بقلم: نازلي إيليجاق
من الخطأ أن نقول إن “الإسلام”، الذي يعني “السلام”، هو مصدر الإرهاب، غير أننا لا يمكننا في الوقت نفسه أن نغض الطرف عن حقيقة “الجهاد”، وأن نقول إن أعمال العنف لا تربطها أدنى علاقة بالإسلام، إذ إن الجرائم التي ترتكبها
تنظيمات كالقاعدة والنصرة وداعش تتغذى على التفسيرات المتشددة للإسلام، فبدلًا من أن نرى هذا ونقول: “لا يمكن للمسلم أن يكون إرهابيًا”، علينا أن ننتقد أنفسنا، ونعرّف الجهاد تعريفًا صحيحًا، ونحاول فهم التوتر والمخاوف التي يشعر بها
الغرب إزاء هذه القضية.
لا يمكن أن نقول إن هؤلاء “أعداء للإسلام والمسلمين”، وانقضى الأمر، فلا شك في أن هناك أناسا من هذا النوع، غير أن الأغلبية العظمى تتأثر جرّاء المشاهد العنيفة، وينظرون إلى الإسلام بعين الريبة. فلو لم تكن هجمات 11 سبمتبر / أيلول 2001 قد وقعت، ولو لم يكن داعش قد قتل آلاف الأشخاص بلارحمة، فهل كانت صورة المسلمين قد شوهت وأصبحوا مصدر خوف وقلق للآخرين؟
وربما يتسبب التعصب في الأديان الأخرى في حدوث المذابح ونشوب الحروب، ولقد حدث هذا بالفعل، إلا أنه كلما قويت العلمانية، وزاد التسامح إزاء الاختلافات، والنظر إلى العنصرية على أنها تصرف مخجل، نجد أن عقلية أكثر شمولًا بدأت تسيطر على الغرب بمرور الوقت، ولاريب في أن هناك مَن يعادون المسلمين ويستسلمون للعنصرية من خلال الأحكام المسبقة، غير أن العالم المعاصر لا يوجد به مفهوم يحرّك هذه الجماهير العريضة لهذه الدرجة ويضفي صبغة شرعية على الجرائم التي ترتكَب وكأنها في سبيل الله.
ويجب على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن يرى هذه الحقيقة، فمن الخطأ أن يربط موقف الغرب إزاء داعش بكون “الإسلام” هو المحرّك للتنظيم، وربما تكون قناعته هذه قد نشأت من تكوينه الذي ينظر دائمًا بعين الشك إلى القيم الغربية.
لا نطلب من السيد أردوغان الشيء الكثير، نريده فقط أن يشعر إزاء داعش بالسخط نفسه الذي يشعر به تجاه بشار الأسد، غير أن هذا مستحيل، فهو يقول بشكل لا إرادي “هذا التنظيم سنّي مؤمن”، ويوافق على هذا موافقة مبدئية، فهل بشار الأسد هو الحاكم الظالم الوحيد في العالم؟ فها هم عناصر داعش يقطعون رؤوس البشر بدم بارد، المشير عبد الفتاح السيسي انقلابي لأنه عزل الرئيس محمد مرسي، إذن، فماذا يكون الرئيس السوداني عمر حسن البشير؟ ألم يقم بانقلاب ضد سلطة منتخبة عام 1993 ؟ فضلًا عن أن المحكمة الجنائية الدولية كانت قد أصدرت حكمًا بحقه بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، والفارق بين البشير والسيسي هو أن الأول سياسي إسلامي جيد، ولهذا فهو يستقبَل بمراسم فخمة لدى زيارته تركيا.
إن الإسلام دين جميل، والانتساب إلى هذا الدين يعتبر مصدر فخر، لكن إذا كان هناك من يضفون صبغة الشريعة على الفساد والظلم وارتكاب الجرائم، من خلال بعض الفتاوى الدينية، فحينها – للأسف – يبدأ استجواب المعتقدات وليس الأشخاص.
