بقلم: مايسترو
نستدعي من ذاكرة التاريخ أن أحد الإرهابيين من مؤسسي الجماعة الإسلامية في مصر، شارك مع آخرين في الهجوم على مديرية أمن أسيوط عام 1981 صباح يوم عيد الأضحى، وأسفر الهجوم عن استشهاد 118 عنصرا من العاملين بالمديرية، وتم ضبطه بعد إصابته بثلاث طلقات وتم إسعافه، وقـُـدم للمحاكمة وحكم عليه بالسجن المؤبد، ثم أفُرج عنه بعفو رئاسي عام 2012، بعد ما يقرب من تسع وعشرين عاماً، وظل هذا الإرهابي بعد الإفراج عنه يفتخر بجرائمه الإرهابية؛ فصرح خلال لقاء إعلامي على إحدى القنوات الفضائية في يوليو 2013 بأن قتل ضباط الشرطة في حادثة أسيوط عام 1981 كان شرفاً له لن يندم عليه أبداً؛ بل وأصبح ثرياً بعد الإفراج عنه فأين حقوق المضرورين.. ؟! وهرب هذا الإرهابي من مصر بعد ثورة 30 يونيو 2013، وظل حتى تاريخ كتابة هذه السطور متنقلاً بين قطر وتركيا، حيث وفرت الدولتان ملاذات آمنة للإرهابيين.
ولعل تتبع ملكيات الإرهابيين نراه هدفاً للنيل من قدراتهم المالية، ولتوفير المزيد من الضمانات لاستيفاء المضرورين من الجرائم الإرهابية لحقهم في الحصول على التعويضات المناسب لما لحقهم من أضرار، وكذا استيفاء الدولة لحقها في الغرامات والتعويضات أيضاً. ولنتفق بداية على مبدأ يحكم تتبع ملكيات الإرهابيين مقتضاه « أموال الإرهابيين ليست أعـز من حرياتهم أو حقهم في الحـياة». هذا ونقصد بالتتبع أن يناط بالأجهزة القضائية والتنفيذية المعنية متابعة الذمم المالية للمحكوم عليهم في الجرائم الإرهابية المقضي فيها بعقوبة الغرامة أو التعويض أو كليهما، ولم تنفذ على المحكوم عليهم، فالقاعدة وفقاً لغالبية قوانين مكافحة الإرهاب أن العقوبات الجنائية المقضي بها بشأن جرم إرهابي لا تسقط بمضي المدة؛ فذهبت المادة 52 من القانون المصري رقم 94 لسنة 2015 بشأن مكافحة الإرهاب؛ إلى أنه ” لا تنقض الدعوى الجنائية في الجرائم الإرهابية ولا تسقط العقوبة المحكوم بها فيها بمضي المدة “؛ وهكذا ذهبت المادة 25 من القانون البحريني لحماية المجتمع من الجرائم الإرهابية. ونقترح لمزيد من الفعالية لتتبع هذه الأموال؛ إجراء تعديل تشريعي مقتضاه : النص على عدم سقوط حق المضرور بالحصول على التعويض الجابر للأضرار الناشئة عن جرم إرهابي؛ كما هو الحال في الغرامات، ليظل الإرهابي المحكوم عليه ملتزماً بدفع التعويضات متى أصبح قادراً.. بل وتظل تركته محملة بهذه الديون، إنفاذاً لقاعدة ” لا تركة إلا بعد سداد ديون “.
ونرى أن يُكلف المشرع النيابة العامة والسلطات التنفيذية المعنية بمتابعة الذمة المالية للإرهابي المحكوم عليه بتتبع أمواله وتركته، وفق منظومة تتبع الملكيات لاقتضاء تلك التعويضات والغرامات، ثم تتولى النيابة العامة إبلاغ الجهات المعنية ببيانات المحكوم عليه الخاضع للإفادة عن أي تغيير يطرأ على ذمته المالية أو تركته فتُخطَر به فوراً، ولعل أهم تلك الجهات : أـــ السجلات العقارية أياً كانت تبعيتها. ب ـــ البنك المركزي. ج ـــ هيئة سوق المال. د ـــ الجهات الخاصة بقيد السجلات التجارية. وـــ جهاز حصر الملكيات الزراعية.. وغيرها من الجهات المعنية. وفور رصد أي تغير يطرأ على الذمة المالية للإرهابي فتتولى النيابة تتبع هذا الأمر وفقاً لما تراه مناسباً لتنفيذ أحكام التعويضات والغرامات المقضي بها.
وجدير بالذكر أن الإرهاب لا ينطبق فقط على أفعال التنظيمات الإرهابية كداعش أو القاعدة وبوكو حرام والإخوان المسلمين.. وغيرهم؛ فهناك ما يطلق عليه ” إرهاب السلطة ” والمقصود به الأفعال التي ترتكبها سلطات دولة ضد مواطنيها ــ كما هو الحال في تركيا الآن ــ وينطبق على تلك الأفعال عناصر تعريف الإرهاب، ويحتمي مرتكبوا هذه الجرائم بسلطات مناصبهم.. ولما كانت الجرائم الإرهابية لا تنقضي الدعوى الجنائية فيها ولا تسقط العقوبات المقضي بها بمضي المدة، لذا فسيظل مرتكبي الجرائم الإرهابية من الحكام المارقين مهددين بالمساءلة القانونية ليس فقط بعقوبات جنائية سالبة للحرية، بل أيضاً سيظلوا مهددين بتعقب ذممهم المالية لإقتضاء ما عسى أن يُحكَم به من غرامات وتعويضات.