بقلم: محمد كاميش
تعيش تركيا في الوقت الراهن حالة من فقدان الوعي والكسوف العقلي. إذ انقلب كل شيء رأساً على عقب. نجد من ناحية منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية تدشن نصبًا تذكاريًا لمحسوم كوركماز، أول من بدأ العمليات المسلحة للمنظمة في تركيا قبل ثلاثة عقود، وهو يحمل بندقية من طراز كلاشينكوف الشهير في مقبرة لعناصر المنظمة ببلدة ليجا التابعة لمحافظة ديار بكر جنوب شرق البلاد بعِلم من وزارة الداخلية. ومن ناحية أخرى نجد أن أبناء هذا الوطن ممن كرّسوا حياتهم لمكافحة الإرهابيين واللصوص والجواسيس والانقلابيين يُعتقَلون ويلقى بهم في غياهب السجون.
نرى النائب العام في إزمير، كما هو الوضع في إسطنبول، لا يقدر على إبراز أي دليل لاتهام رجال الشرطة الموقوفين، بل إنه لا يستطيع حتى أن يلصق بهم أي اتهام ولو كان بسيطاً، وعلى الرغم من ذلك، تصدر المحكمة قرارًا باعتقالهم، وبينما نعيش هذه الأحداث، نجد وزير الداخلية أفكان علاء يخرج علينا ليؤنبنا على غضبنا بسبب النصب التذكاري الذي دشنته منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية؛ إذ قال: “إذا كانوا قد دشنوا نصبًا تذكاريًا، فما الذي حدث؟ هل قامت القيامة؟”.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]تعيش تركيا في الوقت الراهن حالة من فقدان الوعي والكسوف العقلي. إذ انقلب كل شيء رأساً على عقب. نجد من ناحية منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية تدشن نصبًا تذكاريًا لمحسوم كوركماز، أول من بدأ العمليات المسلحة للمنظمة في تركيا قبل ثلاثة عقود، وهو يحمل بندقية من طراز كلاشينكوف الشهير في مقبرة لعناصر المنظمة ببلدة ليجا التابعة لمحافظة ديار بكر جنوب شرق البلاد بعِلم من وزارة الداخلية. ومن ناحية أخرى نجد أن أبناء هذا الوطن ممن كرّسوا حياتهم لمكافحة الإرهابيين واللصوص والجواسيس والانقلابيين يُعتقَلون ويلقى بهم في غياهب السجون.[/box][/one_third]يرى وزير الداخلية أن مسألة تدشين نصب تذكاري لأول من أطلق عمليات حزب العمال الكردستاني المسلحة في تركيا شيئا عاديا لا يستحق التضخيم، وكانت نظرته لهذا الحادث كتلك التي نظر بها إلى واقعة إنزال العَلم التركي، وكنظرته لاستشهاد ضابط شاب برتبة ملازم يبلغ من العمر 23 ربيعًا في كمين إرهابي. وفي الواقع، ما هذا العَلم الذي تقوم الدنيا وتقعد من أجله؟! أليس عبارة عن قطعة من القماش، كما أن النصب التذكاري عبارة عن مجسم من الألياف الزجاجية؟!
وفي زمان لم يعد فيه الموت يعني أي شيئ، نشرت صحيفة ستار الموالية لحكومة حزب العدالة والتنمية خبرًا كبيرًا استنادًا للشيخ جودت آكشيت، وبحسب هذا الخبر، جاء بعض الأشخاص إلى الشيخ آكشيت بينما كان في الولايات المتحدة عام 1996، وقالوا له: “كنا قد قررنا مرتين أن نقتلك، لكننا أعرضنا عن هذه الفكرة بعد ذلك”، وقد حكى الشيخ هذه القصة للبعض عام 2013. وقد تذكرت الصحيفة الكتابة عن هذه الواقعة الآن.
إن من ينشرون خبرًا كبيرًا عن واقعة حدثت قبل 18 عامًا دون إظهار دليل أو مستند، وكأنهم يضعون “الخدمة” والعنف في بوتقة واحدة، يستطيعون في اليوم نفسه الذي استشهد فيه ثلاثة أشخاص من أبناء وطننا، أحدهم ملازم والآخر رقيب متخصص، أن يقولوا “ما الذي حدث يا أخي حتى تهوّل المسألة إلى هذه الدرجة؟”.
وإذا تطرقتم للحديث عن هذه المواضيع تكونون قد اصطدمتم على الفور بحصار مفاوضات السلام القائمة مع حزب العمال الكردستاني، وتُتهَمون باتهامات فارغة مثل الإضرار بهذه المفاوضات. وإذا كانت هذه الوتيرة تمرّ عبر أفعال مثل عدم القدرة على رفع علم بلادك في أي مكان من أراضي الوطن أو تقديس مَنْ رماك بالرصاص، فهذا يعني أن هذه العملية ليست عبارة عن مفاوضات سلام بل هي عملية استسلام.. فإذا كنت تترك جميع الأكراد ليكونوا تحت رحمة منظمة مسلحة، وتوفر كل الظروف المساعدة لعلو شأن هذه المنظمة، وتجعلهم يتمركزون في المخافر الفارغة في العراق، فكيف يمكن أن تكون هذه مفاوضات سلام؟
تستر المسؤولون على واقعة استشهاد ثلاثة عسكريين أتراك على يد عناصر حزب العمال الكردستاني قبل بضعة أسابيع، وفي تلك الأيام التي لم يلق أحد بالًا لتناول هذا الحادث الأليم، اتُهم رجال الشرطة المعتقلون وقت السحور في شهر رمضان بالتنصت على شخص ما. غير أن هذه الاتهامات لم تستند إلى أي أدلة ملموسة، وكان الجميع يعرف أن التهمة الوحيدة لهؤلاء المتعقلين هي مكافحة الإرهاب والقبض على الإرهابيين والحيلولة دون إتمام الفعاليات التجسسية وضبط اللصوص وإحضارهم.
وفي الوقت الذي لا يتورّع فيه رئيس الجمهورية الجديد رجب طيب أردوغان عن اتهام رجال الشرطة هؤلاء بالتنصت عليه، وذلك خلال جميع لقاءاته الجماهيرية والتليفزيونية، لم ينبس ببنت شفه للرد على التصريحات الواردة من ألمانيا والتي يقول فيها مسؤولو برلين: “لقد تنصتنا عليكم، بل على جميع من في تركيا”، يتهَم رجال الشرطة بالتنصت والتجسس، لكن أحدًا لا يستطيع أن يقول للناس لصالح أية دولة يتجسسون، تقول ألمانيا صراحة “لقد تجسسنا عليكم علانية، وعلمنا كل شيء عنكم”، لكن أحدًا في تركيا لم يتناول هذه التصريحات الخطيرة بالنقاش. حتى إن وزير الداخلية التركي أفكان علاء يرى أن تنصت ألمانيا على بلاده شيئ عادي وطبيعي، حسنًا، إذا كان هذا الأمر طبيعياً، أوليس من الطبيعي أن يسألكم البعض: ماذا تريدون من رجال الشرطة الذين رددوا مرارًا وتكرارًا أنهم لم يتنصتوا على أحد سوى أولئك الذين أصدر المدعون العامون أوامر بالتنصت عليهم؟!
وإذا لم يكن ما تعيشه تركيا حاليًا فقدانا للوعي وكسوفاً، فما علينا إلا أن نسأل “من أنتم حقًا”؟!
صحيفة” زمان” التركية