محمود أكبينار
يريد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن يراقب كل شيء وكل مكان ولا يستطيع التخلي عن رغبته هذه مطلقا.
قبل الانتخابات الرئاسية كان الناس وعلى رأسهم الكثيرون من أعضاء حزب العدالة والتنمية الحاكم يتمنون وصول أردوغان إلى رئاسة الجمهورية لترتاح البلاد من تدخله في كل الأمور. ولو أنه اكتفى بصلاحيات رئاسة الجمهورية لكان أفضل بالنسبة له ولحزبه وللبلاد، لكنه بعد كل انتخابات أراد أن يصبح أقوى وأكثر سيطرة ويحكم ويراقب كل شيء.
وما من أمر يسير سليما في ظل اختلاط الصلاحيات بالمسؤوليات. لأنه في هذه الحالة لا يتم تحديد مهام كل واحد أو من الذي سيتحمل المسؤولية. وفي مثل هذه الحالة الكل يود أن يقوم بأعمال وراءها مصالح ومنافع ولا يود أحد أن ينفذ الأعمال التي تترتب عليها مسؤولية كبيرة.
تركيا تعاني منذ وقت طويل من مثل هذا الوضعية. إذ هناك أسلوب إدارة يحق لرجل واحد واحد أن يقرر فيه كل شيء ولكن المسؤوليات غير محددة. ولا يرغب أحد في أن يتحمل مهاما بإرادته خوفا من وقوعه في الخطأ. إلى درجة أن الواحد منهم يفكر مليا قبل أن يقوم بوظيفته القانونية.
إن هذا الوضع يسبب الحرج والمشاكل لحزب العدالة والتنمية والحكومة بالدرجة الأولى. وبسبب تدخلات أردوغان لم تستطع الحكومة أن تمارس الحكم ولم يتمكن أحمد داود أوغلو من تنفيذ مهامه بصفته رئيس الوزراء. واختلط الحابل بالنابل، حتى إنه لم يعد معروفا من الذي يصدر القرارات؟ ومن الذي يدير الحزب؟ وبمن يرتبط الوزراء؟ وممن ستتلقى البيروقراطية أوامرها؟ أردوغان يشرف على السلطتين القضائية والتشريعية. لكنه يتحكم في إدارة حزب العدالة والتنمية أيضا. وذلك بحجة أن داود أوغلو هو رئيس الوزراء، لكن أردوغان هو الزعيم. ما أشبه هذه الحالة بالزعامة الأبدية في نظام الحزب الواحد.أو الزعيم القومي الألماني فوهرر، أو دوتشيه في إيطاليا! علما بأن حزب العدالة والتنمية كان يدعي بأنه سيخلص تركيا من مفهوم الحزب الواحد.
وأصبح أعضاء العدالة والتنمية في حيرة من أمرهم. كما أصبح الناخب في حيرة من أمره. ولا يعرف أحد ما إذا كان أردوغان هو الذي يخوض الانتخابات أم داود أوغلو؟ أم يخوض داود أوغلو الانتخابات من أجل أردوغان؟ لا أحد يعلم جواب هذا.
وبسبب هذه الإزدواجية في قيادة الحزب انقسم أعضاؤه بين مناصري القصر ومناصري الحكومة. وانقسمت وسائل الإعلام، وفروع الحزب، والصحفيون، والنواب، والوزراء… الكل افترقوا وهم ينتظرون من الذي سيكسب الرهان.
وثمة منافسة حامية الوطيس بين الحكومة والقصر. وكل واحد منهما يود توسيع شعبيته فأردوغان يريد التحكم بكل شيء وبكل مكان بشكل يخالف القانون. والأسوأ من ذلك أنه يريد أن يصبغ هذا الوضع الغريب بصغة الشرعية من خلال تغيير الدستور.
وبات أردوغان حملا تزيد وطأته، حتى على حزب العدالة والتنمية كذلك، يوما بعد يوم.