شن حملة دهم على صحيفة” كارشي”
شنّت الشرطة التركية حملة دهم على صحيفة” كارشي”، التي تبث أخبارها عبر موقعها على شبكة الإنترنت، بسبب خبر نشرته، كان يجب أن تقوم الدنيا ولا تقعد إزاء هذه الواقعة، إلا أن وسائل الإعلام لم تنبس ببنت شفة حول هذا الموضوع، كما أُغلق موقع الصحيفة الإلكتروني، وكان حتى القانون الذي ننتقده بشدة يحتّم بعض القواعد الخاصة بهذه الحالة، وفي الحالات الطارئة يطبّق رئيس هيئة الاتصالات (TİB) طلب إغلاق المواقع خلال أربع ساعات، إلا أنه يجب أن تصدر موافقة عن المحكمة في غضون 24 ساعة. فهل اتخذت هيئة الاتصالات قرارها؟ وهل أرسلته إلى المحكمة؟ ليس واضحًا… هذا فضلًا عن أن هذا القرار محدود بعنوان (URL) الصفحة. ويتطلب إغلاق الموقع الإلكتروني بالكامل من قِبل مزود الخدمة قرارًا من المحكمة، ولا يمكن لهيئة الاتصالات أن تتخذ قرارًا بمفردها في هذا الصدد.
وبحسب التصريحات التي أدلى بها الصحفي امره أرجيش، فإن الخبر الذي أرادت الشرطة حذفه من موقع الجريدة على الإنترنت، مأخوذ من القرص المرن (CD) المسلَّم إلى محاميي رجال الشرطة المعتقلين، ويتضح أن الادعاء الذي يقول إن “رئيس الوزراء أردوغان تعرض لعملية تنصت على مكالماته الهاتفية” ليس كذلك، وذلك من خلال قرارات هيئة الاتصالات نفسها. ومَن تم التنصت عليه بصفته “الشخص المستهدَف” ليس أردوغان، بل شخص آخر. وقد دخل أردوغان ضمن عملية التتبع الفني إما لأنه استخدم هاتف الشخص المستهدَف أو تحدث معه عبر الهاتف. ولو كانت وتيرة هذه القضية قد سارت بشكل طبيعي، لكان النائب العام قد أمر بتدمير الشريط المسجل عليه المحادثة، إذا ثبت عدم ارتباطه بموضوع الدعوى، بعد كتابة مذكرة الادعاء. لكن لم يعد هناك فرصة لفعل هذا.
إن إسكات موقع صحيفة كارشي على شبكة الإنترنت يعتبر واحدا من الإجراءات التعسفية التي نشهدها اليوم في تركيا التي تسير بخطى ثابتة في طريقها نحو أن تكون دولة استبدادية قمعية، إلا أن المثقفين في تركيا أصبحوا غير مكترثين لدرجة أنهم لن يستطيعوا أن يعربوا عن رد الفعل اللازم إزاء هذه التطورات.
إجراءات هيئة الاتصالات التعسفية
صدرت حزمة من القوانين وسّعت نطاق صلاحيات هيئة الاتصالات في تركيا، حيث أصبح من ضمن سلطاتها أن تصدر قرارات بمفردها بحجب الوصول إلى المواقع الإلكترونية في قضايا الفحش والاستغلال الجنسي وانتهاك الحياة الخاصة، كما أن الهيئة تستطيع حجب الوصول إلى محتوى أي موقع على شبكة الإنترنت في غضون أربع ساعات، دون الحاجة إلى حكم قضائي، بحجة حماية الأمن القومي والحفاظ على النظام العام والحيلولة دون ارتكاب الجرائم.
أكاد أجزم بأن تدخل السلطات فيما تبثه صحيفة كارشي تم من خلال هذه الصلاحية الجديدة التي مُنحت إلى هيئة الاتصالات، ويمكن لأحد أن يخرج علينا ليوضح أن نشر موقع الصحيفة لأشرطة الفساد، أو حتى نشر الادعاءات المتعلقة بهذه القضية، يعتبر حجة لإغلاق الموقع لحماية النظام العام أو منع ارتكاب الجرائم.