تحقيقات ما يسمى بمحاولة الانقلاب الفاشل وحركة الخدمة.
ونشر الموقع الخبر على صفحاته على الإنترنت تحت عنوان: “أفضل طرق قتل وإعدام أعضاء منظمة فتح الله غولن… موجودة في الدولة العثمانية”، مشيرًا إلى اقتباس تلك المعلومات من مقال الكاتب الصحفي مراد بارداكجي، الذي تناول “طرق القتل والإعدام في الدولة العثمانية ضد المتورطين في عمليات عصيان” دون الربط بينها وبين المتهمين في إطار تحقيقات حركة الخدمة، إلا أن الموقع قام بربط علاقة بين الماضي والحاضر، وطالب بتطبيق هذه الأساليب اليوم أيضًا.
ونقل الموقع عن بارداكجي قوله في مقاله: “في القرن السابع عشر كانت الدولة العثمانية تعاقب من يرفعون رايات العصيان أو يقفون في وجه السلطة ويرفعون السلاح في وجه الدولة، من خلال “الخطافات” الموجودة في منطقة أمين أونو في إسطنبول. يبدأون في الوفاة رويدًا رويدًا أمام المارة وأهالي المنطقة”.
وتابع الموقع: “لنعد الآن إلى الماضي، وبالتحديد في القرن السابع عشر،ونستحض في أذهاننا كيف كانت الدولة العثمانية تعاقب من يرفعون رايات العصيان أو يقفون ويرفعون السلاح في وجه الدولة:كانت إجراءات التحقيق والمحاكمات وغيرها تتم بسرعة ونجاح، ثم يتم معاقبتهم من خلال “الخطافات” الموجودة في منطقة أمين أونو في إسطنبول. يبدأون في الوفاة رويدًا رويدًا أمام المارة وأهالي المنطقةالذين كانوا يسارعون لمشاهدة عمليات الإعدام”.
ثم انتقل الموقع إلى الوقت الحاضر وقال: “أمَّا في قرننا الحالي، فقد تحدث الرئيس رجب طيب أردوغان عن إعدام أعضاء منظمة فتح الله غولن… في تركيا، وفرض زي موحد عليهم داخل السجون وأثناء عرضهم على المحاكم، مثلما يحدث في معتقل غوانتنامو الأمريكي”.
تأتي هذه الأخبار في أعقاب كلمة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التي ألقاها بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لمحاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها البلاد في منتصف شهر يوليو الماضي، والتي أعلن فيها عن اعتزامهم فرض زي موحد على المعتقلين من حركة الخدمة، كما هو الحال في معتقل غوانتنامو، وأكد أيضا استعدادها للتصديق على قانون الإعدام حال المصادقة عليه في البرلمان التركي.
يذكر أن السجون التركية تكتظ بالمعتقلين بتهمة الانتماء لحركة الخدمة والذين وصل عددهم إلى أكثر من 50 ألف معتقل، حسب البيانات الأخيرة من وزارة الداخلية التركية.
لافتة جريمة الانتماء إلى حركة الخدمة!
يذكر أن عددا لا يستهان به من المراقبين والمحللين من الداخل التركي وخارجه يرون أن أجهزة الأمن والقضاء التركية، التي تضم موظفين من كل الانتماءات والإيدولوجيات، لما كشفت في عام 2013 عن ممارسات الفساد والرشوة الكبيرة التي تورط فيها أربعةُ وزراء ومجموعةٌ من الموظفين ورجال الأعمال، بات أردوغان، الذي كان رئيس الحكومة آنذاك، في موقف حرج جدا بحيث شعر بالحاجة إلى “لافتة جاهزة” ليَصِم بها الكاشفين عن هذه الممارسات، من أجل إنقاذ حكومته ووزرائه ورجاله. ويشيرون إلى أنه اختار حركة الخدمة لتكون “كبش الفداء”، مرجعين سبب ذلك إلى أن هذه الحركة كانت الوحيدة “القابلة” التي يمكن حملها هذا الحجم من “الاتهامات” كالانقلاب والسيطرة على الحكم في تركيا بل العالم كله، وكان إقناع الرأي العام بهذه الأطروحة أسهل بكثير من الأطروحات الأخرى؛ نظرا لأنها تتمتع بقوة ونفوذ ليس في تركيا فقط بل في جميع أرجاء العالم من خلال مؤسساتها التعليمية والخيرية والإغاثية، فاستحدث جريمة نمطية تحت مسمى “الانتماء إلى حركة الخدمة” لإلصاقها بكل معارض له وتصفيته بكل سهولة ويسر. وهذه الأطروحة تلقتها بالقبول شريحةٌ كبيرة من مؤيدي أردوغان وعدد ليس بالقليل من المدارس الفكرية الأخرى بفضل آلة الدعاية العملاقة الرسمية.
