أنقرة (زمان التركية)ــ كتب البروفيسور جيهان توجال أستاذ علم الاجتماع بجامعة كاليفورنيا، والمتخصص في الشأن التركي مقالا يحلل فيه موقف حلف الناتو من المسألة الكردية ما بين الموقف السلبي الذي اتبعه الناتو منذ الماضي واستخدام ملف القضية الكردية اليوم للضغط على تركيا.
المقال المنشور اليوم في وول ستريت جورنال، يقول إن ملف القضية الكردية هو أحد أكثر المسائل حساسية في الشرق الأوسط حيث أن الأكراد يقطنون مناطق متفرقة داخل بلاد مختلفة، ورغم أن الأكراد كشعب لهم لغة وتمركزوا منذ الماضي في مناطق بعينها إلى أنه بعد تقسيم الدولة العثمانية أصبح الأكراد أقليات داخل أكثر من دولة فهم أقلية في سوريا والعراق وإيران وتركيا.
وبعدما تمتع شمال العراق ذي الأكثرية الكردية بما يشبه الحكم الذاتي فقد فتح هذا الباب لباقي الأقليات لكي تسعى هي الأخرى للمطابة في حقها بإقامة دولة، واليوم تعد تركيا أكثر الدول التي تعادي تلك الفكرة وتحاربها بشدة سواء في تركيا أو في سوريا والعراق حيث تقوم تركيا بعمليات عسكرية في هاتين الدولتين من بين حين للآخر ضد الحركات العسكرية الكردية، لكن السؤال الذي يحاول أن يجيب عليه الكاتب في هذا المقال هو لماذا يرفع الغرب اليوم الكرت الكردي في مواجهة تركيا.
فيما يلي نص المقال :
بعد غزو فلاديمير بوتين لأوكرانيا، وقف العالم ضد مثل هذا التحرك العسكري في الوقت الذي شن فيه أحد أعضاء الناتو هجومًا على اثنين من الأراضي المجاورة له حيث استهدفت تركيا معسكرات المسلحين الأكراد في العراق وسوريا وألحقت أضرارا بالملاجئ ومخازن الذخيرة والقواعد.
تلك المفارقة مرت دون أن يلاحظها أحد، والأمر في الحقيقة ليس مفاجئا فقد غض العالم الغربي الطرف لعقود عن المعاملات القاسية التي يتعرض لها الأكراد من قبل النظام التركي، فعلى مدى عقود اضطهدت الدولة التركية الأقلية الكردية وهم يمثلون ما يقارب 18 في المائة من السكان، فقد لقي الآلاف حتفهم ونزح قرابة المليون كردي ضمن حملة من القمع الداخلي الشديد. لكن الدول الغربية، باستثناء فترة وجيزة عندما كانت المقاومة الكردية ضد وصول التيار الإسلامي للحكم.
لكن اليوم وعلى الأجندة الغربية نجد أن المسألة الكردية أصبحت مركز الصدارة وبالطبع فالسبب وراء ذلك ليس لأن الحلفاء قد استيقظوا على ظلم القمع المنهجي الذي يمارس ضد الأكراد.ولكن لأن تركيا تهدد فعليًا بمنع دخول فنلندا والسويد إلى الناتو ما لم يوافقوا على قمع المسلحين الأكراد، وبالنسبة إلى الرئيس رجب طيب أردوغان فهذه تعد فرصة ذهبية لتعزيز الأجندة القومية ، ويبدو حتى الآن من ردود الفعل الغربية أن تلك المناورة التي قام بها أردوغان قد تشير إلى أنت تلك المنورة قد تكلل بالنجاح.
وعلى كل فإن هذا الموقف يكشف بصورة واضحة بأن أردوغان يريد أن يقضي على الحركة الكردية ويثبت أن تركيا قوة إقليمية، أما فيما يخص حلف الناتو كمنظمة دفاعية لم تقف مع القضية الكردية في الماضي فلطالما أذعن لاضطهاد الأكراد، ولذلك فهو بعيد كل البعد عن كونه قوة من أجل السلام. وتركيا العضو منذ 1952 تثبت ذلك.
يعود صراع تركيا مع الأكراد إلى أواخر القرن التاسع عشر على الأقل، عندما أدت المركزية العثمانية إلى انتفاضات قبلية، وقد تضمن العقدان الأوليان للجمهورية التركية، التي تأسست عام 1923، إنكار الهوية الكردية والحكم الذاتي واللغة الكردية، وتبع ذلك تمردات ولكن تم قمعها بالقوة، وهو ما جعل تلك القضية تخمد خلال فترة الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، ولكن، شهد التشدد الكردي انتعاشًا تحت رايات ثورية وظهر حزب العمال الكردستاني في تركيا.
لاحقا تم تصنيف المنظمة على أنها جماعة إرهابية من قبل تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي – وأنها تستخدم العنف المسلح، وعلى مدى أربعة عقود من الصراع ، قام حزب العمال الكردستاني P.K.K. في إراقة الدماء وهو مسؤول عن مقتل مدنيين ومسؤولين أمنيين، ومع ذلك ، فإن النهج العسكري التركي تجاه القضية الكردية لم يترك مجالًا كبيرًا لمنظمات كردية أخرى أكثر تصالحية.
وشهدت تركيا ربيعًا من النشاط الكردي في أواخر الستينيات والسبعينيات ، عندما أعربت العديد من الحركات والمنظمات التركية اليسارية عن تضامنها مع الأكراد، لكن الانقلاب العسكري في عام 1980 سحق هذه الأفكار بشدة ، باستثناء حزب العمال الكردستاني الذي كانت معظم معسكراته بالفعل خارج تركيا، وفي السنوات التي أعقبت الانقلاب أدى التعذيب الشديد الذي مورس ضد النشطاء الأكراد على اختلاف أنواعهم إلى تضخم صفوف حزب العمال الكردستاني.
الأمور اليوم ليست أفضل بكثير: الأشكال السلمية للنشاط الكردي – مثل تلك التي ينظمها حزب الشعوب الديمقراطي القانوني، أو H.D.P. – يتعرضون لهجوم مستمر، بتهمة الانتماء إلى حزب العمال الكردستاني، كما تدعي الحكومة أن P.K.K. يتعاون مع حركة كولن والذي تتهمه الحكومة بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة في عام 2016.
فأين كان الناتو من كل هذا؟ فقد حظى التدخل العسكري لعام 1980 على الأقل بتأييد سلبي من قبل الحلف تحت قيادة كينان إيفرين، و استمرت الدول الغربية في تقديم دعم كبير للحملات ضد الأكراد في السنوات التالية حتى خلال الاشتباكات العنيفة التي شهدتها الفترة 1993-1995 ، لقد أهمل الغرب إلى حد كبير موجات القمع الداخلية وتوغلات تركيا المتكررة في سوريا والعراق.
هكذا كانت المقالة والتي تظهر مدى التعقد القضية الكردية داخل تركيا وأنها لربما كانت تحتاج لعلاج مدني أكثر منه عسكري فعندما تم قمع التحركات المدنية زادت شعبية حزب العمال الكردستاني المسلح داخل صفوف الأكراد.