تقرير: محمد عبيد الله
نيويورك (زمان التركية) – أصدرت منظمة العفو الدولية “أمنيستي” يوم الخميس الماضي تقريرًا سلطت فيه الضوء على “المظالم” التي نتجت عن ممارسات النظام التركي بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان خلال الفترة التي طبقت فيها حالة الطوارئ التي أعلنت بزعم التصدي لمحاولة الانقلاب الفاشلة في 15 تموز / يوليو 2016.
وكشف معطيات رسمية عن خضوع 402 ألف شخص لتحقيقات جنائية، واعتقال ما يقارب 80 ألفا، بينهم 319 صحفيًا، وإغلاق 189 مؤسسة إعلامية، وفصل 172 ألفا من وظائفهم، ومصادرة 3003 جامعات ومدارس خاصة ومساكن طلابية، وأكثر من ألف شركة منذ الانقلاب الفاشل.
ووصفت منظمة العفو في تقريرها الذي حمل عنوان “عمليات فصل غير قابلة للرجوع: لا يوجد حل فعال للموظيفن المفصولين من القطاع العام” مبادرة السلطات التركية إلى فصل عشرات الآلاف من موظفي القطاع العام بـ”التعسفية”، وعزت سبب ذلك إلى أن الحكومة التركية لم يكن بمقدورها اتخاذ هذه القرارات لو لم تلغِ العمل بالقانون المطبق وتعلنْ قانون الطوارئ في البلاد.
تركيا استحدثت جرائم للفصل من العمل!
ولفت تقرير المنظمة أيضًا إلى أن الحكومة التركية استحدثت “جرائم” لم تكن محظورة دستوريًّا وقانونيًّا لكي تتمكن من تنفيذ عمليات الاعتقال الواسعة والفصل الجماعي الذي طال مئات الآلاف، مؤكدًا أنها استخدمت إجراءات، مثل إيداع الأموال في بنك معين، أو العضوية في نقابات معينة، أو تحميل تطبيق معين للهواتف الذكية، كدليل على وجود “صلة” بجماعات “إرهابية”، دون أي دليل إضافي على هذه الصلة أو أدلة على ارتكاب مخالفات.
انقر لتحميل التقرير باللغة الإنجليزية
ووجهت المنظمة انتقادات لاذعة إلى الحكومة التركية بسبب عدم وجود آلية فعالة للطعن في قرارات الاعتقال والفصل، إذ نوهت بأن لجنة التحقيق في قرارات حالة الطوارئ، التي شكلتها في يناير/ كانون الثاني 2017 جراء الضغطوط الشعبية ومطالبات المنظمات الحقوقية المحلية والدولية والأحزاب المعارضة، غير مؤهلة لهذا الغرض. ثم تابعت بقولها: “إن الأطباء والشرطيين والمدرسين والأكاديميين وعشرات الآلاف من موظفي القطاع العام المفصولين بدعوى الصلة بالإرهاب لم يتم إعادتهم لمناصبهم أو تعويضهم، ولا تعمل اللجان التي شكلت من أجل تقييم قرارات الفصل والإبعاد وفق أهدافها”.
وفصلت منظمة العفو الدولية قائلة إن الأشخاص الذين يقدمون طلبات إلى هذه اللجنة لإعادة النظر في القرارات الصادرة بحقهم يواجهون تصرفات تعسفية، مثلما قدمت لهم السلطات القضائية من قبلُ مبررات عامة لفصلهم دون ذكر أي جريمة محددة، وهو الأمر الذي لا يتوافق مع الدستور والقوانين.
ووجهت المنظمة سهامها إلى لجنة التحقيق الحكومية في قرارات الفصل قائلة: “اللجنة لم تصدر قرارها حتى اليوم إلا في 36 ألف من أصل 125 ألف شكوى رفعت إليها، فضلا عن أنها لم تتخذ قرارا بإعادة المتظلمين من قرارات الفصل إلى مناصبهم إلا 2.300 شخص فقط وذلك حتى الخامس من أكتوبر/ تشرين الثاني هذا العام، وهو الرقم الذي يساوي 7٪ من الموظفين المفصولين بقرارات تعسفية”.
