أنقرة (زمان التركية) – قارن الكاتب الجنوب أفريقي والمحلل السياسي الشهير رانجيني مونوسامي بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والمفكر الإسلامي فتح الله كولن المتهم بتدبير انقلاب في تركيا.
وتناول مونوسامي الذي سبق وأن التقى فتح الله كولن في الولايات المتحدة الفرق بين الرجلين في صفحة كاملة بصحيفة (صانداي تايمز) أكثر الصحف مبيعا في جنوب أفريقيا، حيث ذكر مونوسامي أن أردوغان الذي يتحدث من النوافذ العليا يفزعه بنظراته؛ بينما يتمتع كولن الذي يتحدث بزرانة بأجواء روحانية وتحمل عيناه معاني مختلفة.
وجاء مقال مونوسامي على النحو التالي:
أحجية بعبع تركيا
لم يكن بالإمكان رفض الدعوة السرية التي تلقيتها للقاء زعيم حركة دولية مريض حاليًا ويمكث في منفاه طواعية. هنا سايلورسبرج الريفية في أعماق جبال بوكنوس بمقاطعة بنسلفانيا.
أنا أحد الصحفيين الجنوب أفريقيين الستة الذين حظوا بفرصة لقاء العالم التركي والزعيم الروحاني فتح الله كولن الذي أوى إلى “مركز الجيل الذهبي للعبادة والاعتكاف” منذ عام 1999.
أقول “لقاء”؛ لأنني لست واثقا مما إن كنت سأجري مقابلة أو دردشة مع رجل دين يبلغ من العمر 77 عاما بعد رحلة جوية استغرقت 16 ساعة ثم رحلة برية لمدة ساعتين ونصف من مدينة نيوروك أم لا.
لم يكن لدينا معلومات كثيرة عن الجهة التي نذهب إليها أو سبب اختيارنا من بين الصحفيين الراغبين في لقاء هذا العالم الإسلامي وجهًا لوجه.
كولن هو زعيم حركة الخدمة وهي شبكة تشكلت من المسلمين الأتراك الذين يتبنون منهجًا يجمع بين القلب والعقل وبين المعنى والمادة وبين الروح والجسم والذين وهبوا أنفسهم للتعليم والسلام وحوار معنقي الأديان المختلفة. كولن لم يتزوج وليس لديه أبناء غير أن تعاليمه حركت مبادرة ملايين المتطوعين حول العالم.
للخدمة حضور قوي في جنوب أفريقيا بمدارسها التي تعمل منذ سنوات ومنظمات المجتمع المدني التابعة لها، فمسجد “النظامية” الذي يُقال إنه أكبر جامع في نصف الكرة الجنوبي أنشأه علي كاتيرجي أوغلو، رفيق كولن، والذي يعيش في المنفى بجنوب أفريقيا حاليا.
وعلى الرغم من أن كولن ومحبيه مسالمون فإن السلطات التركية أعلنتهم شخصيات إرهابية وحملتهم مسؤولية المحاولة الانقلابية التي شهدتها تركيا في الخامس عشر من يوليو/ تموز عام 2016.
قبل فترة من المحاولة الانقلابية بدأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان باعتقال وحبس كل من ينتمي لحركة الخدمة ويطبق خطة للقضاء على الحركة، كما أسفرت المحاولة الانقلابية عن التألب عليها بقصد تدمير أعضائها ماليا واعتقال وفصل كل من تطاله اليد دون تمييز.
هذه الضغوط تضمنت إغلاق صحف ووكالات أنباء وقنوات تلفزيونية، ويقبع آلاف الأتراك من بينهم أطباء وقضاة ومدرسون وأكاديميون وموظفون حكوميون داخل السجون. وهرب الآلاف إلى دول أخرى من بينها جنوب أفريقيا.
ويبذل أردوغان جهودا لإقناع حكومات الدول الأخرى بأن مدارس حركة الخدمة ومراكز الأعمال تمويه من أجل أعمال إرهابية.
أكبر أهداف أردوغان تكمن في ترحيل كولن من أمريكا ومحاكمته بتهمة الإرهاب من جانب، ومن جانب آخر يسعى ليصبح قائد العالم الإسلامي.
كولن يعاني من مرض السكري، وعندما سألت الطبيب عن صحة كولن أخبرني أن السكري والضغط العالي يضعفونه كثيرا وأن الضغوط الزائدة تزيد من تدهور الوضع.
وأبلغ كولن طبيبه أن الصدمة التي يشعر بها عند الاستماع إلى الصعوبات التي يواجهها أتباعه في تركيا أشبه بـ”وفاة ستة أبنائه كل يوم”.
علمت أن المقربين للسلطات التركية يستأجرون مروحيات ويحلقون بها فوق هذا المكان ومن ثم يبثونها في وسائل الإعلام التركية، بينما حاول بعض المواطنين المخلصين لأردوغان اقتحام المكان هنا واقتياد كولن بالقوة.
استنفاد الآمال
يبدو عليه المرض والإعياء بصورة واضحة. توجد أكياس ممتلئة أسفل عينه ويبدو الألم باديا على وجهه، وعندما دخلنا وقف على قدميه بصعوبة وانتقل إلى أحد المقاعد المجاورة له. جلست أمامه مباشرة وراقبته على مدار ساعة كاملة.
