(الزمان التركية)- يقول الباحث المصري في الحركات الإسلامية الشربيني محمد شريدة على صفحته في الفيسبوك: في العام الماضي كتبنا مدفوعين بما قد عرفناه مسبقا من صدام ونزاع بين الخدمة وأردوغان عن انقلاب الخدمة واعتقدنا أن الخدمة قد واصلت عداءها مع الرجل إلى الحد الذي لا رجوع بعد.
نعم تحاملنا على الخدمة تحاملا شديدا أمام سطوة المنطق الإعلامي والصورة التي رأيناها على الشاشات ليلة الانقلاب المزعوم لكنني أقسمت منذ البداية أن أكون موضوعيا لا أحيد وأن أكتب من أجل الحق والحق فقط وقلنا الكثير منتظرين دلائل الإدانة الدامغة التي وعد أردوغان بتقديمها والتي سوف تظهر للعالم كله أن الخدمة حركة باطنية مأجورة تعمل لصالح المخابرات الغربية وتريد أن تقوض السلم والأمن الاجتماعي في حاضرة الإسلام العامرة تركيا
كان العمل الانتقامي من أجهزة الأمن والبوليس ضد من سموا بالانقلابيين في الأيام الأولى بعد الانقلاب يبدو مبررا إلى حد بعيد فالدولة على شفا جرف هار والنظام كله ومعه المجتمع معرضون للانهيار التام والدخول في أتون فوضى عارمة ستؤدي لا محالة إلى شق البلد وتمزيقه خاصة أنه يقع في محيط ملتهب ومشتعل منذ أكثر من 5 أعوام وتحيط النار به من كل جانب في العراق وسوريا وأرمينيا والشرق الأوسط كله
وتمر الأيام ونحن ننتظر أن يدلي النظام بدلوه وينتصر على أعدائه الانقلابيين بالمزيد من الحرية والديمقراطية التعاونية ونشر الحب وإزالة أسباب الخلاف بينه وبين مكونات المجتمع .. لكن طال انتظارنا وخاب ظننا
فكلما مر الوقت تأكد لدينا أن روح التشفي والانتقام لدى النظام الحاكم والذي رسخ لنفسه في الأجهزة السيادية والتنفيذية في البلاد وأقام شبكات من الموالين في كل مكان والمعينين على أساس الولاء لا الكفاءة في كل الدوائر كانت في أعتى درجات الفجور في الخصام والبطش.
لقد قدم مئات الآلاف إلى المحاكمات الصورية دون دليل دامغ على إدانتهم بالاشتراك في الانقلاب
وبدأت تظهر المضحكات المبكيات في القصة الأردوغانية والتي جعلتنا ننقلب الانقلاب الكبير في موقفنا من أردوغان.
فمجرد ظهور أحد أبناء الخدمة مثلا بجوار ثكنة عسكرية والتقطته بعض كاميرات المراقبة فيها اتخذ دليلا على انقلاب الخدمة وصار الإعلام الأردوغاني الذي تخطى الحدود التركية هذه المرة يروج لهذا كأنه فتح وأن الدلائل ستسقط من السماء علينا كالمطر بعد ذلك على إدانة الخدمة “وهذه من المضحكات”
ثم منظر سيدات وعجائز الخدمة اللائي ساقوهن إلى مراكز التحقيق وقيدن المريضات المرضعات منهن في الأسرَّة بلا رحمة والشباب الأَكفاء الذين اتهموا بالمشاركة في الانقلاب في مشاهد مفزعة لم يعتد مجتمع متحضر وإنساني كتركيا عليها حتى في ظل الحكم العسكري الاستبدادي “وهذه من المبكيات”
وتتوالي الكوميديا فبدأت العقول تسخر وتتراكم التراجيديا فبدأت القلوب تتصدع حتى ضجت في ليلة ذكرى الانقلاب بضرورة مراجعة الموقف من أردوغان والخدمة والسير على نفس العهد الذي سرنا عليه منذ اللحظة الأولى وهو الحق والحق فقط.
قمت بمراجعة موقفي كاملا فوجدت أن كل ما كان منا في العام المنصرم من اتهام للخدمة وتطاول عليها كان نابعا من معرفة مسبقة بأن الخدمة ليست حركة سياسية ولا ينبغي لها وأنها بلغ بها الغرور بأن تطلعت إلى قيادة المجتمع التركي على المستويين الاجتماعي والسياسي ولم نلتفت إلى إصرار أبناء الخدمة وقسمهم المتكرر لنا بأنهم ليسوا سياسيين ولن يكونوا ولكن السياسيين من أبناء الحزب وبتوجيه من أردوغان هم الذين بدأوا المعركة بمحاولاتهم المتكررة إزاحة الخدمة من قيادة المجتمع التركي وإحلال مؤسسات مشبوهة ومشوهة محل الخدمة ومؤسساتها والتي لولاها لما تحقق الازدهار والرفاهية التي تعيشهما تركيا اليوم وكان إصرارنا على تكذيبهم كبيرا.
لكنني اليوم أعلن تصديقي التام لما كنت قد كذبته من قبل.
فالخدمة لم ولن تكون حركة سياسية رغم قدرتها وإمكاناتها الهائلة والدليل الدامغ على ذلك أن استفزازات الحزب وأردوغان لها على مدار أعوام الأزمة لم تدفعها إلى تكوين جبهة سياسية معارضة ولا حزب سياسي متجذر مناوئ للحزب الحاكم ولم يجبرها فجوره في الخصام واتهامه لها بكل نقيصة إلى الانزلاق إلى دائرة العنف وتدمير السلم الأهلي كما فعلت وتفعل إلى اليوم جماعات أخرى في البلاد العربية .
ثم نعود ونؤكد أن صمود الخدمة الأسطوري أمام الهجمات التي طالتها أفرادا ومؤسسات وأفكارا في تركيا والعالم كله كان نبراسا قويا أظهر لنا شمس الحقيقة والتي عجز أردوغان وحزبه وبوليسه وأجهزته وقضاؤه أن يظهرها لأي مهتم بالشأن التركي في العالم وظل يناور ويكذب ويتحرى الكذب معتمدا على ما تبثه الدعاية المدفوعة الأجر في بلادنا العربية الموبوءة بهم وبغبائهم المتمكن العصي على العلاج
للحق لا للخدمة نقول أننا أخطأنا
للحق لا للخدمة نقول إن الحركة المباركة “حركة الخدمة” هي تاج رأس الحركات الإسلامية وغرتها المحجلة ودرتها الفريدة لما أبدته منذ اليوم الأول للانقلاب المزعوم إلى اليوم من رباطة جأش وقدرة على امتصاص الصدمات وصبر لا يتوافر إلا عند أولي العزم من الرسل وجماعاتهم في القصص الحكيم
للحق لا للخدمة نبرئ أنفسنا من اتهام حركة الخدمة بالضلوع في الانقلاب المزعوم أو الاشتراك فيه أو التحريض على عنف أي عنف ولو بالكلمة يكدر صفو المسلمين والمسالمين من أبناء الشعب التركي وندعو كل من تطاول على الخدمة أو تجنى عليها أن يراجع موقفه ويخبرنا بما لديه من أدلة إدانة ويتحاور معنا بالحكمة والموعظة الحسنة دون أن يتبع سبيل المجرمين الذين يستلذون طعم الطعن في الأعراض والغدر والخيانة