أبوجا (الزمان التركية) كتب الأستاذ ثامن طلحة أحمد مقالا للزمان التركية، تناول فيه الجانب التربوي والروحي في فكر الأستاذ فتح الله كولن، والفروق بين الحركات الإصلاحية الأخرى وبين الأستاذ فكر حركة فتح الله كولن؛ حيث ذكر أن أهم اختلاف في فكر الأستاذ كولن أنه يقدم إصلاح الفرد على إصلاح المؤسسات والمجتمع، حيث إصلاحهما يأتي تلقائياً بعد إصلاح الفرد. وإليكم المقال كاملا:
الحديث عن الروح عند الشيخ فتح الله كولن يعني الحديث عن تجديد الإيمان وطلب المعرفة ونشر المحبة لبناء الجيل الجديد ولتحقيق مفهوم الانبعاث من جديد؛ وذلك بعد الوقوف علي الأزمات والمعضلات التي تعرقل عملية بناء الفكر الإسلامي المنشود. فالشيخ فتح الله يعد هذا الهدف السامي على أنه لبنة أساسية في الفكر الإصلاحي الحديث، لذا نجده يركز قبل كل شيء على إصلاح الإنسان/ الفرد الشخص، وهو بهذا يختلف عن الحركات الإصلاحية التي دعت إلي إصلاح المؤسسة قبل إصلاح الفرد لكونه يرى أن إصلاح الفرد وتربيته وتزكيته وبنائه علي مستوي القيم والأخلاق سيؤدي مباشرة إلي إصلاح المؤسسة التي يوجد بها سواء كانت أسرة، مدرسة، مجتمع.
فالباحث في مؤلفاته التي تتجاوز الستين كتابا يستشف نفسا مفهوميا إصلاحيا من ألفاظه: بعث الروح والانبعاث الحضاري وبعث الجيل وبناء الإنسان والتواصل والمحبة، والتصفية والإيمان والمعرفة والعودة إلي الروح والتأمل والتفكر في الكون والوجود، بناء الجيل الحاضر، البعث والنهوض والارتقاء وتجديد الذات وحرية الفكر، وبلوغ ذروة العشق ووراثة الأرض والأخذ بالعلم الحديث، وكمالية الإيمان والحوار والتسامح.
وبالرجوع إلي كتابه” ونحن نقيم صرح الروح”
أكتشف رصيدا معرفيا وتوجيها نيرا وصريحا في موضوع لغة الروح الفردية والجماعية، من خلال تركيزه علي العالم الإسلامي التواق إلي الانبعاث بعد الموت وإلي الولادة من الولاية من جديد، لكي يحقق تجديدا وانبعاثا وإحياء يشمل الحياة كلها، والشيخ فتح الله كولن هنا يلتقي مع شعراء الحداثة العرب (أدونيس ، خليل حاوي ، بدر شاكر السياب، عبد الوهاب البياتي،) فيما يخص ثنائيه الغربة والضياع وثنائيه الحياة والموت التي تعيشها الأمة العربية، هذه المضامين النفسية التي ترتيب عن نكبة فلسطين ١٩٤٨م ونكستها ١٩٦٧م، أي لحظات الخيبة واليأس والموت الذي عاشه المجتمع العربي، مما دفع الشعراء إلي تأكيد إمكانية الحياة بعد الموت من خلال مفهومي التجدد والانبعاث القائم علي توظيف الأسطورة والرمز والانزياح، بهدف رفع الهمم وبناء وعي قومي ثوري، أي سعي إلي التحول والتغيير عن طريق الفن والإبداع الذي هو الشعر، وغير الشعراء هناك محاولات إصلاحية سبقت أوعايشت تجربة كولن في الإصلاح مثل: حركة النهضة التونسية وجماعة الإخوان المسلمين بمصر وحركة التوحيد والإصلاح بالمغرب جماعة العدل والإحسان بالمغرب علي المستوي التربوي، ودعوات السلف السابق أمثال: علال الفاسي: محمد عبده، جمال الدين الأفغاني ، مالك بن نبي، محمد حسن الحجوي.
إلا أن المقارنة بين حركة كولن طابع التميز والاختلاف لكونها زاوجت بين الرؤيا التنظرية والممارسة التطبيقية، عندما ترجمت تجربتها علي أرض الواقع من خلال حركة الخدمة والمؤسسات التعليمية مثل نصرت التعليمية ( بناء مئات المدن الجامعية والآف المدارس وعشرات الجامعات) والإعلامية صحف ومجلات ومحطات إذاعية إلي جانب المؤسسات الصحية وعدد أكبر من دور النشر في تركيا وخارجها التي شملت القارات الخمس، وهذا يؤكد الرؤيا الشمولية الكونية العالمية في الإصلاح عند محمد فتح الله كولن، بدل الأخري القطرية عند غيره من الحركات الإصلاحية.
فالأستاذ فتح الله كولن يحمل مشروعا كونيا يلتقي فيه العلم والعرفان والعقل والوجدان والفكر والحياة العملية من أجل تشييد فكر حضاري إيماني التوجه علمي النزوع إنساني الجوهر، تدفع إليه روح تواقة إلي التحرر والانعتاق، والسمو والرفعة والبكاء والأنين، قصد تحقيق المستحيل لدي الأنفس الميتة والعقول الغائبة، فمفكر العصر الحديث يضع الأصبع علي مكامن الضعف كي يجدد الدين ويعالج جراح الأمة الثخينة ويحارب اليأس والقنوط، ويوجه الجيل إلي ظلال الاسترواح من روح الله، مركزا في ذلك علي تجديد الثقة بالله ونشر الكلمة الطيبة المحملة بالعلم النافع والأخلاق الرفيعة والسلوك، وذلك باعتماد المنهاج القرآني السليم القائم علي الوسطية والاعتدال. إنه يدعو إلي التوجه نحو الإنسان والحياة والكائنات، أي الكون عامة وذلك من خلال ” رعاية مفهوم الإيمان والنظر الإسلامي، وشعور الإحسان، والعشق والمنطق، وطريقة التفكير، وأسلوب التعبير عن الذات ورعاية المؤسسات الأركان، وإرشادها إلي التجدد”.