توجد فروق كبيرة بين العنصرين الرئيسين في تركيا. العام الماضي أتيحت لي فرصة رؤية أردوغان خلال زيارته إلى موزمبيق، وعندما التقت أعيننا شعرت بأمواج من الخوف تجتاحني.
كان يتحدث بصوت عال ويحاول التأثير على عالم الأعمال والسياسة الموزمبيقية بعبارات الاستثمار في البنية التحتية ودفعهم إلى إغلاق مدارس حركة الخدمة وترحيل المدرسين، لكن موزمبيق تعاملت تجاه الأمر بشيء من البرودة.
كان أردوغان يشعر بالفضول تجاه سبب قدومنا إلى موزمبيق ويبدو من هيئته أنه مندهش لقدومنا من جنوب أفريقيا.
لكني عندما سألت فتح الله كولن عن الرسالة التي يرغب في إيصالها للعالم عبر قناتنا، فنظر إليّ نظرة ناعمة قائلا: “لا ينبغي علي أن أخبركم بما يجب عليكم أن تفعلوه وما لا تفعلونه. يجب عليكم أن تكتبوا ما تشعرون به”.
وبدأ في الكلام رويدا كلما طرحت مجموعتنا أسئلة. وفي إجابته عن سؤال بشأن ما إن كان يرغب في العودة إلى بلده أم لا أوضح أنه يشعر بالحنين إلى بلده يوميا، وأنه في حال مطالبة أمريكا له بالمغادرة سيقطع تذكرته بنفسه وسيموت داخل السجون.
الوصم بالإرهابي
كولن لم يتوقع أن تنطلق حركة ضخمة كهذه مستلهمة من أفكاره. وصدم لتصنيفه إرهابيا واتهامه بمحاولة الإطاحة بالحكومة التركية مرتين باستخدام العنف. ويؤكد أنه ليس نادما، غير أنه يفكر فيما إذا كان هناك ما يمكن فعله لتهدئة وتعديل عداوة المعارضين للحركة من قبيل مدحهم أو إطلاق أسمائهم على المدارس والجامعات، غير أنه يعود ويؤكد أن القائمين على الحكم في تركيا لم يكونوا على طبيعة تجعلهم يكتفون بما يعطونهم، بل كانوا سيطالبون بالمزيد دائمًا.
وذكر كولن أنه التقى بأردوغان مرتين فقط، الأولى عندما كان يرغب في تأسيس حزب العدالة والتنمية والثانية في مبارة كرة قدم لصالح أطفال البوسنة.
ويعجز كولن عن استيعاب كيفية نشوب هذا العداء وتناميه وسبب حرص أردوغان على إنهاء الحركة بل ورغبته في قتله، كما يشير إلى أن أردوغان سعى لجعل الخدمة جزءًا من دعايته، لكنه غضب عندما رُفض الأمر حاسدًا تأثيره الواسع في العالم.
يبدو أن كولن يدرك أنه لم يتبق له الكثير من الوقت، ويوضح أن الحركة ليست عبارة عن شخصه، وأنه يتوجب على الحركة مواصلة خدماتها استنادا إلى الفكرة التي بنيت عليها.
لا يزال يتمتع بالنفوذ
وعندما حاول شخص جالس بجواره إنهاء المقابلة ظنا منه أن كولن أنهك أشار له كولن بالجلوس وواصل حديثه.
سألته عن الصورة التي يرغب في أن يتذكره بها الناس ورأيه فيما يخص اتهامه بتدبير المحاولة الانقلابية. أفاد كولن أنه يوجد الكثير من اللغط حول المحاولة الانقلابية وأن بعض الناس السذج يعتقدون أن الأمر حقا محاولة انقلابية استهدفت الإطاحة بالحكومة.
ويعتقد غالبية المنتمين إلى حركة الخدمة أن هذا الانقلاب كان “مسرحية”.
ويوضح كولن أنه لو كان قد تم تشكيل لجنة تحقيق دولية للوقوف على ما إن كان الخامس عشر من يوليو/ تموز محاولة انقلابية أم لا وأثبتت أنه مدبرها لذهب إلى تركيا وتقبل النتائج التي سيترتب على ذلك، غير أن الحكومة التركية لا تسمح بأية تحقيقات دولية محايدة.
العديد من الدول تلتزم الصمت تجاه انتهاكات حقوق الإنسان بسبب الوضع السياسي الدولي لكن التاريخ سيكافيئ دولا مثل ألمانيا وكندا لتضامنها مع الأتراك.
وتقدم كولن بالشكر لمن ينددون بانتهاكات حقوق الإنسان التي تشهدها تركيا بجنوب أفريقيا. ومن الواضع أن الخدمة لا تفكر في أي تغيير إستراتيجي تجاه ظلم أردوغان.
ومنذ المحاولة الانقلابية شدد كولن على أن النضال باستخدام القوة خيانة لمبادئه. وإني في هذا السياق أتذكر آلام إبعاد المدافعين عن الحرية في أفريقيا الجنوبية عن منازلهم على الرغم من اختلاف الظروف التي يعيشها أبناء الخدمة.
ومع انتصاف الليل أفكر في العبارة التي قالها لي كولن “يجب أن تكتب ما تشعر به!”.
لقراءة الخبر باللغة التركية اضغط على الرابط التالي:
Güney Afrika’lı köşe yazarı Gülen-Erdoğanı böyle karşılaştırdı