أنقرة (زمان التركية) – قد تكون إسرائيل وسوريا على وشك توقيع اتفاقية أمنية بوساطة أمريكية من شأنها إعادة تشكيل العلاقات بين البلدين وزيادة تعزيز نفوذ تل أبيب في الشرق الأوسط.
وفي حالة التوقيع، سيوفر الاتفاق لإسرائيل منطقة عازلة ومنزوعة السلاح من جنوب غرب دمشق إلى الحدود الشمالية لإسرائيل، مما يزيد من نطاق عملها في المنطقة.
وسيكون هذا الاتفاق مكسبا دبلوماسيا للولايات المتحدة، غير أن الحكومة السورية الجديدة تخاطر بالتعرض للانتقاد بسبب المساس بالسيادة السورية.
على الرغم من أن الخطة لم يتم الإعلان عنها رسميا، فإن الصفقة تم تصميمها جزئيا على غرار اتفاقية السلام بين مصروإسرائيل لعام 1979، حسبما ذكرت أكسيوس ورويترز الأسبوع الماضي.
وبحسب الاتفاق الذي اقترحته إسرائيل، ستكون هناك ثلاث مناطق في جنوب غرب دمشق، ومنطقة عازلة ممتدة بطول كيلومترين ومنطقة حظر طيران للطائرات السورية.
في المقابل، ستنسحب إسرائيل تدريجيا من الأراضي السورية المحتلة مؤخراً، لكنها ستحتفظ ببؤرة استيطانية استراتيجية في جبل الشيخ (جبل حرمون).
وستشمل الصفقة أيضا ممرا جويا عبر سوريا إلى إيران، مما يسمح بهجمات إسرائيلية محتملة في المستقبل.
على عكس الاتفاقية المصرية الإسرائيلية، فإنها لا تشمل السلام الكامل أو التطبيع بين إسرائيل وسوريا في إطار الاتفاقيات الابراهيمية.
كانت الدولتان في حالة حرب من الناحية الفعلية منذ عام1948، وسوريا لا تعترف بإسرائيل كدولة. ويقال إن الاتفاقية ستحل محل اتفاقية فصل القوات لعام 1974 بين البلدين.
لم ترد سوريا بعد على اقتراح إسرائيل، ولكن أثيرت أحاديث حول عمل الجانب السوري على اقتراح مضاد.
وأكد الرئيس السوري أحمد الشرع الأسبوع الماضي أن حكومته تتفاوض على اتفاق أمني مع إسرائيل يمكن التوصل إليه في غضون أيام قليلة، لكنه شدد على أن أي اتفاق محتمل يجب أن يحترم المجال الجوي السوري وسلامة أراضيه.
وذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر سيلتقي في لندن يوم الأربعاء مع وزير الخارجية السوري أسد الشيباني والمبعوث الأمريكي توم باراك لمناقشة الصفقة الأمنية.
قد يجتمع الشرع والمسؤولون الإسرائيليون أيضا خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الأسبوع.
تشير بعض التقارير إلى إمكانية التوصل إلى اتفاق بحلول نهاية العام، بينما تتحدث تقارير أخرى عن موعد أقرب من نهاية العام.
في حديثه مع صحيفة العربي الجديد، أفاد رفائيل س. كوهين، مدير برنامج الاستراتيجية والعقيدة في مشروع القوات الجوية لمؤسسة راند، أن الاتفاق يمكن أن يحقق الاستقرار في الحدود المتوترة منذ فترة طويلة بين إسرائيل وسوريا ويزيل نقطة توتر رئيسية، لكن التوترات الإقليمية الأخرى ستستمر في تشكيل الصورة الأمنية الأوسع.
وسيتزامن اتفاق محتمل مع فترة مهمة للغاية في العلاقات بين الحكومة السورية الجديدة وإسرائيل، فبعد الإطاحة ببشار الأسد في ديسمبر من العام الماضي، تحركت إسرائيل بسرعة لاحتلال المنطقة العازلة المتاخمة لمرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل في جنوب غرب سوريا، وشنت حملة متواصلة من الضربات الجوية والعمليات البرية التي تستهدف المواقع العسكرية السورية لتأمين المنطقة الاستراتيجية. واستولت إسرائيل أيضا على جبل الشيخ، وهو مركز مراقبة مهم تحت سيطرته.
