بقلم: هيثم السحماوي
(زمان النركية)دفعني لكتابة هذا المقال تعليق إحدى القارئات الفاضلات للمقالين السابقين، والذي كان أولاهما بعنوان (اللي حضر العفريت يصرفه) والثاني الذي كان بعنوان (دور الأمم المتحدة تجاه أفغانستان ) اللذين كتبا تعليقا على الأزمة الأخيرة التي يهدد خطرها العالم أجمع والمتمثلة في وصول طالبان للحكم بأفغانستان.
وكان التعليق كالآتي (حضرة الكاتب الذي أحرص دوما على قراءة كتاباته التي تحمل فكرا عميقا بأسلوب بسيط، وإحساسا صادقا بمحبة الآخر واحترامه والرغبة في إصلاح العالم، تحدثتم في مقالكم الأول عن أزمة أفغانستان وعن دور أمريكا في الأزمة ومسؤوليتها، وأعقب ذلك مقالا آخر عن دور الأمم المتحدة، فسؤالي هل هناك فرق بين الاثنين؟!!)
وهنا بداية أشكر حضرة القارئة، وأنا أسعد كثيرًا بمثل هذه التعليقات التي تحمل وجهة نظر ورؤى وبخاصة إذا كان الرأي الذي تعبر عنه مختلفا عن وجهة نظر الكاتب، فتبادل الآراء خير معلم كما قال أفلاطون.
ولقد ذكرني هذا التعليق بموقف حدث مع الأمين السابق لمنظمة الأمم المتحدة المصري الدكتور بطرس بطرس غالي فبينما كان يتحدث في أحد المرات في منظمة الأمم المتحدة، وقال أرحب بكم في الولايات المتحدة ثم اعتذر وقال اقصد الأمم المتحدة).
كان ذلك ذكاء شديدا من حضرة الأمين العام حينذاك المصري الدكتور بطرس غالي رحمه الله، لخص فيه أحد أهم المشكلات الكبرى التي تواجه المنظمة، ومثل هذه الآراء الحيادية والموضوعية هي التي أدت في النهاية إلى أن تكون أمريكا هي الدولة الوحيدة التي اعترضت على التمديد له لولاية ثانية كأمين عام للأمم المتحدة.
وعودة لموضوع المقال فالواقع للأسف الشديد قريب إلى حد كبير من هذا، وذلك له أسباب كثيرة منها:
إن أمريكا هي الدولة العظمى والأولى عالميا، والمنطق الذي يسير إلى أن الأقوى هو الذي يحكم ويتحكم في كل شيء وهي الأكثر إنفاقا على المنظمة، وبلد المقر الرئيسي للمنظمة.. الخ من أسباب أخرى.
ولا شك أن هذا الواقع أثر بشكل كبير على أداء منظمة الأمم المتحدة، وبعدها كثيرا عن الدور الذي ينبغي أن تقوم به كحكومة للعالم بحق، ومن ثم تؤدي رسالتها بشكل موضوعي عادل وليس كأداة تتحكم بها أمريكا.
وما يجب الإشارة إليه في هذا الصدد أيضا أن السيطرة على المنظمة ليس لأمريكا فقط، مريكا لها النصيب الأكبر من هذا التحكم، ولكن هناك دول أخرى تتحكم في الأمم المتحدة على حساب باقي الدول الأعضاء، وهي الدول الخمس الكبرى صاحبة حق الفيتو، وهي (أمريكا، الصين، بريطانيا، فرنسا، روسيا).
ولعل أولى الخطوات لإصلاح هذه المنظمة أن يأتي ذلك من إرادة الدول أنفسهم، فتكون هناك إرادة حقيقة لخلق هذا الشكل المأمول العادل للمنظمة، وفي رأيي هذه الارادة كي تتحقق في هذا العالم الذي نعيشه الذي يقوم على سياسية أن القوي هو الذي يحكم ويتحكم، ليس متصورا أن تعطي هذه الدول الكبرى لغيرها من باقي الدول الأقل منها المساواة مثلها تمام، فهذه الفلسفة ربما تكون مقبولة في عالم مثالي وهو مالا نعيشه الآن، ولكن الواقع أن هذا ينتزع ويؤخذ كحق وليس كعطية أو منة، وتكون كذلك للدول العربية مثلا عندما تصل إلى الحد المطلوب والمأمول من القوة والتقدم، مثل ألمانيا واليابان وسنغافورة وأستراليا وغيرهم من الدول التي فرضت نفسها على الساحة الدولية وفرضت احترامها وغيرت مكانتها وجعلت هناك تغيرا في موازين القوى العالمية.
والمأمول أن يكون هكذا عالمنا العربي وأن ننتقل سريعا من مصاف دول العالم الثالث إلى دول العالم الأول، فنتحول بدلا من استعطاف الآخر كي ينصت لنا ويأخذ قرارا لصالحنا لأن نكون نحن صانعي القرار.
دامت الأمة الإنسانية بكل حب وخير