العودة إلى العمل بمنصب أدنى
كما أشار التقرير إلى أن الموظفين العامين المحظوظين بالعودة إلى العمل مرة أخرى تعينهم السلطات في كثير من الأحيان في مناصب أدنى من المناصب التي كانوا يشغلونها قبل أن تطالهم مقصلة الفصل والإبعاد للنظام التركي بقيادة أردوغان، مشددًا على أن “اللجنة المسؤولة عن مراجعة القرارات فشلت في الالتزام بالمعايير الدولية وهي تعمل كأداة مطاطية للقرارات المعيبة الأولية، والعملية برمتها إهانة مخزية للعدالة، وذلك بسبب افتقارها للاستقلالية ولا تفيد إلا في تأييد قرارات الحكومة”.
وأكدت منظمة العفو الدولية أيضًا أن حوالي 130 ألف موظف في تركيا ينتظرون أن تتحقق العدالة بحقهم بعد فصلهم من مناصبهم بصورة تعسفية قبل أكثر من عامين. وقال أندرو جاردنر، مدير استراتيجية الأبحاث والدراسات في منظمة العفو الدولية بتركيا: “لا يزال عشرات الآلاف ممن خسروا وظائفهم وتدمرت حياتهم العائلية بسبب إقدام السلطات إلى إلصاقهم بوصمة الإرهاب في انتظار العدالة”.
جدير بالذكر أن تقرير منظمة العفو الدولية تزامن مع اعترافين خطيرين للغاية بشأن محاولة الانقلاب الفاشلة، جاء الأول من الكاتب الصحفي في جريدة “يني عقد” الموالية للحكومة “نور الدين فيرين”، حيث أكد أن الرئيس أردوغان استدعاه من سجن “كيركلاريلي” واستضافه في القصر الرئاسي عام 2015 بحضور وزير العدل السابق والمستشار الرئاسي الحالي بكر بوزداغ، ولفت إلى أنه قدم لهما تقريرًا خطيًّا مؤلفًا من 6 صفحات كشف فيه بالأدلة والوثائق عن وجود استعدادات داخل الجيش للانقلاب على الحكومة.
أما الاعتراف الثاني فجاء على لسان رئيس حزب المركز المنتمي إلى التيار الإسلامي وأستاذ القانون في تركيا “عبد الرحيم كارسلي”، إذ شدد على أن السلطات تلقت تنبيهًا مبكرًا حول الاستعداد للانقلاب العسكري، لكنها لم تهتم بالأمر، وتابع: “لقد عثرت على نسخة من ملف الشكاية المقدمة إلى النيابة العامة بإسطنبول (..) حيث يوثق المشتكي بالوثائق والمستندات معرفة المسؤولين في الدولة بالتحركات قبيل المحاولة الانقلابية”.
وإذا أضفنا هذين الاعترافين الصادمين إلى الاعترافات السابقة في هذا الصدد، فإن وصف “الانقلاب المدبر” الذي أطلقته المعارضة التركية، وفي مقدمتها أكبر الأحزاب المعارضة “الشعب الجمهوري”، على أحداث محاولة الانقلاب الفاشلة، يكون هذا التوصيف أقرب إلى الواقع من الرواية الرسمية التي يقدمها الرئيس أردوغان لتفسير تلك الأحداث.
جدير بالذكر أن السلطات التركية في محاولة لإيجاد “الصلة الخارجية” المزعومة لانقلاب 2016، اعتقلت قبل عامين القس الأمريكي أندرو برانسون الذي يعيش في تركيا منذ عقود، لكي تستخدمه كدليل وأداة لإقناع الرأي العام بوقوف الولايات المتحدة وراء حركة الخدمة المتهمة بتدبير الانقلاب، لكن كل هذه المزاعم سقطت مع رحيل القس إلى أمريكا منتصف الشهر الماضي بعد الإفراج عنه.