وعندما ننظر إلى المسألة من هذه الزاوية، يتعذر القول بأن ثمة قيمة موضوعية لبشارات الرؤى أو إنذاراتها إيجابيةً كانت أم سلبيةً، فلا تُقبل دليلًا أو حجة ملزمة، والمقبول هنا أن في موافقة الرؤى للشرع الشريف وملاءمتها رسائلَ خاصة للرائي وقيمةً مالم تُعارض الكتاب والسنةَ وإلا فلا.
ولنَفترض أن إنسانًا تيسَّر له أداء فريضة الحج فلم يحجّ لأنه رأى رؤيا أَنْ لا تحجَّ، فهذا باطل قطعًا؛ فرؤياه هذه ليست دليلًا أو مستندًا شرعيًّا ألبتة؛ لأن فريضة الحج ثابتة بالكتاب والسنة، ويلزم كلَّ من وجد إليها سبيلًا أداؤها، وأعذار ترك الحج محددةٌ مبينة في كتب الفقه المستمدة من الكتاب والسنة، ولو أن إنسانًا رأى رؤيا بل مائة رؤيا خلافَ هذا، فلا قيمة َلها وعليه العمل بالأحكام الفقهيَّة.
والذي يمكن أن يُسلَّم به هو أن الرؤى موجِّهة لمن يراها فحسب في المباحات؛ ويستحيل القول بأن للرؤيا وزنًا يساوي حكمًا استنبطه المجتهدُ من الكتاب والسنة النبوية…
واستغلالُ الرؤى لإلزام الآخرين بشيءٍ ما خطأٌ فادح أيضًا، ومعناه معارضة النصّ حتمًا؛ والذي يمكن أن يُسلَّم به هو أن الرؤى موجِّهة لمن يراها فحسب في المباحات؛ ويستحيل القول بأن للرؤيا وزنًا يساوي حكمًا استنبطه المجتهدُ من الكتاب والسنة النبوية…
وما قلته في العمل بالرؤى ينطبق عندي على غيرها من طرق الاتصال بعالم الملكوت:
من ذلك أنه قد يتمثل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنسان فيلتقي به، ومن باب المحال نفرض أنه قال له أمرًا يخالف الموازين الشرعية -هذا فرضٌ محال وأجدني أرتجف وأرتعش من ذكره-فلا يجوز له العمل بقولٍ يعارض الموازين الشرعية، وليس له أن يعدّ لقاءه برسول الله حجّة ودليلًا. أجل، إن تعظيم سيد الأنبياء صلوات ربي وسلامه عليه وتوقيره مسألةٌ، وكون سنته حجّةً ودليلًا واتباع حياته ونبوّته مسألةٌ أخرى، وإنما اخترْتُ رسول الله مثالًا ليشمل الحكمُ مَنْ سواه بطريق الأَوْلى، أي لو تمثل الأنبياء حقيقةً لإنسانٍ ما، وكذا الأولياء فالحكم لا يتغير، بل يتبع الرائي الضوابط الشرعيّة دون سواها ويبني عليها.
بقلم/ فتح الله كولن
المصدر: موقع فتح الله كولن