أدانت الحكومة السورية الجديدة المبادرة العسكرية باعتبارها انتهاكًا للسيادة السورية، لكنها تجنبت الصدام العسكري المباشر للحفاظ على القنوات الدبلوماسية.
وخلال أزمة السويداء، التي استمرت من أبريل/نيسان إلى يوليو/تموز من هذا العام، وقعت اشتباكات عنيفة بين الجماعات الدرزية والبدوية المسلحة، ونفذت إسرائيل هجمات ضد الجيش السوري بحجة حماية الطائفة الدرزية، التي أصبحت رصيدا استراتيجيا لمصالحها في سوريا.
زادت هذه الأحداث من الضغط على الحكومة السورية، بينما عززت في الوقت نفسه يد إسرائيل في المحادثات الأمنية الجارية. ويبدو أن أحد الأهداف الاستراتيجية الرئيسية لإسرائيل هو إبقاء إيران وحزب الله خارج جنوب سوريا لحماية نفسها.
وأوضح أندرياس كريج، أستاذ مشارك في الدراسات الأمنية في كلية كينغز كوليدج في لندن للعربي الجديد أن الصفقة ستعمل بشكل أفضل لإسرائيل وتوفر الاستقرار دون فقدان الأراضي وتترك سوريا لكبح جماح الجهات الفاعلة غير الحكومية وسيصبح الجانب الاسرائيلي خاضع للمساءلة، وسيُنظر إليها ضمن” الضغط الثلاثي “التي استخدمتها إسرائيل تاريخيا ضد الدول المضيفة المجاورة”.
بالنسبة للولايات المتحدة، سيؤدي هذا الاتفاق إلى استقرار جنوب سوريا وسيُظهر في الوقت نفسه أنها لا تزال تتمتع بنفوذ في المنطقة.
لكن ترامب يواجه توازنا دقيقا، فبينما تتوقع إسرائيل الدعم الكامل، تريد واشنطن أن تظل دمشق موالية للغرب ومعادية لروسيا وإيران.
وحذر كريج من أن هذا سيدفع ترامب إلى تجاهل خطر الترتيبات الأمنية المجزأة حتى تُضعف إسرائيل السيادة السورية في الجنوب بشكل دائم.
لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت سوريا ستستفيد من الصفقة نظرا لإمكانية تحول الصفقة المحتملة إلى سيف ذي حدين.
من خلال توقيع اتفاقية مع إسرائيل وتحقيق الأهداف الدبلوماسية للولايات المتحدة، يمكن الاعتراف بالشرع دوليا وسيتمكن من الحصول على المساعدة وتعزيز سمعته.
وأوضح فريدي خويري، محلل أمني عالمي يعمل في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في شبكة ران، أن دفع دمشق للانسحاب من الأراضي التي تحتلها إسرائيل ووقف الضربات الجوية سيزيد من شرعية الشرع في الداخل وسيحميه من رد فعل المتشددين على المدى القصير ويعزز موقفها في الخارج، خاصة إذا تم تخفيف العقوبات.
في المقابل، ذكر آرون لوند من معهد Century International أن الصفقة المحتملة لن تحظى بشعبية في سوريا اعتمادا على شكل الصفقة الأمنية وما إذا كانت طوعية أو مفروضة تحت ضغط أمريكي وإسرائيلي قائلا: ” يعرف العديد من السوريين، بما في ذلك قاعدة الشرع، أنه يتعين عليهم تقديم تنازلات لدعم الحكومة والحد من الهجمات الإسرائيلية والحفاظ على الدعم الأمريكي لأسباب اقتصادية وسياسية وعسكرية. سوريا محطمة وضعيفة، وعلى الشرع أن يلعب بمهارة قدر استطاعته، لكن أي اتفاق يُعتقد أنه يسلم السيادة لإسرائيل سيثير انتقادات شديدة بأنها كماشة إسرائيلية أو أمريكية “.