والواقع أن أردوغان اعتبر تحقيقات الفساد والرشوة “محاولة انقلاب”، يقف وراءها ما أسماه “الكيان الموازي”، في إشارة منه إلى حركة الخدمة، ومن ثم أطلق حملة موسعة ضد كل قيادات الأمن والقضاة المشرفين على تحقيقات الفساد المذكورة، واعتقل أو أقال عشرات الآلاف منهم بتهمة انتمائهم إلى هذه الحركة، دون النظر إلى الفوارق الإيدولوحية بينهم، وذلك بعد أن أعاد تصميم أجهزة الأمن والقضاء والقضاء الأعلى وأخضعها لإرادته تماما.
وفي هذا الإطار أمر أردوغان السلطات بالاستيلاء – قبل الانقلاب – على كل من مجموعتي “إيباك” و”فضاء” اللتين كانتا تضمّان أكثر الصحف مبيعةً وقراءةً في تركيا كصحيفة زمان وبوجون، وفرض حراسة قضائية على شركات اقتصادية ومؤسسات تعليمية بنفس التهمة وهي الانتماء لحركة الخدمة، الأمر الذي أدانه كل المؤسسات الإعلامية المحلية والدولية ومنظمات حقوق الإنسان، وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي والمنظمة الدولية للصحافة والإعلام ومنظمة “مراسلون بلا حدود” وغيرها، معتبرة إياه عملية غير قانونية تستهدف تضييق الخناق على حرية الصحافة ومنعها من الرقابة على ممارسات الحكومة باسم الرأي العام.
ولما وقع الانقلاب الفاشل الذي بدأ زعيم المعارضة وكثير من الكتاب العلمانيين يصفونه بـ”الانقلاب تحت سيطرة أردوغان”، أطلق الرئيس أردوغان حملة مضادة في صبيحة ليلة الانقلاب أسماها المعارضون “انقلابا مدنيا مضادا”، أطاح في إطارها بكل القادة في المؤسسة العسكرية التي هي العلمانية والكمالية في جوهرها، وأعضاء القضاء الأعلى المنتمين إلى تيارات مختلفة، بفضل التهمة ذاتها (الانتماء لحركة الخدمة)، سواء شاركوا في الأحداث أم لم يشاركوا، وكانوا منتمين إلى الحركة أو لم يكونوا على أي صلة بها.
وفي الوقت الذي كانت أحداث الانقلاب الفاشل ساخنة، خرج الرئيس أردوغان على الشارع المحلي والدولي معلنا فتح الله غولن “العقل المدبر” لهذا الانقلاب، مع أنه وصفها بـ”لطف وهدية من الله”، لأنها فرصة جميلة لتصفية أجهزة الدولة من العناصر غير المرغوبة فيها، وفق تعبيره، فأطلق في صبيحة تلك الليلة حركة تطهير وتصفية غير مسبوقة في أجهزة الدولة كافة، بل شملت القطاعات الخاصة أيضا، أسفرت عن فصل 134 ألفًا و194 موظفًا، واحتجاز 95 ألفًا 458 شخصًا، وحبس 50 ألفًا و510 شخصًا، بينهم 17 ألف امرأة و560 رضيعًا مع أمهاتهم، وإغلاق ألفين و99 مؤسسة تعليمية، ما بين جامعة ومدرسة وسكن طلابي، وطرد 7 آلاف و317 أكاديميًّا، وإقالة 4 آلاف و317 من أعضاء القضاء، ما بين مدع عام وقاض، وإغلاق 149 مؤسسة إعلامية، بينها 16 قناة تلفزيونية، و24 إذاعة، و63 صحيفة، و20 مجلة، واعتقال 231 صحفيًّا من شتى الاتجاهات، إضافة إلى الاستيلاء على 965 شركة خاصة في 43 مدينة، بينها مؤسسات خيرية وإغاثية.
وتتهم المعارضة التركية والتقارير الدولية الصادرة من أجهزة المخابرات البريطانية والألمانية والأوروبية (مركز الاستخابرات في الاتحاد الأوروبي) الرئيس أردوغان باستخدام تهمة “الانتماء إلى حركة الخدمة” كذريعة في مساعيه الرامية إلى إعادة ترتيب أجهزة الأمن والقضاء وتصميمها مجددًا وفق أهدافه، من خلال توظيف تحقيقات الفساد والرشوة، بعد أن كشفت تلك الأجهزة القناع عن فساد حكومته؛ وكذلك المؤسسة العسكرية من خلال استغلال محاولة الانقلاب بعد أن رصدت تلك المؤسسة علاقات حكومته المشبوهة مع المجموعات المتطرفة والإرهابية كتنظيم داعش في سوريا.