يمكن أن يؤدي الاتفاق الأمني بين إسرائيل وسوريا أيضا إلى تعقيد الأجندة السياسية للجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى، وخاصة تركيا، فمنذ الإطاحة بالأسد، استهدفت أنقرة القوات الكردية مع زيادة نفوذها في سوريا من خلال وجودها العسكري ومبادراتها الاقتصادية والدبلوماسية.
ومع ذلك، فإن الاتفاقية الأمنية الإسرائيلية السورية قد تقيد أيدي تركيا وتعقد خططها الإقليمية.
يرى غونول تول، الباحث البارز في معهد الشرق الأوسط، أن الوجود العسكري الإسرائيلي في سوريا يعقد السياسة الداخلية التركية ويشجع الميليشيات الكردية السورية المرتبطة بحزب العمال الكردستاني ويعطل سياسة تركيا الأكثر انفتاحا تجاه الأكراد قائلا: ” يهدف الانفتاح الكردي لأردوغان إلى تأمين إعادة انتخابه من خلال إقامة تحالفات، لكن وجود إسرائيل في سوريا يعقد ذلك ويعرقل أيضا خططه لتحقيق الاستقرار في سوريا وإعادة اللاجئين، وهو ما يراه مفتاحا لأهدافه الداخلية والسياسية”
منذ بداية حرب غزة، برزت إسرائيل باعتبارها القوة العسكرية الأكثر عدوانية في المنطقة، حيث ضربت الحوثيين في اليمن، وحزب الله في لبنان، وإيران لتعطيل برنامجها النووي، وأخيرا قيادة حماس في قطر.
وأكد تول أن هذا الوضع دفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى توخي الحذر من خطر المنافسة والصراع الإقليميين، غير أن الهجوم على الأراضي التركية سيكون خطأ كبيرا.
وذكر خويري أن الاتفاق الذي ينص على منطقة حظر طيران ومنطقة جنوبية منزوعة السلاح يمكن أن يحد من عمليات تركيا في سوريا ويزيد من حدة المنافسة مع إسرائيل، فأنقرة، التي رفضت الانسحاب، تعمق تعاونها مع الحكومة الانتقالية السورية، وقد تنشر أصولا عسكرية في أماكن أخرى في سوريا لتحدي التفوق الجوي الإسرائيلي.
يمكن أن تؤثر الصفقة أيضا على إيران، التي كانت ذات يوم حليفا رئيسيا للأسد، فوصول إسرائيل الأكبر إلى المجال الجوي السوري يهدد الوجود العسكري لطهران بالقرب من الحدود الشمالية لإسرائيل.
ويوضح لوند أن الوضع الدبلوماسي الذي يسمح لإسرائيل بالطيران إلى إيران فوق سوريا حسب الرغبة مفيد لإسرائيل مفيدا أن تسريب هذا الاقتراح للرأي العام جعل من الصعب على دمشق قبوله، لأن المساس رسميا بمجالها الجوي كان مجرد خطوة مهمة يمكن أن يُنفع بها سرا.
ويؤكد كريغ أن دول الخليج قد تتأثر أيضا بهذا الاتفاق نظرا لأن إسرائيل أصبحت قضية أكثر حساسية منذ الهجوم الإسرائيلي على قادة حماس في الدوحة وقد يغضبها أي اتفاق يعزز من النفوذ الإسرائيلي بشكل صريح قائلا: ” من المحتمل أن ترى الشعوب العربية الصفقة بمثابة إذلال لسوريا ورخصة لإسرائيل للمضي نحو التطرف”.
لا يزال من غير الواضح ما إذا كان سيتم توقيع الاتفاقية الأمنية الإسرائيلية السورية، لكن بعض الخبراء يرون أن الولايات المتحدة أو غيرها من الدول أو المؤسسات الضامنة يمكن أن تعطي سوريا ضمانات بشأن تنفيذ الاتفاق، غير أن كوهين يؤكد أنه مهما كان الاتفاق الذي يتم التوصل إليه بين إسرائيل وسوريا ومهما كان تأثيره الإقليمي، فإن حرب غزة ستطغى عليه.
